كشفت صحيفة The Guardian البريطانية، الجمعة 16 أبريل/نيسان 2021، عن تقصير متعمد يتبعه خفر السواحل الليبي، قد تسبب في كثير من الأحيان بوفاة مهاجرين في عرض البحر المتوسط.
وتكشف محادثة سجَّلها مدعون عامون في صقلية يحققون في دور جمعيات الإنقاذ البحري المتهمة بالتواطؤ في تهريب البشر، تكشف عن لامبالاة الأفراد في الجانب الليبي بمحنة المهاجرين والقانون الدولي.
هذه المحادثة هي واحدة من معلومات عديدة كشفت عنها نصّ محادثات سجلتها أجهزة تنصّت على هواتف مسؤولي خفر السواحل الليبي، والواردة في ملف مُسرَّب من 30 ألف صفحة أنتجه المدعون الإيطاليون واطلعت عليه صحيفة The Guardian.
اليوم إجازة
في نصّ المحادثة الهاتفية التي تمت في تمام الساعة 8 و18 دقيقة صباح الجمعة، 16 يونيو/حزيران 2017، تلقى العقيد مسعود عبدالصمد من خفر السواحل الليبي مكالمة من مسؤول في خفر السواحل الإيطالي أخبره بأن 10 زوارق مُحمَّلة بمهاجرين تواجه مأزقاً، الكثير منها في المياه الإقليمية لليبيا.
جاء رد عبدالصمد على المسؤول الإيطالي: "اليوم إجازة. نحن في عطلة هنا، لكن سأحاول المساعدة. ربما تجدنا هنا غداً".
وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، ادعى عبدالصمد أن رجاله أنقذوا العديد من المهاجرين المنكوبين. ووفقاً للبيانات التي جمعتها المنظمة الدولية للهجرة، توفي 126 شخصاً بحلول نهاية الأسبوع.
كذلك في 24 مايو/أيار 2017، بدأت المياه تتسرب إلى داخل قاربين غادرا ليبيا وعلى متنهما مئات الأشخاص، وانقلب أحدهما. واتصل الأشخاص الذين كانوا على متن السفينة بخفر السواحل الإيطالي، الذي اتصل بعبدالصمد 55 مرة دون تلقي رد. ووفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قُتل 33 شخصاً في هذه الواقعة.
في هذا السياق، قال ريكاردو غاتي، رئيس بعثة قوارب الإنقاذ التابعة لمنظمة غير حكومية إسبانية Proactiva Open Arms، إنه "من المستحيل دائماً" الاتصال بالليبيين؛ لأن أرقام الهواتف غالباً لا تعمل أو غير موجودة.
بدوره، قال فرانشيسكو كرياتسو، المتحدث باسم قارب الإنقاذ SOS Méditerranée التابع لمنظمة غير حكومية، إن السلطات الليبية "لا تستجيب في الغالب، بغض النظر عن يوم الأسبوع" الذي تتلقى فيه طلب المساعدة.
فيما أشارت إيلين فان دير فيلدين، مديرة عمليات البحث والإنقاذ في منظمة أطباء بلا حدود، إلى أن "التأخير في الاتصالات في عرض البحر وافتقار مركز تنسيق الإنقاذ الليبي للقدرة على التنسيق يزيد من تعريض حياة الناس للخطر وله تكلفة بشرية غير مقبولة".
ولم يُوجِّه قضاة صقلية الذين تنصتوا على الخفر الليبي لعدة أشهر، ضمن تحقيقهم في المنظمات غير الحكومية، أي اتهام إلى أي مسؤول ليبي.
في فبراير/شباط من ذلك العام، تنازلت أوروبا عن مسؤوليتها عن الإشراف على عمليات الإنقاذ في البحر المتوسط إلى ليبيا ضمن اتفاق أُبرِم بين إيطاليا وليبيا بهدف الحد من تدفقات المهاجرين عبر البحر.
فيما أعلنت وزارة العدل الإيطالية في الأسبوع الماضي أنها أرسلت مفتشين إلى تراباني في صقلية "لإجراء التحقيقات الأولية اللازمة على وجه السرعة" في تحقيق المدعين العامين بعد نشر تقارير عن تسجيل ما لا يقل عن 15 صحفياً يغطون قضية المنظمات غير الحكومية ومحامي حقوق الإنسان في محادثة مع مصادر سرية.
يأتي كل ذلك في إطار تحقيق مشترك تجريه صحيفة The Guardian والإذاعة العامة الإيطالية Rai News وصحيفة Domani الإيطالية. ويبدو أنها تُظهِر أن السلطات الإيطالية كانت على علم بأن السلطات الليبية إما غير راغبة أو غير قادرة على رعاية قوارب المهاجرين في البحر.
وفيات كثيرة رغم انخفاض تدفق اللاجئين
من جانبها، قالت صحيفة Washington Post الأمريكية في تقرير نشرته الجمعة 26 مارس/آذار 2021 إن أعداد المهاجرين وطالبي اللجوء الذين وصلوا أوروبا في عام 2020 هي الأقل خلال العقد الماضي، وذلك وفق تقرير نشرته وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة.
كذلك قالت الأمم المتحدة إنه رغم قلة الوافدين من اللاجئين لكن الوفيات وحالات الاختفاء في الطرق البحرية لا تزال مرتفعةً بدرجةٍ تُنذر بالخطر، مع استعادة القليل من تلك الجثث فقط وصعوبة التعرف على هوية الضحايا.
إذ إنه من بين 93 ألف شخص دخلوا أوروبا بشكلٍ غير منتظم في عام 2020 فعل 92% منهم ذلك عبر غرب ووسط وشرق البحر المتوسط، إلى جانب المحيط الأطلسي قبالة شواطئ غرب إفريقيا عبر جزر الكناري الإسبانية على متن قوارب غير صالحة للإبحار.
كما زاد الواصلون إلى جزر الكناري، التي تُعتبر جزءاً من منطقة الشنغن، بنسبة 750% العام الماضي. وقد ارتفع الرقم بالفعل قبل تفشي الجائحة، في أعقاب فرض ضوابط حدودية أكثر صرامة وعمليات الاعتراض داخل المتوسط بواسطة دول شمال إفريقيا. لكن كوفيد-19 كان "بمثابة المُضاعِف للعوامل القائمة التي تُشجع الهجرة عبر هذا الطريق"، وفقاً للتقرير.
أما الطرق البحرية شديدة الخطورة. فقد أكد مشروع المهاجرين المفقودين التابع لمنظمة الهجرة الدولية وفاة أو اختفاء نحو 2300 شخص العام الماضي. وهذا الرقم هو أكبر من مثيله عام 2019 حين جرى تسجيل نحو 2095 ضحية، وأقل قليلاً من عام 2018 الذي شهد تسجيل 2344 ضحية.
بينما شهدت منطقة وسط البحر الأبيض المتوسط شمال ليبيا وفاة 984 شخصاً عام 2020. وفي الوقت ذاته بالمحيط الأطلسي على طريق جزر الكناري، جرى تسجيل 849 ضحية، أي أكثر بأربع مرات من أعداد الضحايا المسجلة في السنوات الست السابقة بحسب التقرير.
كما قالت منظمة الهجرة الدولية إنه تم توثيق وفاة 300 من طالبي اللجوء والمهاجرين إلى أوروبا في الممرين البحريين العام الجاري بالفعل.