أعرب علماء بريطانيون عن مخاوفهم من أن القلق المتبقي من جائحة فيروس كورونا ربما أدى ببعض الأشخاص إلى تطوير عادات وسواس النظافة القهرية، التي يمكن أن تمنعهم من الاندماج مع العالم الخارجي، وذلك على الرغم من أن حالات دخول المستشفى والوفيات في بريطانيا بسبب كوفيد-19، آخذة في الانخفاض.
فقد صاغ الأساتذة مفهوم "متلازمة القلق من كوفيد-19" لأول مرة، العام الماضي، عندما لاحظت آنا نكيتشفيتش من جامعة كينغستون البريطانية، ومارك أنطونيو سبادا الطبيب النفسي بجامعة لندن ساوثبانك، أن الناس طورت مجموعة معينة من الصفات رداً على جائحة كورونا، طبقاً لما أوردته صحيفة The Guardian البريطانية، السبت 24 أبريل/نيسان 2021.
الاهتمام المفرط بالنظافة
تتميز تلك "المتلازمة" بالتحقق القهري من أعراض كوفيد-19، وتجنب الأماكن العامة، والاهتمام المفرط بالنظافة، وهو نمط من "السلوكيات غير القادرة على التكيف مع المجتمع"، تبناه البعض عندما بدأت الجائحة.
فيما دق الباحثون الآن ناقوس الخطر من أن القلق المفرط ومحاولات تجنب التهديد، وضمن ذلك عدم الرغبة في استخدام وسائل النقل العام أو تنظيف منزلك لساعات، لن يهدآ بسهولة، ولن ينتهيا حتى مع السيطرة على الجائحة.
تجنب إعادة الانخراط
من جهته، توقع سبادا أنه ستكون لدينا مجموعات من السكان تتجنب إعادة الانخراط، وتقلق باستمرار بشأن الفيروس لأشهر قادمة، سواء تلقوا اللقاح أم لا، مشيراً إلى أن "الخوف أمر طبيعي، من المفترض أن نخاف جميعاً من الفيروس، لأنه خطير، ومع ذلك فالوجه الآخر هو تطوير استجابة نفسية مُرضية كنتاج لحالة الخوف".
يشار إلى أن الباحثين استخدموا البيانات المبلَّغ عنها ذاتياً في يونيو/حزيران 2020 من نحو 500 مشارك أمريكي، ووجدوا أن المتلازمة تنبأت بمستويات من القلق والاكتئاب العامَّين بما يتجاوز العوامل مثل السمات الشخصية والقلق الصحي العام.
الاكتئاب أثناء الجائحة
فقد جمع الباحثون بيانات أولية من استطلاعات أُبلغ عنها ذاتياً مما يقرب من 300 بالغ بالمملكة المتحدة في فبراير/شباط 2021، مما يشير إلى أن متلازمة القلق من كوفيد-19 كانت مؤشراً مستقلاً للقلق العام والاكتئاب أثناء الجائحة؛ إذ كان معظم الأشخاص في الدراسة من أصحاب البشرة البيضاء الذين يدرسون بالجامعة، واعتبر نحو 22% منهم أنهم معرضون لخطر الإصابة بكورونا، وقال نحو الخُمس إنهم تلقوا جرعة لقاح واحدة على الأقل.
بينما لا تزال هذه الدراسة قيد المراجعة، فيما قدَّم الباحثون للمشاركين مجموعتين من الكلمات -بعضها متعلق بكوفيد-19 وبعضها غير متعلق بكوفيد-19 – ووجدوا أن الانتباه يميل إلى التحيز تجاه المحفزات المرتبطة بكوفيد-19.
كان من المتوقع أن تؤثر عوامل مثل عمر المشارك، وسواء تلقى اللقاح أم لا، أو أنه أصيب مؤخراً بكورونا، أو فقدَ أحد أفراد الأسرة بسبب كورونا، على الاهتمام بالمحفزات المتعلقة بكورونا، ولكن من المدهش أن هذه الفرضية لم تأكدها البيانات. في الواقع، كانت الدرجات الأعلى لمتلازمة القلق من كوفيد-19 مرتبطة بشكل كبير بحجم هذا "الانحياز الانتباهي".
صعوبة التأكد من النتائج
بدوره، ذكر الدكتور تيم نيكولسون، المحاضر السريري بمعهد الطب النفسي وعلم النفس وعلم الأعصاب في كينجز كوليدج لندن، والذي لم يشارك في عمل بحث سبادا، أن مفهوم متلازمة القلق من كوفيد-19 كان مثيراً للاهتمام، ولكنه يحتاج المصادقة عليه بمزيد من البحث، مؤكداً أن نهج الاستطلاع الذي اعتمد على الإبلاغ ذاتياً جعل من الصعب التأكد مما إذا كان أحد المشاركين ميّالاً إلى مثل هذا السلوك بسبب حالات غير مشخصة، مثل اضطراب الوسواس القهري.
نيكولسون أشار إلى أن الوسواس القهري يمكن أن ينجم عن أحداث معينة، ويمكن أن يظهر على شكل قلق: "أنت بحاجة إلى مقابلات شبه منظمة وطويلة مع متخصص لاكتشاف الحقيقة".
إلى ذلك، يستمر مزيد من البحث في متلازمة القلق من كوفيد-19، حيث يستخدم سبادا وزملاؤه عينة من 6 آلاف بالغ في جميع أنحاء الصين وأوروبا والولايات المتحدة، ويتعاونون مع باحثين من إمبريال كوليدج لتقييم مدى انتشار وتأثير المتلازمة.
فضلاً عن ذلك، يحقق الدكتور جيوفاني مانسويتو، من جامعة فلورنسا، في المتلازمة بإيطاليا ويقول إنه رأى بعض الأدلة على ذلك خلال ممارسته السريرية، لافتاً إلى أنه من المهم ليس فقط تحديد المتلازمة ولكن إيجاد طرق لعلاجها والوقاية منها، "وإلا فقد تكون هذه مشكلة كبيرة".
كما أكدت الدكتورة فيكتوريا سالم، وهي أخصائية الغدد الصماء وزميلة الأبحاث السريرية في "إمبريال كوليدج لندن"، والتي تعمل على دراسة منفصلة مع سبادا، أنها شاهدت بعض الأدلة على المتلازمة في عملها، مستدركة: "لا أعتقد أننا نعرف حجم هذه المتلازمة حتى الآن. سنبدأ فقط في اكتشاف ذلك مع تخفيف الإغلاق".