في تطور جديد لأزمة سد النهضة المتفاقمة، دعت إثيوبيا، الإثنين 19 أبريل/نيسان 2021، أعضاء مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة إلى حث دولتي مصر والسودان على العودة إلى مسار المفاوضات الثلاثية الذي يرعاه الاتحاد الإفريقي، مشدّدة على ضرورة احترام تلك العملية التفاوضية.
ففي رسالة موجهة إلى الرئيس الحالي لمجلس الأمن الدولي، أشار نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإثيوبي، دمقي مكونن، إلى أن العملية التي يقودها الاتحاد الإفريقي حظيت بالدعم الكامل من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على أساس مبادئ التكامل وبروح إيجاد حلول إفريقية للمشاكل الإفريقية، بحسب بيان نشرته وزارة الخارجية الإثيوبية.
الوزارة ذاتها أكدت أن مصر والسودان لا يتفاوضان بحسن نية، وليستا مستعدتين لتقديم التنازلات اللازمة للوصول إلى نتيجة مربحة للجميع، مشيرة إلى أن هذين البلدين اختارا ما وصفته بـ"إفشال المفاوضات، وتدويل القضية؛ لممارسة ضغط لا داعي له على إثيوبيا".
روح الحلول الإفريقية للمشاكل
فيما لفتت الرسالة الإثيوبية إلى "التزام أديس أبابا الراسخ وثقتها بالمفاوضات الثلاثية التي يقودها الاتحاد الإفريقي"، معبّرة عن امتنانها لـ"الجهود الحقيقية التي بذلتها جنوب إفريقيا، والآن جمهورية الكونغو الديمقراطية لمعالجة المسألة بروح الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية".
كما أشارت الرسالة إلى مبادرة إثيوبيا بشأن تبادل البيانات قبل بدء الملء الثاني للسد في موسم الأمطار المقبل، وهو ما رفضته دولتا المصب (مصر والسودان)، مؤكدةً أن "أي محاولة للضغط على إثيوبيا، وتهميش العملية التي يقودها الاتحاد الإفريقي ستزيد من تقويض الثقة بين الدول الثلاث".
إضافة إلى ذلك، جاء في الرسالة أن "إصرار البلدين على الحفاظ على الوضع الراهن غير العادل، ومنع استخدام إثيوبيا للمياه عند منبع سد النهضة تحت ذريعة إبرام اتفاق شامل ملزم، أمر غير مقبول"، منوهة إلى التزامها "الراسخ" بإعلان المبادئ الذي وقعه قادة الدول الثلاث، بينما تتراجع مصر والسودان عن التزاماتهما بموجب هذا الإعلان.
مصر تبلّغ ممثلة "إفريقيا" في مجلس الأمن بمطالبها
في السياق ذاته، أبلغ سامح شكري وزير خارجية مصر، أوهورو كينياتا رئيس كينيا، التي تمثل القارة الإفريقية بمجلس الأمن، مطالب القاهرة بخصوص قضية سد النهضة.
جاء ذلك خلال زيارته لكينيا، في مستهل جولة إفريقية لـ"شكري"، بعد أيام من تقديم مصر رسالة إلى مجلس الأمن بشأن مفاوضات السد المتعثرة، وفق بيان للخارجية المصرية التي أشارت إلى أن الوزير سلم كينياتا رسالة من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بشأن وضع المفاوضات حول سد النهضة، ومطالب مصر، دون أن يوضح تفاصيلها.
لكن القاهرة طالبت مراراً بإبرام اتفاق ملزم قبل بدء إثيوبيا الملء الثاني لسد النهضة.
البيان المصري لفت إلى أن اللقاء "أخذ في الاعتبار الدور الكيني (..) في ضوء عضويتها غير الدائمة بمجلس الأمن ممثلة عن القارة الإفريقية".
فيما أعرب شكري عن تطلع مصر إلى "العمل مع الدول والأطراف المعنية لإيجاد حل لهذه الأزمة والتوصل لاتفاق، بما يحافظ على أمن واستقرار المنطقة".
كان شكري قد بدأ، الأحد 18 أبريل/نيسان 2021، جولة إفريقية غير محددة المدة، تشمل 6 دول، لعرض موقف بلاده من تطورات السد.
من المقرر أن يتوجّه المسؤول المصري كذلك إلى كل من جزر القمر وجنوب إفريقيا والكونغو الديمقراطية (تترأس الاتحاد الإفريقي) والسنغال وتونس.
كما أشار بيان الخارجية المصرية إلى أن شكري يحمل خلال الجولة، "رسائل من الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى رؤساء وقادة هذه الدول حول تطورات ملف سد النهضة والموقف المصري"، مؤكداً أن الجولة تهدف إلى "دعم مسار التوصل إلى اتفاق قانوني مُلزم حول ملء وتشغيل السد على نحو يراعي مصالح الدول الثلاث (مصر وإثيوبيا والسودان)، قبل الشروع في عملية الملء الثاني".
تأتي جولة وزير الخارجية المصري، بعد تجديد رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، موقف بلاده من الملء الثاني للسد، في يوليو/تموز وأغسطس/آب المقبلين.
"معاناة ووضع سيزداد سوءاً"
كما حذّرت وزارة الري المصرية، الإثنين، من "معاناة ووضع سيزداد سوءاً" مع الملء الثاني للسد الإثيوبي "حال ورود فيضان منخفض"، مضيفة: "الوضع سيكون أكثر تعقيداً بدءاً من موسم الفيضان، لأن الفتحات ستقوم بإطلاق تصرف أقل من المعتاد استقباله في شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب المقبلين".
وأوضحت، في بيان لها، تعليقاً على قيام الجانب الإثيوبي (الأحد) بفتح المخارج المنخفضة بسد النهضة، أن هذا الفتح "تمهيداً لتجفيف الجزء الأوسط من السد للبدء في أعمال التعلية لتنفيذ عملية الملء للعام الثاني للسد"، مؤكدة أن حديث نظيرتها الإثيوبية بأن "المخارج المنخفضة وعددها فتحتان قادرة على إمرار متوسط تصرفات النيل الأزرق هو ادعاء غير صحيح".
أيضاً نوّهت إلى أن "تنفيذ عملية الملء الثاني هذا العام واحتجاز كميات كبيرة من المياه طبقا لما أعلنه الجانب الإثيوبي، سيؤثر بدرجة كبيرة على نظام النهر، لأن المتحكم الوحيد أثناء عملية الملء في كميات المياه المنصرفة من السد سيكون هذه المخارج المنخفضة".
السودان يتهم إثيوبيا بتهديد أمنه القومي
إلى ذلك، اتهمت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي، الإثنين، إثيوبيا بتهديد أمن بلادها القومي بملئها الثاني المزمع لسد النهضة.
حيث قالت الوزيرة المهدي، في بيان مقتضب، إن "الإثيوبيين اعتدوا على السودان وتعدوا على أسس حسن الجوار بالطريقة التي أجروا بها الملء الأول للسد"، مضيفة: "اليوم يهددون 20 مليون سوداني، وأمن السودان القومي بالطريقة التي أعلنوها بتنفيذهم للملء الثاني المزمع في يوليو/تموز المقبل".
في السياق، دعا السودان إلى عقد قمة لرؤساء الدول والحكومات الإفريقية؛ للوصول إلى اتفاق بشأن سد النهضة.
جاء ذلك خلال اجتماع الوزيرة المهدي، مساء الأحد، مع سفراء الاتحاد الإفريقي في الخرطوم، وفق ملخص للقاء أرسلته وزارة الخارجية لوسائل الإعلام.
شملت التوصيات التي تقدم بها السودان للسفراء الأفارقة للدفع بالمفاوضات إلى الأمام، الدعوة إلى "عقد قمة لرؤساء الدول والحكومات الإفريقية في أقرب وقت ممكن؛ لتجديد الالتزام السياسي لأطراف مفاوضات سد النهضة بالوصول إلى اتفاق خلال فترة زمنية محددة الإطار".
فضلاً عن ذلك، اقترح السودان "تكليف خبراء الاتحاد الإفريقي باقتراح الحلول وتقديم مسودات نصوص بديلة للاتفاق بين الدول الثلاث مع استمرار دور المراقبين".
دعوة لقمة ثلاثية دون استجابة
كان رئيس وزراء السودان، عبدالله حمدوك، قد دعا، يوم الثلاثاء 13 أبريل/نيسان 2021، نظيريه المصري مصطفى مدبولي، والإثيوبي آبي أحمد، إلى اجتماع قمة خلال عشرة أيام؛ لتقييم مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، بعد وصولها إلى طريق مسدود.
حسب ما نشرته وكالة السودان الرسمية للأنباء، ستناقش القمة الثلاثية المحتملة، الاتفاق على الخيارات الممكنة للمضي قدماً في التفاوض، وتجديد الالتزام السياسي للدول الثلاث بالتوصل إلى اتفاق في الوقت المناسب وفقاً لاتفاق المبادئ الموقَّع عليه بين الدول الثلاث في 23 مارس/آذار 2015.
إلا أنه لم يحدث أي رد رسمي لا بالقبول ولا بالرفض من قِبل دولتي إثيوبيا ومصر حتى الآن، الأمر الذي يشير إلى صعوبة انعقاد أو نجاح هذه القمة المزمعة.
أمن واستقرار المنطقة بالكامل
يذكر أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي صرّح، يوم الإثنين 12 أبريل/نيسان 2021، بأن عدم حل قضية سد النهضة "من شأنه أن يؤثر بالسلب على أمن واستقرار المنطقة بالكامل"، مؤكداً استمرار بلاده في "إيلاء هذا الموضوع أقصى درجات الاهتمام في إطار الحفاظ على حقوق مصر التاريخية في مياه النيل، وذلك باعتبارها مسألة أمن قومي".
جاء ذلك في بيان للرئاسة المصرية عقب لقاء بين السيسي ووزير الخارجية المصري سامح شكري، ووزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، الذي وصل إلى القاهرة، الإثنين، في زيارة غير محددة المدة.
فيما قالت وزارة الخارجية المصرية إنها تعول على دور روسي لمحاولة حل أزمة سد النهضة.
فشل المفاوضات الأخيرة
تجدر الإشارة إلى أنه قبل أيام، فشل السودان ومصر وإثيوبيا في الوصول إلى اتفاق حول أزمة "سد النهضة"، خلال مفاوضات في عاصمة الكونغو الديمقراطية كينشاسا، بالتزامن مع حديث مصري سوداني منفصل عن خيارات "مفتوحة" لتأكيد رفضهما للملء الإثيوبي للسد في يوليو/تموز المقبل.
فقد رفضت أديس أبابا مقترحاً للوساطة الرباعية تقدمت به الخرطوم وأيدته القاهرة، يضم الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي الذي تمسكت بوساطته، التي لم تنجح منذ أشهر طويلة ماضية.
الملء الثاني للسد
تأتي تلك التطورات في ظل إصرار أديس أبابا على الملء الثاني للسد في يوليو/تموز المقبل، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق، فيما تتمسك القاهرة والخرطوم بالتوصل إلى اتفاق يحافظ على منشآتهما المائية ويضمن استمرار تدفق حصتيهما السنوية من مياه نهر النيل.
جدير بالذكر أن مصر والسودان رفضتا، السبت 10 أبريل/نيسان الجاري، اقتراحاً إثيوبيّاً لتبادل المعلومات بشأن عمليات سد النهضة على النيل الأزرق بعد فشل المفاوضات الأخيرة.
وفي أقوى لهجة تهديد لأديس أبابا منذ نشوب الأزمة قبل 10 سنوات، قال السيسي، في 30 مارس/آذار الماضي، إن "مياه النيل خط أحمر، ولن نسمح بالمساس بحقوقنا المائية، وأي مساس بمياه مصر سيكون له رد فعل يهدد استقرار المنطقة بالكامل".