من الواضح أن الأجهزة الأمنية التي بسطت نفوذها وسطوتها على المشهد الإعلامي والفني بمصر قد استأنست بنتائج الموسم الرمضاني الماضي، وتحديداً بعد احتلال حلقات ومشاهد مسلسل "الاختيار 1" للترند طوال أيام الشهر الفضيل، مما حتم عليها الإعلان وبمجرد انتهاء الحلقة الأخيرة أنها ستقدم جزءاً جديداً من نفس المسلسل؛ وبالفعل تم ذلك باستقطاب أسماء فنية جديدة انضمت للمستنقع إياه، وكانت "المفاجأة الصادمة" بضم فنان بقيمة أحمد مكي كي يقدم فروض الطاعة والولاء (سبق أن خصصنا للموضوع مقالاً خاصاً نُشر هنا قبل فترة وجيزة).
لكن السؤال المطروح في ظل هذه المعمعة كلها: ماذا بعد كل هذه الافتراءات والأكاذيب؟ متى سنصل للجزء الذي يتحدث مثلاً عن الملف الحساس والحيوي الذي يهدد البلد بأكمله ونقصد بالطبع سد النهضة؟ وكيف يمكن لهؤلاء تزوير وتزييف الحقائق هذه المرة؟
إذا كان على المتلقي أن يصدق كل هذه "البطولات" وأنهار "الإنسانية" التي تسيل مع كل شهر رمضان عبر الشاشات المحلية والعربية (تحديداً الإماراتية التي تحرص على عرض الاختيار) فإن "الاختبار الحقيقي" الذي على هؤلاء النجاح فيه وبالتالي "إقناع " المترددين (وما أكثرهم) بتصديق هذه الروايات ما زال جاثماً ويقترب في كل لحظة من الانفجار وهدم كل المسرحيات والعنتريات التلفزيونية؛ وهنا نتساءل: هل نجح "البذخ الفني" المطروح بعناية فائقة قصد تجميل الوجه البشع للنظام في "التغطية " على الفشل الذريع في إدارة الصراع مع إثيوبيا؟
الجواب واضح ويعرفه القاصي والداني، ورغم الميزانيات الفلكية المعدة للشهر الكريم قصد "تنويم" الشعب وترديد بعض الوسوم ونشرها على نطاق واسع بعد بث كل حلقة من مسلسل "الاختيار" فإن الرهان والتحدي المفترض أن يزكي كل هذه "البسالة" والبطولة، ومع كامل الأسف، ما زال على حاله ويزداد سوءاً يوما بعد يوم؛ فهل يمكن أن يصدق الجمهور ما يفرزه خيال صناع هذه الأعمال ويكذبوا الواقع القاسي الذي يطاردهم في كل دقيقة؟
وللأمانة فالحرص على "توثيق" هذه "الإنجازات الخالدة" لا يقتصر على العمل "المدلل" لدى الأجهزة الأمنية ونقصد "الاختيار"؛ فهناك مسلسلات أخرى هذا العام تسير على الخط ذاته على غرار "هجمة مرتدة" لأحمد عز وهند صبري المقتبس عن قصة حقيقية، بالإضافة إلى مسلسل "القاهرة كابول" الذي حرص على تشويه الجميع باستثناء شخصية "الضابط عادل" التي يجسدها الفنان خالد الصاوي.
لكن ومع كل هذه الصور الجميلة والتضحيات الجسام نعود لنكرر مجدداً أن هناك كابوساً مرعباً اسمه "سد النهضة " كان كفيلاً بالتصدي لكل هذه المسلسلات وتوجيه الضربة القاضية لها؛ فمتى سيعترفون بالحقيقة المرة يا ترى؟
في انتظار "الاختيار 10" وعشرون أيضاً..
فعلا حبل الكذب قصير..
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.