تطور مثير يخالف كل ما يتردد في وسائل الإعلام العالمية والمصرية حول مصير المفاوضات الدائرة في الوقت الحالي بخصوص سفينة الشحن العملاقة إيفرغيفن التي علقت في قناة السويس لمدة 6 أيام بداية من 23 من شهر مارس/آذار الماضي، والمحتجزة حالياً في منطقة البحيرات المرة، مع طاقمها والحاويات التي تحملها والتي تصل قيمة ما بها إلى حوالي مليار دولار.
وعلم "عربي بوست" من أحد كبار مسؤولي هيئة قناة السويس المصرية أن مبلغ التعويض الذي تتداوله كل وسائل الإعلام، لم يصدر عن الهيئة أو أحد مسؤوليها بشكل رسمي نهائياً، مستغرباً كيفية وصول الرقم إلى وسائل الإعلام، خصوصاً أن مسؤولي الهيئة لم يحددوا مبلغاً نهائياً كتعويض عن الأضرار التي تسبب فيها جنوح السفينة في مدخل القناة من الجهة الجنوبية، والذي ترتب عليه توقف حركة الملاحة في القناة.
وكانت وسائل الإعلام العالمية والمصرية قد ذكرت أن هيئة قناة السويس حددت مبلغاً يتراوح بين 900 مليون ومليار دولار للإفراج عن السفينة إيفرغيفن المملوكة لشركة شوي كايسن كايشا اليابانية، مستأجرة من قبل مؤسسة إيفر غرين البحرية في تايوان، وتدار فنياً بمعرفة شركة برنارد شولت شيب مانغمنت (بي.إس.إم) لإدارة السفن.
وكانت السفينة العملاقة التي يبلغ طولها حوالي 400 متر وعرضها نحو 60 متراً قد تسببت في إغلاق القطاعين الشمالي والجنوبي بعد جنوحها في 23 مارس/آذار الماضي، مما ترتب عليه تعطيل مرور السفن عبر قناة السويس في الاتجاهين لمدة 6 أيام، وقدر عدد السفن التي تعطلت بحوالي 369 سفينة، قبل أن تنجح محاولات هيئة قناة السويس في تعويمها، وجرها لمنطقة البحيرات، واستئناف الملاحة.
وأضاف المصدر، في تصريحات خاصة لـ "عربي بوست"، مثمّناً سعي الموقع لمعرفة الحقيقة من مصادرها بدلاً من الاجتهاد غير الموفق، أن مسؤولي الهيئة لم يحددوا مبلغاً مقطوعاً كتعويض عن الأضرار، لسببين مهمين؛ أولهما أن تلك هي المرة الأولى في تاريخ القناة التي تشهد حادثاً معقداً مثل الذي حدث، فلم يسبق أن توقفت الملاحة في قناة السويس منذ إنشائها إلا بسبب الحروب مع إسرائيل، وبالتالي فنحن أمام حالة فريدة، خصوصاً في الجانب المتعلق بتقييم الأضرار التي لحقت بسمعة القناة.
هيئة القناة تطلب تعويضاً عن تكلفة تعويم السفينة وتعطل الملاحة بجانب الضرر الذي لحق بسمعة القناة
السبب الثاني أن مثل هذه الأمور تخضع للتفاوض بين الهيئة والشركات صاحبة المصلحة في السفينة، خصوصاً أن هناك أكثر من شركة تملك وتدير وتستأجر السفينة بجانب شركة التأمين والشركات أصحاب الحاويات، وبالتالي يعلم مسؤولو الهيئة جيداً أن مبلغ التعويض لن يكون الحصول عليه سهلاً وإنما سيخضع لجولات متعددة ومعقدة من التفاوض، وليس من مصلحة الهيئة في الوقت الحالي الإعلان عن مبالغ محددة، حتى لا يؤثر ذلك على سير المفاوضات وموقف الرأي العام، سواء العالمي أو المحلي، وحول حقيقة المبلغ المتداول في وسائل الإعلام (وهو غير محدد بالمناسبة حيث يذكر البعض أنه 900 مليون دولار والبعض الآخر يؤكد أنه مليار دولار بينما توقف فريق ثالث عند رقم 916 مليوناً)، قال المسؤول إن مصدره في الغالب الشركة التايوانية التي تريد التأثير على موقفنا التفاوضي.
تعويضات على أكثر من ضرر
وذكر المصدر أن التعويض الذي تطالب به الهيئة يتضمن أكثر من ضرر، مثل تكلفة الجهود المبذولة لتعويم السفينة التي احتاجت أكثر من 600 متخصص عملوا لمدة 24 ساعة طوال 6 أيام بخلاف المعدات والقاطرات، وهناك أيضاً تكلفة ضياع إيرادات مرور السفن عبر القناة لمدة 7 أيام، وأخيراً تعويض عن الأضرار التي لحقت بسمعة هيئة قناة السويس، نتيجة الجدل الذي دار في مختلف وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي حول العالم، عن سبب جنوح السفينة وكفاءة أطقم العاملين في الهيئة، كاشفاً أن هذا هو القسم الذي يشهد خلافاً كبيراً بين الطرفين، مع صعوبة الاحتكام لمعايير واضحة ومحكمة يمكن أن تساعد في تقدير المبلغ.
وقال المصدر إن المفاوضات جارية في الوقت الحالي بين ممثلين عن الشركة التايوانية وممثلين عن شركة التأمين البريطانية، لكن لم يتم التوصل لأي نتائج حتى الآن، وكشف عن أن ما يثار في بعض المواقع الغربية عن عدم مشروعية قيام الهيئة باحتجاز طاقم السفينة وطلب فدية مقابل تحريرهم، مثلما ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية مؤخراً، أمر يخلو من المنطق، لأن ذلك هو الإجراء المتبع مع أي سفينة يتم احتجازها في أي مكان في العالم، لافتاً إلى أن إدارة الهيئة قامت بالإفراج عن اثنين من البحارة قبل أيام بعدما تأكدت من ضرورة سفرهما إلى بلدانهما لأسباب قاهرة.
ما مصير السفينة والحاويات التي تحملها في حالة امتناع أصحاب السفينة إيفرغيفن عن دفع التعويضات؟
اختلفت وسائل الإعلام العالمية حول مصير السفينة إيفرغيفن والحاويات التي تحملها، والتي تصل إلى حوالي 10 آلاف حاوية في حالة امتناع الشركة المستأجرة للسفينة وشركة التأمين عن دفع التعويضات المطلوبة، "عربي بوست" سأل المسؤول الكبير في هيئة قناة السويس عن الأمر، فرد بالقول إن أحداً في الهيئة لا يملك أي فكرة عن تطورات هذا الأمر، مستبعداً في الوقت نفسه أن يصل الأمر بالشركة المستأجرة أو شركة التأمين إلى الامتناع عن سداد التعويضات.
وأضاف: "كما أوضحت، فإن المشكلة الحاصلة حالياً في المفاوضات ليست في دفع التعويضات من عدمه وإنما في قيمة هذه التعويضات، وبالتالي من المستبعد أن تصل الأمور إلى نقطة مسدودة، وكما ذكرت، فإن هناك أموراً لا خلاف عليها تقريباً تتعلق بتكاليف تعويم السفينة والإيرادات الضائعة بسبب فترة توقف الملاحة، والمفاوضات في هاتين النقطتين يمكن اعتبارها إيجابية رغم بعض الخلافات في وجهات النظر، لكن النقطة الخلافية الكبيرة بين الطرفين هي تقييم الأضرار التي لحقت بسمعة القناة نتيجة ما حدث".
لكن في حالة حدوث المستبعد، وهو امتناع الشركتين عن الدفع، فإن القانون الدولي ينص بحسب ما قال الدكتور أحمد سلطان، الخبير الدولي في النقل البحري واللوجستيات، على احتجاز السفينة حتى تسدد التعويض أو إيداع خطاب ضمان حتى يتم تحديد مبلغ التعويض النهائي، وفي حالة الامتناع تماماً عن الدفع من الممكن التحفظ على السفينة بالكامل، خاصة في حال تقديم الهيئة أدلة على التلفيات والأضرار المباشرة التي لحقت بها نتيجة تعطيل الملاحة، ووقتها يمكن أن يصدر الحكم القضائي بحصول الهيئة على السفينة وحمولتها بالكامل.
وحول ما قيل إن من حق أصحاب الحاويات الموجودة على السفينة التفاوض مع الهيئة بشكل منفرد للإفراج عن حاوياتهم، قال إن ذلك مسموح به، حسب علمه بقوانين البحار الدولية، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن، لكن ليس من المستبعد حدوثه في الأيام القليلة المقبلة، خصوصاً أن السفينة إيفرغيفن، بحسب معلوماته، لن تستأنف رحلتها المعتادة في حالة الإفراج عنها، ولكنها سوف ترسو في الرصيف الجاف في ميناء بورسعيد لإجراء عملية صيانة وإصلاح بعض الأضرار التي أصابتها بسبب الجنوح، على أن يتم تفريغ شحناتها من الحاويات على سفن شحن أخرى تقوم بتوصيلها إلى أصحابها في موانئ أوروبا، وهذا يعني -بحسب المصدر- أن أصحاب الحاويات سيكون عليهم في وقت ما تدبُّر أمر شحناتهم بعيداً عن مصير السفينة المحتجزة.
ويحق لأصحاب الحاويات التفاوض للحصول على شحناتهم بعيداً عن موقف السفينة المحتجزة، وذلك وفقاً لمفهوم يطلق عليه "المتوسط العام"، بحسب ما ذكر موقع Supply Chain Dive المتخصص في أمور التجارة البحرية الدولية، حيث يقوم أصحاب الشحنات بالتفاوض لتحرير شحناتهم مقابل دفع نسبة تصل إلى 54% من قيمة شحناتهم للجهة التي تحتجز سفينة الشحن، وهذا تحديداً ما حدث في واقعة احتراق السفينة ميرسك هونام في بحر العرب في مارس/آذار من عام 2018، حيث تم احتجاز السفينة لحين انتهاء التحقيقات، لكن قام بعض أصحاب الشحنات بالتفاوض ودفع النسبة المشار إليها لتحرير شحناتهم قبل أن تنتهي صلاحيتها، لكن الأمر استغرق شهرين كاملين لحدوث ذلك.
هل ستتحمل هيئة قناة السويس تعويضات لأصحاب الحاويات في حالة امتداد بقاء السفينة في الحجز التحفظي لمدة أطول، وبالتالي فساد بعض الشحنات؟! "عربي بوست" سأل المسؤول بالهيئة فأجاب مؤكداً أن الهيئة ليس عليها أي مسؤولية تجاه أي طرف في هذه الأزمة، وإنما كامل المسؤولية تقع على السفينة وطاقمها، وهذا ما ننتظر أن يؤكده تحليل بيانات صندوق السفينة الأسود، لكن بشكل عام فإن عبور القناة مسؤولية طاقم السفينة، ولا صحة لما أشيع وقت الأزمة بأنه مسؤولية المرشدين الذين يتولون توجيه السفن منذ دخولها حرم القناة، لأن المرشدين (شخصان) اللذين يتوليان توجيه كل سفينة رأيهما استشاري فقط، فهما يزودان قبطان السفينة بالمعلومات الضرورية لعبور القناة بشكل آمن، لكن القرار الأخير يظل في يد القبطان، ومن ثم يتحمل هو المسؤولية عن أي مشاكل تقع خلال العبور.
في ظل هذه المعلومات، فإن أي تعويضات سيتم فرضها لصالح أصحاب الحاويات ستتولى دفعها الشركة التايوانية المستأجرة أو الشركة اليابانية أو شركة التأمين وليس قناة السويس.
محكمة الإسماعيلية ليست جهة تقاضٍ في أزمة السفينة ولكن اللجوء إليها كان هدفه "شرعنة" احتجاز السفينة
وتطرق المصدر المسؤول في هيئة قناة السويس، في تصريحاته الخاصة لـ"عربي بوست"، إلى ما يثار حول قانونية اللجوء إلى محكمة محلية لمقاضاة الشركة المالكة للسفينة الجانحة، خصوصاً أن القوانين الدولية تنص في أغلبها على ضرورة قيام هيئات دولية بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين أطراف من جنسيات مختلفة، وقال إن القرار الذي أصدرته محكمة الإسماعيلية الاقتصادية قبل أيام بحجز السفينة، لحين انتهاء التحقيقات ودفع التعويضات المقررة، لا يمكن اعتباره سوى شكل قانوني يعطي مشروعية لقرار الهيئة بحجز السفينة، فهو مثل إذن النيابة الذي تحتاجه الشرطة قبل احتجاز أو القبض على أي شخص أو مداهمة أي منزل، لكن المحكمة بالطبع ليست مختصة بالفصل في النزاع بين الهيئة وبين الشركات المسؤولة عن السفينة.
وأعرب المسؤول عن اعتقاده بأن الأمر لن يصل إلى مرحلة النزاع القضائي في ضوء ما رآه من ممثلي الشركتين المشاركين في المفاوضات، حيث لا يريد أحد سواء من الشركتين (الشركة المستأجرة وشركة التأمين) أو من الهيئة أن يطول التفاوض أو يصل إلى مرحلة النزاع، لأن توقف السفينة يسبب خسائر ضخمة للشركة المستأجرة، كما يكلف شركة التأمين أعباء هائلة بسبب التعويضات المقرر دفعها لأصحاب الحاويات في حالة تلف ما بداخلها.
وحول تأخر الإعلان عن نتائج التحقيقات، قال المصدر إن هذا أمر طبيعي في مثل هذه الحالات، لأن الهدف من التحقيقات ليس الوصول إلى نتائج متسرعة بقدر ما هو بلوغ الحقائق حتى لا يُظلم أحد، وكانت الهيئة قد أعلنت بالفعل على لسان رئيسها الفريق أسامة ربيع أن نتائج التحقيقات سيتم إعلانها يوم الخميس الموافق الخامس عشر من أبريل/نيسان الحالي، لكنها عادت وأعلنت في بيان نشرته على موقعها الرسمي أن التحقيقات لا تزال جارية في أسباب جنوح السفينة، وأن نتائجها ستنشر فور انتهاء التحقيقات.
هل يؤثر توجه الشركات الكبرى لبناء سفن شحن عملاقة على مستقبل قناة السويس كممر ملاحي؟
في عام 2006 قدمت شركة "ميرسك" سفينة حاويات هي الأكبر من نوعها، والتي ضاعفت بها قدرة أكبر السفن السابقة حتى تتمكن من حمل 15 ألف حاوية، ومنذ ذلك الحين تم تصنيع حوالي 133 سفينة عملاقة -وتعتبر "إيفر جيفن" إحداها- بقدرة استيعابية تراوحت بين 18 و24 ألف حاوية.
وتجتذب السفن العملاقة اهتمام شركات الشحن الدولية، فكلما كانت السفينة أكبر في الحجم زادت قدرتها على نقل المزيد من البضائع، مما يعني انخفاض التكلفة، فبينما تحمل السفن الكبيرة 9 آلاف حاوية فقط تستطيع السفن العملاقة مثل "إيفر جيفن" حمل 20 ألف حاوية، وبالتالي فإن ذلك يوفر الوقود ويقلل تكلفة النقل لكل حاوية، ويقلل الأثر الضار الذي تتركه كل سفينة في البيئة.
لكن في المقابل ظهر جلياً أن تشغيل هذه السفن العملاقة في المجاري المائية الضيقة يعد أمراً بالغ الصعوبة، إذ إن تكديس الحاويات في هذه السفن يصعّب السيطرة عليها، الأمر الذي يهدد- بحسب تقديرات بعض الخبراء- مستقبل الممرات الملاحية المهمة في العالم وعلى رأسها قناة السويس.
هذا التخوف يرد عليه المسؤول بهيئة قناة السويس حاملاً رسالة اطمئنان لكل القلقين على مستقبل القناة، حيث أشار إلى أن كبريات شركات بناء السفن في العالم تراجع الهيئة قبل الشروع في بناء سفينة شحن جديدة، "حيث ترسل لنا مقاييس السفينة المعتزم بناؤها، وتقوم إدارة المحاكاة في الهيئة بدراسة تلك المقاييس ومقارنتها مع إمكانيات قناة السويس من ناحية الطول والعرض والغاطس، ثم ترد على الشركة برسالة تحمل الموافقة على بناء السفينة بنفس المقاييس، أو ملاحظات لتعديل مواصفاتها حتى تتلاءم مع مقاييس القناة وبالتالي تتمكن من العبور منها".
وأكد المسؤول أنه لا توجد سفينة شحن في العالم حتى هذه اللحظة لا تستطيع القناة استيعابها، ومنها سفينة الحاويات العملاقة ميرسك ميلان التي عبرت القناة بالفعل في الثالث والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول 2020، قادمة من ميناء طنجة بالمغرب ومتجهة إلى سنغافورة بحمولة كلية قدرها 214 ألف طن.
وتصنف السفينة كواحدة من أكبر سفن الحاويات في العالم، حيث يبلغ طولها 399 متراً، وعرضها 59 متراً، وتستطيع أن تحمل على متنها حتى 19630 حاوية مكافئة، وتعبر القناة بغاطس 17.4 متر، وهو الغاطس الذي يزيد قليلاً عن الغاطس المسموح به لمثل هذه النوعية من السفن، وفقاً للائحة الملاحة وقواعد المرور بالهيئة، لكن نجح رجال هيئة قناة السويس في تأمين عبورها.