ما قصة الملك أحمس صاحب الضجة المثارة حالياً؟ وما موضوع العجلات الحربية التي نراها في التماثيل والرسوم المصرية القديمة، التي يعتبرها المؤرخون بمثابة عبور خط برليف للحضارة المصرية القديمة؟
منذ حوالي 3500 سنة، كانت مصر في عهد الأسرة "الثانية عشرة" تعيش في رخاء من جميع النواحي؛ تجارة، وزراعة وفنون، وكانت من أزهى عصور الدولة المصرية القديمة، بينما كان كثير من جيرانها لديهم مشاكل اقتصادية ومجاعات، وهو ما دفع بعض القبائل والشعوب إلى الانتقال لأرض الخير مصر، ومن ضمن تلك الشعوب بدو رُحّل جاؤوا من غرب آسيا (فلسطين وسوريا وتركيا) -على أرجح الأقوال- وهم من يطلق عليهم الهكسوس.
نزول الهكسوس بمصر
استقبلتهم مصر بحفاوة، وأخذوا منطقة تعتبر مهجورة ناحية "فاقوس" بالشرقية، وتسمى الآن "أفاريس"، أقاموا مجتمعاً صغيراً لهم وأعادوا ترميم المباني، وانصهروا في المجتمع المصري القديم وارتدوا ثيابه، ومارسوا التجارة، وذلك لمعرفتهم بوسائل نقل لم يعلمها المصريون القدماء، وهي الخيول، وهو ما أدى لتوسع وكبر دولتهم، حيث وصلت حضارتهم لأقرانهم من البلاد الأخرى، فجاؤوا وانضموا إليهم بالآلاف، كل هذا وهم مسالمون لا يثيرون الشغب، بل ساعدوا في الانتعاش التجاري في المنطقة، وبقي الحال على ما هو عليه حتى جاءت "الأسرة الثالثة عشرة"، وبدأ الانهيار الاقتصادي والإداري يزيد، بسبب سيطرة بعض رجال الدولة من ذوي الكروش المتدلية على المناصب والأموال، فساعد هذا على زيادة نفوذ جماعة الهكسوس، بل بدأت جماعتهم في التوسع، وأصبحت لهم قوة سياسية لها حاكم.
انتهت الأسرة الثالثة عشرة، وجاءت "الرابعة عشرة"، واستمر مسلسل الانهيار، وبالتزامن معه يزداد منحنى سيطرة الهكسوس، ومع الوقت أصبح لهم دولة مستقلة وجيش عرمرم، لدرجة أنه في نهاية حكم الأسرة الرابعة عشرة كانت الدولة تحت حكم الهكسوس، وتابعة لهم.
الهكسوس يصلون للحكم
ونتج عن ذلك ظهور أول حُكم للهكسوس، وأصبحوا "الأسرة الخامسة عشرة" الحاكمة. وبالمناسبة من هنا جاء اسمهم "هيقا خاسويت"، ومعناها "الملوك الرعاة"، الذي تبدل حتى وصل لـ"الهكسوس".
ظل الهكسوس يحكمون مصر ويسرقون وينهبون خيراتها ومواردها حتى ضاق المصريون ذرعاً بحكامها الناهبين.
وظهرت الأسرة السابعة عشرة على استحياء؛ لأنهم لم يحكموا مصر بالكامل كما كان في الماضي، بل اقتصر حكمهم فقط على طيبة والقليل من المدن الصغيرة حولها؛ لأن معظمها كان تحت سيادة الهكسوس، وفي المقابل الأسرة الحاكمة المصرية السابعة عشرة كانت تدفع لهم ضرائب ضخمة.
حتى هذا الوقت، لم تظهر مواجهة عسكرية حقيقية، وذلك لأن الهكسوس كانوا متميزين عسكرياً بمعدات متطورة عن المصريين وقتها. والأهم من ذلك السلاح الفتاك، وهو "العجلات الحربية" التي كانت بمثابة مدرعة شديدة الفتك في ذلك الزمان وفخر المصانع الحربية.
وكانت عبارة عن ثلاثة خيول ممتلئة الحجم تجر عربة خشبية على شكل مثلث وداخلها ثلاثة فرسان، واحد منهم يحمل درعاً يصد الهجوم والنبال، وواحد يقود، والآخر معه مجموعة حراب يطوحها يميناً ويساراً لتطال كل ما تصل إليه من أجساد الأعداء.
إذن أين المشكلة، لمَ لا يفعل المصريون مثلهم؟
السبب الأول هو أن الجيش المصري وقتها لم يعرف ما يسمى خيول حرب، وكان عبارة عن مشاة فقط، وليتوجب عليهم اقتناء ذلك العدد من الخيول لا يوجد سوى طريقتين: أولاهما توالد الخيول، وهذا غير موجود.
الثانية: أن تأتي الخيول من آسيا، وهذا غير مقبول؛ لأن الهكسوس مسيطرون على الطرق بين مصر وآسيا، فلن يسمحوا بإكمال تلك الصفقة.
والد أحمس يقاتل الهكسوس فيقتلوه
استمر الوضع على ما هو عليه حتى تولى العرش الملك "سقنن رع"، وهو والد أحمس، ووصل الغضب الشعبي للذروة نتيجة الغلاء والضرائب التي كان يفرضها الهكسوس، وذات يوم استيقظ الملك "سقنن رع" على بردية، هي الأكثر استفزازاً في التاريخ من ملك الهكسوس الأشهر "أبو فيس"، يقول فيها إن "أفراس النهر" صوتها عالٍ وتسبب لنا الإزعاج، ويجب العثور على حل.
الملك "سقنن رع" قال إن التحرش وصل مداه، وأمر بحشد جيوشه وتوجه للهكسوس، وكان من عقيدة الجيش المصري وقتها أن الملك يتقدم الجيش في الصفوف الأولى، ونظراً للتفوق العددي والعسكري كانت المعركة كبيرة وغير متكافئة، خاصة أن "العجلات الحربية" كانت تنطلق بسرعة قصوى تقتحم الجنود وتمر عليهم، فكانت الغلبة للهكسوس، وتم أسر الملك "سقنن رع" وتعذيبه، وانتهى به الأمر بثلاث ضربات على رأسه أنهت حياته.
بعد وفاة "سقنن" تولى ابنه "كاموس" الحكم، وأكمل المسيرة في تجهيز وتسليح الجيش، وهاجم الهكسوس مرة أخرى، لكن في تلك المرة ألحق بهم الضرر البالغ، وظل يكمل حتى حدود دولتهم، ولكن نظراً لإنهاك الجيش وشدة تحصين دولة الهكسوس، اضطر "كاموس" للرجوع إلى طيبة (الأقصر حالياً).
مات كاموس وتولى بعده أخوه الملك "أحمس" صاحب الضجة المثارة الآن.
أحمس على العرش
تولى أحمس الحكم وهو في عمر 10 سنوات، ولأنه من أسرة محاربة ومشحون بكره كبير لقتلة أبيه منذ الصغر.. تعلم "أحمس" فنون القتال من أول يوم في حكمه، ولمدة عشر سنين، ظل أحمس يطور الدولة المصرية، وأنشأ جهاز استخبارات لجمع المعلومات عن العدو، وقام بتطوير الجيش وتسليحه، لكن ظل سلاح العجلات الحربية، التي ظهرت في موكب نقل المومياوات، هو العائق الذي يجب التغلب عليه، ففكر في فكرة عبقرية، قال المؤرخون إنها أحد الأسباب الرئيسية لهزيمة الهكسوس وطردهم من مصر.
جمع "أحمس" خيرة مهندسي مصر وخاطبهم قائلاً: أريد تصميماً للعجلات الحربية لا يحتاج لثلاثة خيول، بل يكتفي باثنين فقط، وطلب منهم أيضاً تخفيف الأخشاب السميكة حتى تكون العربة خفيفة الوزن، لأنها وزن لا حاجة له، وبذلك فقد فاز بشيئين:
– الأول أنه امتلك سلاح العجلات الذي كان يشكل فارقاً في المعارك، وفي نفس الوقت لن يحتاج إلى عدد خيول كبير لتسليح الجيش.
– الثاني أن العربات القديمة صاحبة الخيول الثلاثة كانت صعبة المناورة ولا تسير إلا في خطوط مستقيمة، حيث إنه من الصعوبة بمكان مزامنة حركة ثلاثة خيول في آن واحد.
وشيء آخر تعلمه من الهكسوس، وهو السيوف ورؤوس الرماح التي صنعت من البرونز القوي، والتي كانت من أسباب الهزيمة؛ لأن سيوف المصريين كانت سريعة الكسر عند المبارزة معهم.
أحمس يطرد الهكسوس
كل هذا ويرى الهكسوس أن الملك الشاب المتحمس خطره يزيد، ولما بلغ "أحمس" 18 سنة، قام جهاز الاستخبارات الخاص به باعتراض بردية مبعوثة من ملك الهكسوس "خامودي"، يحث فيها حكام النوبة "الخونة" على أن يهجموا على العاصمة "طيبة" من الجنوب، على أن يقوم هو بالهجوم من الشمال، فيصبح أحمس وجيشه بين شقّيّ الرحى.
وهنا قال "أحمس": لو حدث هذا ستنتهي الدولة المصرية بالكامل، وجمع جيشه وذهب مهاجماً الهكسوس، الذين كان جيشهم وقتها قرابة 250 ألف جندي، بينما جيش أحمس قوامه 48 ألف مقاتل فقط.
قاتلهم أحمس وجيشه ونجح في هزيمتهم في عدة معارك خلدوها في الكثير من الجداريات والبرديات. ولم يكتفِ بتلك النجاحات، بل طاردهم حتى سيناء، فاضطروا للهروب إلى فلسطين، فاستمر في مطاردتهم حتى أحرق حصونهم وأبادهم عن بكرة أبيهم، وكانت تلك نهاية دولة الهكسوس.
ولم يهدأ الملك الشاب عند ذلك.
بعد رجوعه لطيبة أمر بإحراق وطمس كل ما له علاقة بالهكسوس، لذلك ترى المعلومات عنهم في الآثار شحيحة، وجمع جيشه ثانية وذهب إلى النوبة وعزل حكامها الخونة (في ذلك الوقت)، الذين شكلوا خطراً على مصر من الجنوب.
بعد تطهير مصر من المحتل قام "أحمس" بتطوير عقيدة جيش مصر من الدفاع إلى تأمين حدودها المجاورة، وهذا بعد تعرضها للهجوم من جيرانها، مثل ما حدث.
وفي عهده اتسعت الدولة المصرية من العراق لحدود ليبيا، ومن تركيا للسودان، وقام بتطوير البنية التحتية لمصر وأصلح قنوات الري، وعدل من قانون الضرائب لصالح الشعب، وأصبح الجيش المصري، منذ ذلك الوقت، أول جيش نظامي مدرب باحتراف ومستعد للقتال. واستكمل أحمس ما بدأه أبوه، وأصبحت مصر بفضله أكبر إمبراطورية في العالم في وقتها ولمئات السنين.
مسلسل الملك؟
لهذا كان لابد من منع مسلسل الملك، ليس فقط لأسباب تقنية، ولكن السبب بسيط جداً هو أن الهكسوس جاؤوا من "غرب آسيا"، وهي شعوب معروفة ببشرتها المائلة للبياض، بالإضافة إلى أن الرسومات المتبقية لهم على جدران المعابد تشير إلى أنهم من ذوي اللحى، ولهذا السبب كان استخدام ممثل أبيض البشرة ويملك لحية، هو بمثابة اعتراف أن من حرر مصر من الهكسوس هو نفسه من الهكسوس، وهذه مغالطة تاريخية لا تُغتفر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.