انتقادات في الأوساط الأمريكية وُجهت لقرار إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن توفير الحصانة لحازم الببلاوي، رئيس الوزراء المصري الأسبق، من المساءلة أمام محكمة أمريكية في انتهاكات لحقوق الإنسان خلال فترة توليه المنصب.
إذ نَحَّت إدارة بايدن، هذا الشهر، جانباً حديثها عن "إعادة حقوق الإنسان إلى مركز السياسة الخارجية الأمريكية" للحفاظ على علاقتها مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، على غرار ما كان ترامب يفعله، حسب ما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
فقد بادرت الإدارة بخطوة استثنائية وطالبت بتوفير الحصانة لحازم الببلاوي، أحد المسؤولين المتهمين بانتهاك حقوق الإنسان، من دعوى قضائية فيدرالية تطالب بتعويضات ضده باعتباره رئيس الوزراء المصري السابق لدوره في التعذيب والاحتجاز التعسفي والانتهاكات المروعة ضد مواطن أمريكي.
لماذا وفرت إدارة بايدن الحصانة لحازم الببلاوي؟
يرى تقرير الموقع الأمريكي أنَّ محاولة إدارة بايدن حماية الببلاوي- في أعقاب موافقتها على مبيعات صواريخ تكتيكية متطورة لمصر بقيمة 197 مليون دولار- تقدم مؤشراً مبكراً على كيف أنَّ الحديث عن إعطاء الأولوية لحقوق الإنسان في العلاقات الأمريكية مع مصر لن يتخطى كونه حديثاً، وكيف ستعود العلاقات إلى العمل كالمعتاد مع حكومة السيسي العسكرية الاستبدادية، حسب التعبير الوارد في التقرير.
وجاء اسم رئيس الوزراء المصري السابق الببلاوي بوصفه مدعى عليه في القضية التي رفعها محمد سلطان في 1 يوليو/تموز 2020. ويسعى سلطان للحصول على تعويضات ضد الببلاوي بسبب إشرافه على قمع ما بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي، الذي شمل إساءة معاملة سلطان وتعذيبه واحتجازه. ووقعت الأحداث المذكورة في الشكوى على مدار 21 شهراً، بدءاً من 14 أغسطس/آب 2013، في مذبحة ميدان رابعة العدوية بالقاهرة، حيث تجمع الآلاف في اعتصام حاشد، احتجاجاً على عزل الجيش للرئيس المنتخب.
وكان سلطان، الذي يجيد اللغتين الإنجليزية والعربية، قد تطوع للعمل مترجماً مع الصحفيين الغربيين خلال الاحتجاجات. وأصيب برصاصة في ذراعه أثناء حديثه إلى أحد المراسلين. وتمكن من الفرار من الساحة، لكن فريقاً من القوات الخاصة احتجزه بعد أيام قليلة.
وأمضى سلطان بعد ذلك أكثر من 21 شهراً رهن الاحتجاز، قال إنه تعرض خلالها لإساءات جسدية ونفسية مروعة على يد قوات الأمن المصرية. وفي أبريل/نيسان 2015، أي بعد أكثر من 19 شهراً من اعتقاله، حاكمته السلطات المصرية في محاكمة جماعية وصدر بحقه حكم بالسجن المؤبد مع 35 متهماً آخرين بتهم لا أساس لها، حسب الموقع.
وتحت ضغط هائل من إدارة أوباما، أطلقت الحكومة المصرية سراح سلطان في مايو/أيار 2015، لكنها أجبرته على التخلي عن جنسيته المصرية في هذه العملية. وعاد سلطان إلى وطنه الولايات المتحدة وأسس منظمة في واشنطن العاصمة تناصر قضايا السجناء السياسيين الآخرين في مصر والمملكة العربية السعودية.
وأُتِيحت الفرصة لسلطان أيضاً للمطالبة بتحقيق العدالة في قضيته، فاستغلها. فبينما كان سلطان لا يزال في السجن، استقال الببلاوي من منصب رئيس الوزراء في فبراير/شباط 2014، وانتقل إلى واشنطن العاصمة لتولي منصب مريح، بصفته "مديراً تنفيذياً" لصندوق النقد الدولي. وقدم سلطان شكوى في محكمة فيدرالية أمريكية طالب فيها بتعويضات ضد الببلاوي لدوره المباشر في إساءة معاملته وتعذيبه واحتجازه. وسعى الببلاوي إلى إسقاط القضية قبل النظر في مزاعم سلطان، مؤكداً أنَّ وضعه في صندوق النقد الدولي يمنحه حصانة ضد الدعاوى القضائية في الولايات المتحدة.
المحكمة أرادت الاطلاع على خطاب صندوق النقد بأن الببلاوي ممثل لمصر
وبمساعدة إدارة ترامب، استند محامو الببلاوي في دفاعهم إلى رسالة من وزارة الخارجية الأمريكية تفيد بأن "الوزارة أُخطِرَت بأنَّ الببلاوي سيتولى مهامه بصفته الممثل المقيم الرئيسي لمصر لدى صندوق النقد الدولي اعتباراً من 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2014".
ومع ذلك، لم تقبل المحكمة تأكيدات إدارة ترامب. وأرادت الاطلاع بنفسها على إخطار صندوق النقد الدولي بالممثل المقيم الرئيسي الجديد. وحكمت بموجب أمر بتاريخ 19 ديسمبر/كانون الأول 2020، أنها لا تحتاج لموافقة صندوق النقد الدولي في قضية المُدعَى عليه الببلاوي.
وورثت إدارة بايدن القضية من سابقتها، وعلى الرغم من خطابها بشأن التركيز على المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان في العلاقات الأمريكية مع مصر، فقد اختارت اتباع نفس النهج الذي اتبعته إدارة ترامب.
وإدارة بايدن لم تظهر الخطاب، إذ يبدو أنه غير موجود
وفي خطاب نوايا للمحكمة، بتاريخ 1 أبريل/نيسان 2021، تجاهلت إدارة بايدن طلب المحكمة المحدد للحكومة بتقديم وثائق من صندوق النقد الدولي أو "التشاور مع صندوق النقد الدولي والحصول على مثل هذه الوثائق".
ونظراً لحرص إدارة بايدن الواضح على إنهاء هذه القضية، يبدو من المرجح أنَّ وثائق صندوق النقد الدولي المطلوبة ببساطة غير موجودة. وبدلاً من الاعتراف بهذا، استمرت الإدارة في مواقفها، مؤكدة أنَّ "صندوق النقد الدولي أخطر وزارة الخارجية الأمريكية بأنَّ الببلاوي تولى منصب الممثل المقيم الرئيسي لمصر لدى صندوق النقد الدولي، اعتباراً من 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2014".
ويتعين على المحكمة الآن اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت ستذعن لـ"خطاب النوايا" لإدارة بايدن بشأن حصانة الببلاوي، وهو في واقعه طلب رد الدعوى نيابةً عن الببلاوي. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020، استقال الببلاوي من وظيفته وغادر الولايات المتحدة، دون الكشف عن سبب مغادرته، لكن قد يكون لذلك علاقة بأنه مُدعَى عليه في قضية فيدرالية.
هكذا أضاع بايدن فرصة لاستعادة حقوق الضحايا وساعد على إفلات الجناة
وبغض النظر عمّا تقرره المحكمة بشأن قضية الحصانة لحازم الببلاوي، فقد أرسلت إدارة بايدن، في إطار جهودها لحماية الببلاوي، رسالة مقلقة مفادها بأنها لا تنوي تحدي حكومة السيسي العسكرية بشأن سجلها في مجال حقوق الإنسان. ورفع سلطان الدعوى القضائية بموجب قانون منع التعذيب الصادر عام 1991 والذي مكّن ضحايا التعذيب من الحصول على قدر من العدالة ضد مضطهديهم، بغض النظر عن رتبتهم أو لقبهم.
ويرى تقرير الموقع الأمريكي أنه في محاولة لتقويض دعوى سلطان، قد تخرب إدارة بايدن، إذا نجحت في مساعيها، الفرصة الوحيدة أمام الآلاف من ضحايا الببلاوي لتحقيق قدر من المساءلة القضائية وإنشاء سجل تاريخي للمذبحة في ميدان رابعة.
وبالتقدم للدفاع عن الببلاوي، تُطمئِن إدارة بايدن أيضاً الأعضاء الآخرين في نظام السيسي العسكري، الذين يواصلون ارتكاب انتهاكات حقوقية جسيمة ضد شعبهم، بأنهم لن يُحاسَبوا، وليس على يد هذه الإدارة التي ستحافظ على تدفقات الأسلحة وتهب للدفاع عنهم متى ساء الموقف، حسب الموقع.