يثير الكشف عن المحادثات بين السعودية وإيران التي أجريت في العراق، تساؤلات حول الأسباب التي دعتهما لهذه الخطوة وما هي الملفات التي ناقشتها وإلى أي مدى يمكن أن تكون هذه المفاوضات مثمرة أو تصبح بداية لتسوية بينهما.
فأخيراً جلس الغريمان اللذان أشعلا الشرق الأوسط على طاولة واحدة، إذ كشفت صحيفة فايننشيال تايمز البريطانية و شبكة CNN الأمريكية أن إيران والسعودية أجرتا محادثات مباشرة على مستوى منخفض في العراق في 9 أبريل/نيسان، بحسب مصادر عدة بينها مصادر في الحكومة العراقية على دراية مباشرة بالحدث.
ورغم أن المحادثات بين السعودية وإيران جرت على مستوى منخفض، إلا أنها مهمة، لا سيما بعد أن قطعت المملكة العربية السعودية العلاقات الدبلوماسية مع إيران في 2016.
وذكرت مصادر لشبكة CNN أن المحادثات شارك فيها مسؤولون استخباراتيون من الجانبين، وأنها تمهيد لمحادثات دبلوماسية رفيعة المستوى.
وقال أحد المصادر إن "المحادثات بين السعودية وإيران عُقدت لسد الفجوة في وجهات النظر بين البلدين".
وقال مسؤول إيراني لصحيفة فايننشيال تايمز البريطانية "كان هذا اجتماعاً منخفض المستوى لبحث ما إذا كانت هناك طريقة لتخفيف التوترات المستمرة في المنطقة".
من جهته قال مسؤول بوزارة الخارجية السعودية لرويترز الأسبوع الماضي إن إجراءات بناء الثقة مع طهران قد تمهد الطريق لإجراء محادثات موسعة بمشاركة خليجية عربية.
دور العراق في المحادثات بين السعودية وإيران
من الواضح أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي قد يكون له دور في المحادثات بين السعودية وإيران، سواء بالدعوة لها أو تسهيلها.
وقال مسؤول إيراني لصحيفة فايننشيال تايمز البريطانية إنها تمت بناء على طلب العراق.
والكاظمي منذ بداية توليه السلطة لم يخف جهده لإعادة العراق لحاضنته العربية، وسعيه لتحسين علاقات العراق مع السعودية، والنأي ببغداد عن الصراع الإيراني السعودي.
وأجرى رئيس الوزراء العراقي محادثات مع ولي العهد السعودي في وقت سابق من هذا الشهر وزار الإمارات العربية المتحدة أيضاً.
وجعل ذلك العراق يتحول تدريجياً إلى أخف ساحات النزاع بين طهران والرياض سخونة، مقارنة بلبنان التي أصبحت فعلياً خاضعة لمقاطعة سعودية، واليمن الذي تخوض فيه الرياض حرباً مع الحوثيين المدعومين من طهران.
الملفات التي جرى مناقشتها
قال مسؤول إيراني كبير ومصدران إقليميان إن مسؤولين سعوديين وإيرانيين أجروا محادثات مباشرة هذا الشهر في محاولة لتخفيف التوترات بين الخصمين، في الوقت الذي تعمل فيه واشنطن على إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع طهران وإنهاء الحرب في اليمن.
ورغم تعدد ملفات الخلافات، فإن من الواضح أن المحادثات بين السعودية وإيران ركزت إلى حد كبير على الأزمة اليمنية.
ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن المصدر الإقليمي قوله إن الاجتماع ركز على اليمن، في ظل محاولات السعودية لإنهاء الحرب والتي تجلت في إطلاق مبادرتها لوقف الحرب في الثلث الأخير من الشهر الماضي.
وأصبحت حرب اليمن تشكل مأزقاً مزدوجاً للسعودية، فبالإضافة إلى التكلفة المادية والإحراج الداخلي الذي تسببه هجمات الحوثيين بالطائرات المسيرة والصواريخ، فإن الحرب باتت تضر بسمعة المملكة خارجياً، وهو ضرر تجاهلته إدارة ترامب، ولكنه بات محركاً أسياسياً لإدارة بايدن التي كان واحداً من أوائل القرارات التي اتخذتها رفع الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية، والإعلان عن وقف دعم العمليات العسكرية السعودية في اليمن.
وقال المصدر الاقليمي الثاني إن المحادثات بين السعودية وإيران تطرقت أيضاً إلى لبنان الذي يواجه فراغاً سياسياً وسط أزمة مالية حادة. وتشعر دول الخليج العربية بالقلق من تنامي دور جماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران.
هل خرجت المحادثات بين السعودية وإيران بنتيجة إيجابية؟
"المحادثات بين السعودية وإيران التي أجريت بالعراق لم يؤد إلى أي انفراجة"، حسبما قال المسؤول الإيراني وأحد المصادر الإقليمية المطلعة.
ومن الواضح أن الإيرانيين حاولوا الاستفادة من الموقف، خاصة من المأزق السعودي في اليمن.
ويبدو أنهم ردوا على التلميحات السعودية بالحاجة إلى إيجاد حل في اليمن بحديثهم المكرر عن أن الحوثيين جهة مستقلة.
إذ نقل موقع نادي الصحفيين الشباب التابع للتلفزيون الإيراني عن مصدر مطلع قوله: "ناقشت إيران والسعودية قضية اليمن خلال مباحثات.. تسعى السعودية في هذه المباحثات إلى وساطة إيران في الصراع مع الحوثيين وأنصار الله، لأن السعودية تتعرض لضغوط في هذا الصراع".
وأضاف المصدر المطلع: "قالت إيران إن لليمن قراره المستقل، وعلى السعودية أن تتحدث مع اليمنيين وأنصار الله.. أوصت إيران في المحادثات بما يجب على المملكة العربية السعودية فعله للتفاوض مع اليمن.. يبدو أن هذه المحادثات جرت على مستوى المسؤولين الأمنيين".
دوافع البلدين للحوار
تجنب البلدان تأكيد الاجتماع رسمياً، ففيما لم تعلق عليه السعودية رسمياً، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية في بيان: "اطلعنا على تقارير إعلامية حول مباحثات إيرانية سعودية في بغداد، ثمة أنباء متضاربة بهذا الشأن"، وأضاف المتحدث أن "إيران رحبت دوماً بالحوار مع المملكة العربية السعودية وتعتبر ذلك في صالح شعبي البلدين والسلام والاستقرار الإقليميين وهذا الموقف مستمر".
ويشير هذا إلى تحسب مشترك للبلدين من احتمال فشل المحادثات، مع ميل إيراني أكبر للاعتراف بإجراء المحادثات.
ولكن رغم العداء المرير بين البلدين والذي وصل إلى حد قطع السعودية، العلاقات مع إيران في يناير/كانون الثاني 2016 بعد اقتحام سفارتها في طهران في احتجاجات على إعدام الرياض لرجل دين شيعي، فإن كلتيهما في مأزق يدفعهما للبحث عن مخرج للوضع الحالي.
وقد تمثل المحادثات بين السعودية وإيران فرصة لهما على السواء.
فرغم محاولة الإيرانيين إظهار أنهم الطرف الأقوى عبر سيطرتهم على العراق ولبنان، ومساندتهم للحوثيين الذين باتوا مشكلة كبيرة للسعودية في اليمن، إلا أن الواقع أنهم في مأزق كبير بدورهم جراء أزمة الاتفاق النووي حيث تسببت العقوبات الأمريكية في وضع ضغط اقتصادي كبير عليهم.
ومن شأن مضي طهران قدماً في خيارها الحالي بتصعيد عمليات تخصيب اليورانيوم المخاطرة بتخطي خط أحمر قد يدفع إسرائيل للتحرك أو استنفاد صبر إدارة بايدن التي تبدو حريصة على حل سياسي للملف النووي الإيراني، ولكنها لن تسمح باقتراب طهران من صنع قنبلة نووية.
وأي تساهل سعودي في المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني سيكون له تأثير إيجابي عليها بالنظر إلى أن الاعتراضات والطلبات السعودية والخليجية في هذا الملف تعد من أكبر العراقيل أمام حله، وتبدو للكثيرين منطقية.
ومن الواضح أن المحادثات بين السعودية وإيران التي عقدت في العراق لم تتطرق للملف النووي الإيراني، حسب التسريبات.
وقد يفسر هذا بشكل أو بآخر، لماذا لم تؤدّ إلى نتيجة.
لأنه إذا كان مطلب السعودية الرئيسي في هذه المحادثات هو البحث عن تسوية مع الحوثيين، فإن الواقع أن إيران هي آخر دولة في العالم تريد إبرام مثل هذه التسوية لأن الملف اليمني هو أقوى وأرخص أداة ضغط في يدها ضد السعودية وبصورة أقل ضد حليفتها أمريكا.
بل إن طهران لم تبد ترحيباً يذكر بالمبادرة السعودية لإنهاء الحرب في اليمن، وعلى العكس جاءت تغريدات أطلقها المرشد الإيراني علي خامنئي تزامنت مع المبادرة بدا فيها أنه يريد استمرار حرب اليمن.
وبالتالي فإذا كان الأمريكيون والسعوديون يريدون توسيع النقاش ليشمل القضايا الخلافية مثل الصواريخ والأنشطة الإيرانية في المنطقة، فإن الإيرانيين يعتبرون العمليات العسكرية الحوثية نقطة في صالحهم تستحق إذا قبلوا الطلب السعودي بالضغط على الحوثيين لوقف هجماتهم على المملكة، أن ينالوا في مقابلها مكاسب في الملف النووي الإيراني.
أي أنه بينما قد يريد خصوم إيران أن يشمل أي اتفاق نووي فتح برنامجها الصاروخي، وأنشطة ميليشياتها في المنطقة، لرفع العقوبات، فإن طهران ترى أن أي تنازل في اليمن سيكون مقابل رفع العقوبات وحل الملف النووي، بدون المساس ببرنامجها الصاروخي (الذي تلمح أنه مقابل برنامج السعودية الصاروخي).
فلا مصلحة لإيران في تخفيض التوتر في اليمن (الذي لا يكلفها سوى أقل القليل)، بينما هي تعاني عقوبات اقتصادية موجعة.
شكل الصفقة المحتملة
وبالتالي فحتى لو انعقدت جولة جديدة بين المحادثات بين السعودية وإيران، فقد تؤدي إلى تخفيف التوتر في ساحات كالعراق أو لبنان، ولكن لن تؤدي إلى تغيير جذري في الأغلب طالما لم يقبل الطرفان بصفقة تشمل الاتفاق النووي واليمن معاً.
ولكن التاريخ علمنا أن كثيراً من الصفقات التي بدت شبه مستحيلة قد أبرمت في اجتماعات سرية لدى جيران مثل العراق لديهم مصلحة في تبريد الصراعات.
والاتفاق النووي الإيراني نفسه جاء بعد مفاوضات سرية عقدت في سلطنة عمان.
وإلى أن يتوصل البلدان لأي اتفاق محتمل يظل الشعب اليمني رهينة في صراع لا ناقة له فيه ولا جمل.