جواز سفر “كورونا” ليس الأول من نوعه.. تعرّف على تاريخ “جوازات اللقاح” خلال جائحتي الطاعون والجدري

عربي بوست
تم النشر: 2021/04/22 الساعة 16:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/04/22 الساعة 16:05 بتوقيت غرينتش
iStock/ جوازات سفر لقاح كورونا ليست الأولى من نوعها

روّج البعض لـ"جوازات سفر لقاح كورونا" باعتبارها بطاقة مرورنا إلى الحياة الطبيعية -فهي دليل يُثبت تلقي الشخص اللقاح المضاد لفيروس كورونا- ومع ذلك، وصف آخرون هذا الإجراء بأنَّه غير فعّال ويُشكّل انتهاكاً للحرية الشخصية.

iStock/ جوازات سفر لقاح كورونا
iStock/ جوازات سفر لقاح كورونا

جوازات سفر لقاح كورونا: هل هي مفيدة حقاً؟

ووفق شبكة CNN الأمريكية فإن الجدل بشأن ربط إمكانية دخول بلد ما بتقديم إثبات على تلقي اللقاح، يعود إلى أكثر من 120 عاماً عندما كان مسؤولو الصحة يكافحون وباء الطاعون.

ففي تسعينيات القرن الـ19 خلال فترة الحكم البريطاني لشبه القارة الهندية، أقرّت الحكومة البريطانية في الهند سلسلة من التدابير لمحاولة وقف انتشار وباء الطاعون، من بينها مطالبة المسافرين بتقديم شهادة حكومية تثبت تلقيهم اللقاح المضاد لهذا المرض البكتيري القاتل.

لكن المواطنين الهنود اعتبروا شهادات التطعيم الصادرة عن الحكومة البريطانية إجراءً جائراً يهدف إلى الحد من السفر والسيطرة على تحركات المواطنين.

وإذا كان التاريخ شاهداً على شيء، فسيشهد أنَّ إقرار مقترح "جوازات سفر اللقاح" لن يحدث بسلاسة أو لن يحدث في آن واحد، خاصة أنّ الحكومات لاقت صعوبة في فرض هذه الوثيقة في تسعينيات القرن الـ19، وقد يحدث نفس الأمر في عام 2021 والأعوام اللاحقة في حال وقوف مزيد من المواطنين على مستوى العالم ضد هذا المقترح.

ما قصة جواز سفر لقاح الطاعون في الهند؟

يعود النقاش المتعلّق بالتحقّق من تلقي اللقاح إلى تسعينيات القرن الـ19 أثناء الموجة الثالثة من جائحة الطاعون.

إذ قال رينيه ناجيرا، عالم الوبائيات ومحرر موقع "تاريخ اللقاحات" التابع لجمعية الأطباء في فيلادلفيا، إنَّ "حكومة الهند البريطانية كلّفت الدكتور فالديمار هافكين، الذي ابتكر أول لقاح فعّال ضد الطاعون، بالعمل على وقف انتشار الطاعون في الهند".

وأشار ناجيرا إلى أنَّ هافكين أجرى تجارب اللقاح على نفسه أولاً ونزلاء سجن بومباي (مومباي حالياً).

لكن التوترات بين المسؤولين الحكوميين البريطانيين والشعب الهندي كانت عالية بالفعل في ذلك الوقت ووصلت إلى ذروتها في عام 1897 عند إقرار قانون الأمراض الوبائية، الذي منح مسؤولو القطاع الصحي صلاحيات اتخاذ التدابير الصحية اللازمة للسيطرة على انتشار المرض، والتي اعتبرها المواطنون "تدابير تدخلية للغاية".

وكان مسؤولو الصحة يجبرون مرضى الطاعون على إخلاء منازلهم، غالباً بمساعدة الشرطة المحلية أو الجيش، ويحرقون المباني الموبوءة بالفئران منذ معرفة أنَّ القوارض تنشر الطاعون، كما طلبت السلطات أيضاً من المواطنين حمل شهادات تثبت تلقيهم التطعيم.

iStock/ الطاعون
iStock/ الطاعون

اضطرابات ومظاهرات في جميع أنحاء البلاد

أدت تلك الإجراءات إلى اندلاع اضطرابات مدنية في جميع أنحاء البلاد، من خلال تنظيم إضرابات عن العمل ومظاهرات غالباً ما تحولت إلى أعمال عنف.

نتيجة لذلك، بدأ العديد من الهنود مغادرة المراكز الحضرية والبحث عن مناطق تكون فيها الحكومة الاستعمارية أقل حضوراً.

في السياق ذاته، قال سانجاي باتاتشاريا، أستاذ التاريخ بجامعة "York" الإنكليزية، للإذاعة العامة الوطنية الأمريكية (NPR) الأسبوع الماضي إنَّ "المسؤولين في الهند البريطانية كانوا قلقين أيضاً بشأن مواقع الحج الهندوسية والإسلامية، حيث يتجمع الآلاف من الناس في وقتٍ واحد".

شهادة تلقيح ضد الطاعون شرط أساسي لأداء الحج

وقال رينيه ناجيرا، عالم الوبائيات، إنَّ تقديم شهادة تلقيح ضد الطاعون كان شرطاً أساسياً لأداء فريضة الحج، بل إنَّها كانت مجرد أحد الأشياء العديدة التي حاولت فعلها الحكومة لوقف السفر الجماعي من المدن التي تعاني من الطاعون.

ومع ذلك، أضاف ناجيرا، لم يساهم شرط تقديم شهادات تلقيح في وقف حركة المواطنين والسفر على نحوٍ فعّال.

وتابع: "بينما كان يُشترط تقديم شهادات تثبت تلقي اللقاح، كان التطبيق متراخياً أو منقوصاً، وكان العنف والغضب سينفجر إذا كانت الحكومة البريطانية قد أصرّت على تطبيق هذا الشرط بطريقة تعيق حركة المواطنين المستائين بالفعل، الذين يحاولون الهروب من وباء الطاعون في مدينتهم".

هل هناك فرق بين جواز سفر كورونا ووثيقة سفر الطاعون؟

في الحقيقية لا يوجد اختلاف كبير بين دلالة "جواز سفر لقاح كورونا" المطروح حالياً والشهادة الصحية التي كانت مطلوبة وقت وباء الطاعون، فكلاهما دليل على تلقي التطعيم -سواء ورقياً أو رقمياً- يتيح للشخص إمكانية دخول الأماكن أو التنقل بحرية أو السفر إلى دول أجنبية.

ويهدف في الوقت نفسه إلى إبعاد أولئك الذين لم يتلقوا اللقاح عن الأماكن العامة، حيث يمكنهم نقل فيروس كورونا، لذا يَمنح الأشخاص الملقحين فرصة العودة إلى حياتهم الطبيعية نوعاً ما.

جواز سفر الجدري أيضاً

لم يكن جواز سفر الطاعون هو الأول والأخير، إذ ظهر في مطلع القرن العشرين جواز سفر الجدري عندما كانت الولايات المتحدة في قبضة الوباء.

خلال فترة التفشي التي استمرت 5 سنوات من عام 1899 إلى عام 1904، أكد مسؤولو الصحة الحكوميون 164283 حالة إصابة بالجدري، لكن الأعداد الحقيقية ربما كانت أعلى بخمس مرات وفقاً لما ذكره موقع History التاريخي.

ولإبطاء انتشار الفيروس شديد العدوى والقاتل في كثير من الأحيان، كان هناك ضغط على الصعيد الوطني للتطعيم ضد الجدري.

في المدن والولايات التي شهدت أسوأ حالات تفشي المرض، كان التطعيم إلزامياً وكان يلزم الحصول على شهادات التطعيم الرسمية للذهاب إلى العمل أو الذهاب إلى المدرسة العامة أو ركوب القطارات أو حتى الذهاب إلى المسرح.

تطعيم وحشي

باتباع تقنية طورها إدوارد جينر لأول مرة في أواخر القرن الـ18، كان التطعيم ضد الجدري في عام 1900 يعني فتح جلد الجزء العلوي من الذراع باستخدام مشرط أو سكين، ثم غرس الفيروس الحي في الجرح.

ويقول مايكل ويلريش، أستاذ التاريخ في جامعة برانديز: "سيبدأ متلقي اللقاح في الشعور بالمرض، وعادة ما يكون مصحوباً بحمى وألم شديد في الذراع، سوف يزداد تهيج موقع اللقاح أكثر فأكثر، وتتشكل قشرة، وتتساقط تاركة وراءها ندبة صغيرة، يمكن من خلالها معرفة ما إذا كان الشخص قد تلقى التطعيم أم لا".

الندبة هي جواز السفر!

أغضبت أوامر التطعيم الإلزامية العديد من الأمريكيين الذين شكلوا اتحادات ضد التطعيم للدفاع عن حرياتهم الشخصية.

وفي محاولة لتفادي مسؤولي الصحة العامة، الذين فرضوا قوانين التطعيم، قام بعض النشطاء المناهضين للتطعيم بتزوير شهادات التطعيم.

وفي وقت متأخر من عام 1904، نشرت مقالة في صحيفة نيويورك تايمز بعنوان "تزوير شهادات التطعيم" تقارير عن انتشار عدد كبير من الشهادات التي لا قيمة لها.

وفي المناطق السكنية المكتظة في مدن مثل نيويورك وبوسطن حيث انتشر الجدري بسرعة مميتة، استعان مسؤولو الصحة برجال الشرطة للمساعدة في تنفيذ أوامر التطعيم، وفي بعض الأحيان يقيدون جسدياً المواطنين غير المتعاونين.

وبسبب الإحباط من المقاومة الواسعة للتطعيم، بدأت فرق اللقاح هذه في تجاهل الشهادات تماماً والانتقال مباشرة إلى الخطوة التالية وهي طلب رؤية الندبة التي يخلفها التطعيم.

ومن ثمّ بدأ استخدام ندبة التطعيم نفسها باعتبارها تذكرة الدخول الوحيدة أو "جواز السفر" للمدنيين.

نوع واحد فقط من جوازات السفر الخاصة باللقاحات لا يزال موجوداً

ثمة نسخة واحدة من جواز سفر اللقاح استطاعت الحكومات تطبيقها، وهي "البطاقة الصفراء" أو شهادة إثبات تلقي التطعيم ضد الحمى الصفراء والتي تطلبها بعض الدول من المسافرين لمنع انتشار المرض.

يجدر الإشارة إلى أنَّ الحمى الصفراء هي المرض الوحيد المذكور على وجه التحديد في اللوائح الصحية الدولية لمنظمة الصحة العالمية على الرغم من أنَّ العديد من الدول تحدَّد شروطها الخاصة بها فيما يتعلّق بتلقي اللقاحات.

ويقول رينيه ناجيرا إنَّ الأمر متروك للدول بشأن كيفية تطبيق إرشادات منظمة الصحة العالمية، مشيراً إلى أنَّ دولاً مثل نيوزيلندا وأستراليا اشترطت على المسافرين تقديم شهادة تثبت تلقي اللقاح ضد الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية للمسافرين أثناء فترة ظهور الحصبة من جديد في عام 2019.

تحميل المزيد