يحكى أن الحشاشين عاشوا في "الفردوس الأعلى"، حيث أحاطت بهم الكروم والأشجار وأنهار العسل واللبن والخمر، وفي مقابل هذا النعيم كل ما كان عليهم فعله هو تنفيذ تعليمات "شيخ الجبل" حسن الصباح، واغتيال الملوك والوزراء وقادات الجيوش والقضاة؛ لرفع راية "الحشاشين" والخلود في الجنة الموعودة التي أتيح لهؤلاء المقاتلين زيارتها بين الحين والآخر.
يُحكى أيضاً أن "الصباح" سيطر على أفراد جماعته بجعلهم مدمنين لـ"الحشيش"، لكن تلك الرواية لم تثبت تاريخياً، والثابت أن الحشاشين بثوا الرعب في قلوب العباسيين والفاطميين والسلاجقة والخوارزميين والزنكيين والأيوبيين إضافة إلى الصليبيين، على مدار 3 قرون إلى أن قضى عليهم هولاكو في نهاية المطاف.
قلعة ألموت "وكر العقاب" الذي تحصن فيه الحشاشون
في أعالي جبل ألموت، تحصَّن الحشاشون بقلعة بُنيت منذ عام 840 على ارتفاع 2100 متر عن سطح الأرض.
يقال إن أحد ملوك الديلم قد بنى قلعة "ألموت" التي تبعد 100 كم عن طهران، وبقيت سلالته تسكنها حتى نهايات القرن الحادي عشر، حيث ظهر حسن الصباح، ورجاله من الحشاشين، فطردوا صاحب القلعة واتخذوها مقراً لإقامتهم وممارسة معتقداتهم وإجراء اجتماعاتهم، وقيل إنهم اشتروها بـ3000 دينار ذهبي.
وللمفارقة فإن كلمة "ألموت" في اللغة الفارسية تعني حرفياً "وكر العقاب"، لكن "الصباح" صوَّرها لأتباعه "الحشاشين" على أنها الجنة المنشودة والفردوس الأعلى وفقاً لبعض الروايات.
لكن من هم الحشاشون؟
باختصار، هم جماعة دينية إسلامية تنتمي إلى الطائفة الإسماعيلية الشيعية على وجه التحديد، أسسها رجل فارسي يدعى "حسن الصباح" الذي انشق مع جماعته عن الخليفة الفاطمي، ليدعو إلى إمامة نزار بن المستنصر بالله ومن كان من نسله.
وقد استطاعت هذه الجماعة بث الرعب في قلوب أعدائهم؛ نظراً إلى قدراتهم الاستثنائية على التغلغل في صفوف العدو وتنفيذ اغتيالات رفيعة المستوى، وتميز الحشاشون عن غيرهم من الفرق الدينية بعدد هائل من الحكايات والأساطير التي نُسجت حولهم؛ نظراً إلى سرية وغرابة معتقداتهم.
مصر.. بداية الحكاية
بدأت حكاية الحشاشين في مصر، على يد مؤسس الجماعة حسن الصباح، وقد كان الرجل فارسياً من مدينة قُم، أما مذهبه فقد كان شيعياً إثني عشرياً، وقد أرسله أحد زعماء الإسماعيلية من مدينة "الري" الفارسية إلى مصر؛ للتقرب من الخليفة الفاطمي ودراسة عقائد المذهب الإسماعيلي هناك.
ولفهم سبب تأسيسه جماعة الحشاشين، فعلينا أولاً أن نفهم أوضاع الخلافة الفاطمية في ذلك العصر.
في الأعوام الممتدة ما بين 1036 و1094، حكم الدولة الفاطمية الخليفة المستنصر بالله، ولم تكن الخلافة في أوج قوتها بتلك الفترة، فقد عانت من الانقسامات الداخلية والفوضى، فضلاً عن الفقر والمجاعات.
وبعد أن كانت دولة قوية ممتدة من أقصى المحيط الأطلسي إلى الفرات، اقتصرت الدولة الفاطمية آنذاك على مصر فقط.
عجز المستنصر عن إدارة أمور دولته المتهالكة، فاعتمد على والي عكا، بدر الدين الجمالي، ليعيد الاستقرار إلى البلاد، وهو ما قام به بالفعل، لكنه في المقابل أصبح الحاكم الفعلي للدولة.
وعندما أصبح الخليفة على فراش الموت، أراد أن يعين ابنه نزاراً خليفة له بعد موته، لكن ابن الجمالي، الذي عيَّنه والده وزيراً في دولة المستنصر، كان ميالاً إلى أحمد، الأخ غير الشقيق لنزار، فعيَّنه خليفة للمستنصر ولقَّبه بالمستعلي بالله.
لكن نزاراً فر إلى الإسكندرية وانشق عن أخيه، وحشد قوات توجهت إلى القاهرة ومُنيت بهزيمة كبرى أسفرت عن اعتقال نزار وقتله.
نعود الآن إلى حسن الصباح، الذي كان مؤيداً لقضية نزار ابن المستنصر بالله ويعتبر المستعلي مغتصباً للخلافة، وبعد مقتل نزار على يد أخيه، بدأ "الصباح" دعوة "الإسماعيلية النزارية"، وعاد من مصر إلى إيران، لينشر تعاليم مذهبه ويحشد أتباعاً لدعوته، وقد عُرف هؤلاء لاحقاً باسم "الحشاشين".
أساطير الحشيش والفردوس الأعلى
وفقاً لكتاب "حركة الحشاشين.. تاريخ وعقائد أخطر فرقة سرية في العالم الإسلامي: أسرار الباطنية والفرق الخفية"، فقد اختار الصباح "قلعة ألموت" لتكون مقراً لأعمال جماعته؛ وذلك بسبب موقعها الحصين والبعيد عن الأعين.
وقد جاء في قصة الرحالة الإيطالي ماركو بولو، التي عُرفت بـ"أسطورة الفردوس"، أن "الصبّاح" قد صمم القلعة بحيث تكون شبيهة بالجنان، فقام بزراعة الأشجار والأزهار وصمم حدائق فريدة تخطف الأنظار، واستغل درايته بعلوم الهندسة والبناء، وأجرى أنهاراً اصطناعية صغيرة من اللبن والعسل والخمر.
وكما قال بولو، فقد كان "الصباح" يدس الحشيش لأتباعه في طعامهم وشرابهم ويُخرجهم إلى تلك الحدائق؛ ليقنعهم بأنهم الآن في الجنة، وأنهم سيخلدون في هذا النعيم إلى الأبد بعد أن يموتوا في سبيل تنفيذ عملياتهم الفدائية.
لكن المؤرخين قد نفوا هذه الرواية، بحجة أن قلعة ألموت أُحرِقت سنة 1256، بينما وُلد ماركو بولو سنة 1254؛ ويُقال أيضاً إن الطبيعة المناخية لقلعة ألموت التي تُغطيها الثلوج طيلة 7 أشهر في السنة، تجعل الوادي المُشرفة عليه القلعة غير صالح لزراعة الحدائق.
لكن لماذا تمت تسميتهم بالحشاشين؟
اختلف المؤرخون على أسباب تسمية الحشاشين بهذا الاسم، فعزاه البعض إلى الحشيش الذي كان مقاتلو هذه الجماعة يتعاطونه.
أما البعض الآخر، فعزوا التسمية إلى أن الأصل الاشتقاقي لكلمة الحشاشين هو Assassin، أي "القتلة" أو "الاغتياليون" حسب اللفظ الفرنسي، وهذه لفظة كان يُطلقها الفرنسيون الصليبيون على الإسماعيلية الذين كانوا يفتكون بملوكهم وقادة جيوشهم.
ويُقال أيضاً، إن سبب التسمية يعود إلى كلمة "المؤسسين" نسبة إلى تأسيس قلعة ألموت.
اغتيالات الحشاشين
كان الملوك والأمراء والوزراء وقادات الجيوش والقضاة ورجال الدين من ضحايا الحشاشين الذين كانوا مدرَّبين على التغلغل في صفوف أعدائهم وتنفيذ اغتيالاتهم بحرفية عالية.
ابتعد رجال "الصباح"، المسمى أيضاً بـ"شيخ الجبل"، عن المواجهات المباشرة التي يروح ضحيتها أرواح من الطرفين، واعتمدوا على الاغتيالات التي تُسقط رؤوساً مهمة ومفصلية في الدولة بدلاً من اللجوء إلى المعارك، لكنهم كانوا ينفذون اغتيالاتهم في الأماكن العامة على مرأى ومسمع الجميع؛ لبث الرعب في النفوس.
وقد كانوا مدرَّبين على فنون التنكر والفروسية والقتل بحرفية، لاسيما "الفدائيين" منهم، وهم مجموعة من المخلصين للعقيدة الإسماعيلية يتم تدريبهم بشكل خاص لتنفيذ الاغتيالات المهمة، وعلى الفدائي أن يقتل نفسه في حال تمكَّن منه أحدهم؛ كي لا يبوح بأي سر من أسرار الجماعة.
كما اعتاد الحشاشون دس أتباعهم في بلاط الخلافة والمراكز المهمة في الدولة؛ ليسهل عليهم تنفيذ مهامهم.
ومن جملة اغتيالات الحشاشين الشهيرة نذكر حادثة اغتيال الوزير نظام الملك الطوسي وكونراد الأول ملك القدس، ومودود بن التونتكين أمير الموصل، وأحمد بن إبراهيم الكردي، وقاضي أصفهان الشرعي عبيدالله الخطيب، والخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله، الذي أسقطوه من فرسه وطعنوه عدة طعنات، كذلك اغتيال الخليفة العباسي المُسترشد.
3 قرون من الاغتيالات أنهاها هولاكو والظاهر بيبرس
حتى بعد وفاة حسن الصباح في قلعة ألموت عام 1124، تابعت مجموعة الحشاشين أعمالها على قدم وساق، وبقي الحشاشون مصدر رعب لكثيرين طوال 3 قرون.
ولم يقتصر نشاطهم على قلعة ألموت، بل اتخذوا العديد من القلاع الحصينة الأخرى في قمم جبال إيران والشام لنشر دعوتهم الإسماعيلية النزارية، مما أكسبهم عداء الخلافتين العباسية والفاطمية والدول والسلطنات الكبرى التابعة لهما كالسلاجقة والخوارزميين والزنكيين والأيوبيين، إضافة إلى الصليبيين.
ولم تنتهِ حركة الحشاشين في فارس حتى عام 1256، حيث قضى المغول بقيادة هولاكو على هذه الطائفة بعد مذبحة كبيرة وإحراق للقلاع والمكاتب الإسماعيلية، أما نهاية الجماعة في بلاد الشام فكانت عام 1273 على يد الظاهر بيبرس.