بالتزامن مع انعقاد جلسات المفاوضات حول العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني في فيينا، تعرضت الثلاثاء 6 أبريل/نيسان 2021 سفينة إيرانية تدعى "سافيز" متمركزة في البحر الأحمر، لهجوم بألغام لاصقة، أكدته طهران رسمياً الأربعاء.
فيما نقلت صحيفة The New York Times عن مسؤول أمريكي قوله إن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة بأنها هاجمت سفينة إيرانية في البحر الأحمر، ما قد يفتح الباب لتصعيد كبير ضمن الحرب البحرية بين تل أبيب وطهران. فما تبعات هذا الهجوم، وما أهمية هذه السفينة؟
ما أهمية السفينة الإيرانية "سافيز"، وما الذي تمثله لطهران؟
بحسب ما سارعت وكالة أنباء تسنيم شبه الرسمية بإفادته بعد الحادث، فإن "سفينة سافيز الاستراتيجية كانت متمركزة في البحر الأحمر على مدار السنوات القليلة الماضية لدعم الكوماندوز الإيرانيين الذين أرسلوا في مهمات لمرافقة السفن التجارية وحمايتها من القرصنة".
وعلقت الخارجية الإيرانية بالقول، الأربعاء، إن هذه السفينة "محطة دعم لوجستي لإيران في البحر الأحمر، وتم الإعلان رسمياً عن مواصفات ومهمة هذه السفينة إلى المنظمة البحرية الدولية بصفتها المنظمة المسؤولة عنها، وتتلخص مهمتها في توفير الأمن البحري على طول الممرات الملاحية ومواجهة القراصنة".
لكن الإسرائيليين الذين تشير إليهم أصابع الاتهام بالوقوف وراء الهجوم، يقولون إن الأدوار التي تلعبها هذه السفينة أكبر من المعلن، إذ يقول المراسل العسكري الإسرائيلي رون بن يشاي إن "سفينة سافيز هي في الواقع قاعدة عائمة للحرس الثوري قرب اليمن، والهجوم المنسوب لإسرائيل تصعيد كبير ضمن الحرب البحرية. حيث تُظهر القوات البحرية قدرات مذهلة، لكن حادثاً واحداً قد يؤدي إلى مواجهة مفتوحة".
يُذكر أن المعهد البحري الأمريكي كان قد نشر تقريراً في أكتوبر/تشرين الأول 2020 أكد فيه أن "سافيز" سفينةٌ عسكرية سرية يديرها الحرس الثوري الإيراني، وذكر التقرير أن رجالاً يرتدون زياً عسكرياً كانوا موجودين على متن السفينة، وأن زورقاً يستخدمه الحرس الثوري الإيراني عادةً، وله هيكل مشابه لزوارق "بوسطن ويلر" الأمريكية، كان على ظهر السفينة.
هل استهدف الكوماندوز الإسرائيلي السفينة الإيرانية؟
كان المعلق العسكري الإسرائيلي تال ليف رام، الخاص بصحيفة معاريف العبرية، قد قال خلال حديث إذاعي صباح الأربعاء، إن "المصادر تتحدث عن أن الكوماندوز الإسرائيلي شايطيت 13 يقف وراء الهجوم على السفينة الإيرانية في البحر الأحمر"، مشيراً إلى أن ما يجري "يعد لعبة دقيقة وحساسة دون أن تصل إلى تصعيد، لكن ربما يحدث تصعيد.
وأضاف ليف رام أن "من النقاط المهمة في هذه اللعبة هو عدم إغراق السفينة، وأنه لن تكون هناك وفيات، ولن يكون هناك ضرر بيئي ستُلام إسرائيل عليه. إذا كان هناك احتمال أو شك في وقوع إصابات فلن يتم تنفيذ العملية"، بحسب تعبيره.
مشيراً في الوقت نفسه إلى أن "الإيرانيين لم يهاجموا سابقاً السفن الإسرائيلية وإنما السفن المملوكة لإسرائيل. بعبارة أخرى، هذه أهداف على أدنى مستوى من حيث نوعية العمل العسكري".
في السياق، علق رئيس معهد دراسات الأمن القومي السابق عاموس يدلين على الهجوم على السفينة الإيرانية لإذاعة الجيش الإسرائيلي بالقول، إن هذه حملة إسرائيلية متعددة الجبهات في سوريا وإيران، تشمل ممرات ملاحية وجوية وسيبرانية. ومع ذلك، يحرص الطرفان (إسرائيل وإيران) على عدم الدخول في مواجهة شاملة، ولا حتى إغراق السفن أو التسبب في إصابة شخصية".
من جهته، وفي أول تصريح رسمي حول حادثة السفينة الإيرانية، اكتفى وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس الأربعاء، بالقول رداً على استفسار من القناة الـ12 الإسرائيلية، إن "تل أبيب مصممة على حماية مصالحها الأمنية"، وأنها "ستواصل التصرف أينما سيتطلب منها ذلك". ممتنعاً في الوقت نفسه الاعتراف مباشرة بوقوف إسرائيل وراء الهجوم على السفينة الإيرانية.
ما تبعات الهجوم على السفينة الإيرانية؟
بعد وقوع الهجوم سارعت واشنطن التي يخوض مسؤولوها في فيينا بشكل غير مباشر مفاوضات حثيثة مع الإيرانيين للعودة للاتفاق النووي، إلى نفي مسؤوليتها عن الحادث، وأعلن مسؤول أمريكي أن "واشنطن لم تشن الهجوم على سفينة سافيز"، في حين تشير أصابع الاتهام إلى إسرائيل، في ظل "حرب بحرية" بين طهران وتل أبيب.
وبحسب ما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز"، صباح الأربعاء، فإن الإسرائيليين الذين كانوا قد أبلغوا واشنطن بشن الهجوم على السفينة الإيرانية، وصفوا العملية بأنها "رد انتقامي على الضربات الإيرانية السابقة على السفن الإسرائيلية"، لافتين إلى أن "سفينة سافيز تضررت تحت المياه"، دون الكشف عن وقوع إصابات.
يحدث هذا، في الوقت الذي أكدت فيه صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن إسرائيل استهدفت منذ 2019 ما لا يقلّ عن 12 سفينة متجهة إلى سوريا، تنقل في الغالب نفطاً إيرانياً وأسلحة.
وردّت إيران على الهجمات الإسرائيلية وانخرطت في مواجهة سرية معها. وقال مسؤول إسرائيلي إن آخر حادثة أُبلغ عنها في هذا السياق وقعت في 25 مارس/آذار، عندما أصيبت سفينة حاويات مملوكة لإسرائيل، وتُدعى "لوري"، بصاروخ إيراني في بحر العرب. ولم ترد أنباء وقتها عن وقوع إصابات أو أضرار جسيمة.
حرب بحرية مفتوحة بين إسرائيل وإيران
وأصبحت هذه الحرب المفتوحة التي تخوضها إسرائيل مع إيران، والتي أكدها مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون وإيرانيون مؤخراً، محوراً لجهود إسرائيل للحدِّ من النفوذ العسكري الإيراني في الشرق الأوسط، وتثبيط الجهود الإيرانية للالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة على صادراتها النفطية.
ومع ذلك، يحذر خبراء إسرائيليون من توسيع نطاق هذا الصراع، فإن توسُّع نطاق هذا الصراع يهدد بتصعيد ما كان حتى الآن مناوشات محدودةً نسبياً، ويزيد من تعقيد جهود إدارة بايدن لإقناع إيران بإعادة فرض قيود على برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات.
ويقول علي فايز، كبير خبراء الشؤون الإيرانية في "مجموعة الأزمات الدولية": إن "هذه حرب باردة كاملة المعالم، تنطوي على خطر الاشتعال [والتحول إلى حرب حقيقية]، بمجرد ارتكاب خطأ واحد، وما زلنا في دوامة تصعيدية تخاطر بالخروج عن نطاق السيطرة" في أي وقت.
وكانت حرب الظل طويلة الأمد بين إسرائيل وإيران قد تسارعت واشتدَّ وطيسها في السنوات الأخيرة، لكن المجموع هو صراع غير معلن لا يريد أي من الطرفين تصعيده إلى قتال على جبهات مباشرة.