ما زالت تداعيات الاضطرابات التي وقعت قبل أيام في الأردن تلقي بظلالها في الشرق الأوسط، بسبب احتمالية ضلوع جهات خارجية في هذا التوتر، ومنها المملكة العربية السعودية التي تشعر بقلق شديد بعد تلك الأحداث، رغم تعبيرها عن دعمها الكامل للملك عبدالله بن الحسين.
السعودية كانت أول من عبر عن دعم القيادة السياسية الحاكمة المتمثلة في الملك عبدالله بعد التوتر مع أخيه غير الشقيق الأمير حمزة، فيما رفض مسؤولون سعوديون بشدة التكهنات التي أثيرت في بعض وسائل الإعلام الغربية حول وقوف المملكة وراء الخلاف العلني بين الملك وأخيه، مؤكدين أن مثل هذه الخلافات الداخلية قد تكون لها آثار خطيرة على الأنظمة الملكية الأخرى في المنطقة. لكن ما يثير قلق الرياض فعلياً هو إلقاء القبض على باسم عوض الله، المستشار المقرب من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
نفت السعودية بشدة أي علاقة لها بالخلافات غير المسبوقة داخل العائلة المالكة في الأردن التي برزت مؤخراً، لكن اعتقال مستشار مقرب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أثار القلق في الرياض؛ حيث تقول مصادر إن السلطات السعودية تضغط لإطلاق سراحه.
لكن وبحسب موقع Middle East Eye البريطاني، الثلاثاء 13 أبريل/نيسان 2021، فإن باسم عوض الله، المسؤول الأردني السابق، الذي أُلقي القبض عليه بسبب محاولة انقلاب مزعومة بعد أن اعترضت الأجهزة الاستخباراتية الأردنية رسائل صوتية ونصية بينه وبين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وحللت تشفيرها، وذلك حسبما علم الموقع من مصدر مقرب من التحقيقات.
وفق المصدر نفسه، فقد ناقش عوض الله وولي العهد السعودي محمد بن سلمان طريقة وتوقيت استخدام الاضطرابات الشعبية المتزايدة في الأردن، والتي أثارها الاقتصاد المتعثر للمملكة الهاشمية وجائحة كورونا، وذلك من أجل زعزعة استقرار حكم الملك عبدالله الثاني.
بينما أوضح موقع Middle East Eye في تقرير للكاتب ديفيد هيرست، رئيس تحرير الموقع البريطاني، أن المصدر لم يطلع على الرسائل بنفسه، لكنه أُبلغ بمحتواها.
واتهمت الحكومة الأردنية في الرابع من نيسان/أبريل ولي العهد السابق الأمير حمزة (41 عاماً) وأشخاصاً آخرين بالضلوع في "مخططات آثمة" هدفها "زعزعة أمن الأردن واستقراره"، واعتقل نحو 20 شخصاً بينهم رئيس الديوان الملكي السابق باسم عوض الله.
من هو باسم عوض؟
وباسم عوض الله كان أيضاً وزير تخطيط سابقاً، ولعب دوراً رئيسياً في إدارة الوضع الاقتصادي في المملكة. في 2008، انتقل إلى دبي وأسس شركة "طموح" التي خاضت مجال الأعمال من الباب الواسع. وتحدثت تقارير عن صلات له مع العديد من السياسيين في الإمارات والسعودية.
وعبّرت الرياض علناً عن دعمها للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، بعد التطورات الأخيرة.
ويرفض مسؤولون سعوديون التكهنات التي أثيرت في بعض وسائل الإعلام الغربية حول وقوف المملكة وراء الخلاف العلني بين الملك وأخيه غير الشقيق الأمير حمزة، مؤكدين أن مثل هذه الخلافات الداخلية قد تكون لها آثار خطيرة على الأنظمة الملكية الأخرى في المنطقة.
واندلعت الأزمة وسط مخاوف في الأردن الذي يتحدّر أكثر من نصف سكانه من أصول فلسطينية، من إمكانية أن يهدد أي تقارب سعودي-إسرائيلي محتمل وصاية المملكة الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس وبينها المسجد الأقصى.
والأحد، شوهد الملك الأردني عبدالله الثاني والأمير حمزة معاً في احتفالات الذكرى المئوية لتأسيس الأردن، في أول ظهور علني لهما منذ الأزمة.
"لا مصلحة"
وقال مصدر مقرب من قيادة السعودية لوكالة الأنباء الفرنسية إن الرياض "ليست لديها أي مصلحة في زعزعة استقرار الأردن"، حليفها الإقليمي منذ فترة طويلة.
وتوجه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان على رأس وفد سعودي إلى عمّان الأسبوع الماضي للتأكيد على وقوف بلاده إلى جانب الأردن في "مواجهة جميع التحديات".
وبحسب المصدر، فإن الزيارة جاءت مع شعور المسؤولين السعوديين بأن "الملك (الأردني) كان يستمع لشائعات من أطراف أخرى، كان عليهم دحضها شخصياً وليس عبر الهاتف".
لكن مصادر أخرى مطلعة على المحادثات ذكرت أن الوفد السعودي في عمّان سعى للضغط باتجاه إطلاق سراح باسم عوض الله الذي يحمل الجنسيتين الأردنية والسعودية، وذكرت تقارير أنه قريب من ولي العهد السعودي.
"يضر بصورة" السعودية
وظهر عوض الله في الماضي بجانب بن سلمان في منتدى مستقبل الاستثمار في السعودية. وتم تصويره وهو يقوم بأداء الصلاة إلى جانب الأمير، الأمر الذي يقوم به الأمير السعودي فقط برفقة مقربين. ويعد عوض الله شخصية مثيرة للجدل في الأردن، وشغل في السابق منصب مبعوث أردني خاص إلى السعودية.
ويقول الضابط السابق في جهاز الاستخبارات المركزي الأمريكي (سي آي إيه) بروس ريدل الذي يعمل حالياً مع معهد "بروكينغز" للدراسات: "لم يذهب وزير الخارجية (السعودي) فقط لإحضار باسم، ذهب أيضاً معه مدير المخابرات السعودية ومدير مكتب محمد بن سلمان إلى عمان".
ونفى المصدر السعودي أن يكون سبب وجود الوفد السعودي في عمّان هو عوض الله، ولم يذكر من هم المسؤولون المشاركون في الوفد. ويؤكد مسؤول غربي في الخليج أن "عوض الله لديه علاقة شخصية مع ولي العهد". ويضيف: "وجوده في السجن يضر بصورة السعودية في الأردن وفي الخارج، لأن الشكوك حول تورط السعودية لا تمحى بالكامل نتيجة ذلك".
وترى الأستاذة في جامعة "واترلو" الكندية، بسمة الموني، أن عوض الله مهم بالنسبة للسعوديين؛ لأن لديه "معرفة عملية بالعديد من الخطط الاقتصادية السعودية والسياسات والاستراتيجيات التي يرغبون في ضمان عدم مشاركتها" خارج المملكة.
ولم يوضح المسؤولون الأردنيون الاتهامات الموجهة إلى عوض الله وإن كان سيحال إلى المحاكمة. في المقابل، أعلن رئيس وزراء الأردن بشر الخصاونة، الإثنين، أن الأمير حمزة لن يحاكم، وأن موضوعه "يحل، وعولج داخل العائلة المالكة".
وتشير الوقائع إلى أن الأزمة في الأردن مرتبطة خصوصاً بأن العاهل الأردني أزاح في عام 2004 الأمير حمزة من ولاية العهد ليعيّن نجله الأمير حسين مكانه في 2009. وبحسب المسؤول الغربي في الخليج، فإن "اعتقال عوض الله يصرف الانتباه عن التنافس داخل العائلة المالكة الأردنية ويلمح إلى تورط أجنبي محتمل".
وتذكّر الاضطرابات في الأردن بتوتر مشابه في السعودية، عندما قام العاهل السعودي الملك سلمان بتنحية الأمير محمد بن نايف في عام 2017، وتعيين نجله الأمير محمد ولياً للعهد.
وكتب الكاتب والمحلل السعودي علي الشهابي المقرب من دوائر الحكم في المملكة على "تويتر": "يبقى أن نرى إن كان الملك عبدالله لديه الإرادة أو القوة والسلطة لإسكات شقيقه، ولكن الفشل بالقيام بذلك سيضعف النظام الملكي وربما يقوضه". وبحسب الشهابي، فإن هذا "يوضح لماذا كان الملك سلمان حازماً جداً مع أسرته" لدى تعيين محمد بن سلمان؛ لأن "أي فشل في هذا الموضوع كان سيعرّض السعودية لحلقات عدة شبيهة بمسلسل حمزة".