تشهد مشافي العاصمة السورية دمشق ضغطاً غير مسبوق مع ازدياد تدفق المصابين بفيروس كورونا في الفترة الأخيرة، ويضطر المرضى الذين يحتاجون إلى عناية مكثفة إلى انتظار دورهم لتلقي العلاج.
انتشار كبير لكورونا في دمشق
تعكس المشاهد داخل المستشفيات سوء الوضع الصحي وقلة الإمكانيات، فداخل قسم الطوارئ في أحد أكبر مستشفيات دمشق تئنّ سيدة عجوز أنهكها فيروس كورونا، بينما تنتظر خلو سرير في قسم العناية المركزة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية، الجمعة 2 أبريل/نيسان 2021.
في هذه الأثناء، تبذل الطبيبة أسماء سبيني (26 عاماً) جهدها في تقديم الرعاية الأولية للمصابة التي تتنفّس بصعوبة، وتتأكد من تلقيها الأوكسجين عبر قناع تثبته على فمها لدعم رئتيها المتعبتين، بينما تضيق الغرفة بمرضى وأقاربهم، غير مكترثين بإجراءات التباعد الاجتماعي.
تقول الطبيبة في مستشفى "المواساة" بدمشق، لوكالة الأنباء الفرنسية، بينما تضع كمامتين "تأتينا حالات كثيرة بحاجة إلى جهاز تنفس، وحالات كثيرة بحاجة إلى عناية مشددة"، وتضيف بتأثر واضح "ثمّة حالات لا نستطيع أن نفعل لها شيئاً، تموت أمامنا".
في منتصف الشهر الماضي، بلغت نسبة إشغال أسرّة العناية المركزة المخصصة لمرضى كورونا في مستشفيات دمشق مئة بالمئة، وفق ما أفادت وزارة الصحة، في أول إعلان رسمي منذ بدء تفشي الوباء قبل عام. وقالت إنه تم نقل مرضى من أقسام العناية إلى مستشفيات خارج العاصمة.
جاء ذلك بعد تسجيل تسارع في وتيرة تفشي الفيروس عكسه الارتفاع في عدد المصابين، ودفع هذا الازدياد الحكومة لتخصيص مستشفى جراحة القلب لاستقبال مصابي كورونا، على أن يتم تحويل مرضى القلب إلى مشاف أخرى.
تُعلّق الطبيبة الشابة جهاز قياس نسبة الأوكسجين حول عنقها، وتدوّن على دفتر صغير تفاصيل أكثر من عشر حالات عاينتها، وتوضح "يصلنا أحياناً أكثر من أربعين حالة في اليوم، وهذا أكبر من القدرة الاستيعابية".
يتزامن أيضاً ارتفاع عدد الإصابات مع أزمة معيشية واقتصادية استثنائية، يصعبُ معها فرض إغلاق مشدد، على غرار ما جرى مع بدء تفشي الوباء، وفق ما يقول مسؤولون محليون.
ومنذ بدء الجائحة سجّلت المناطق الخاضعة لسيطرة نظام بشار الأسد، والبالغة نسبتها أقل من ثلثي الأراضي السورية، أكثر من 19 ألف إصابة أدت إلى 1274 وفاة.
يرجح أطباء ومنظمات دولية أن يكون عدد الإصابات أكبر بكثير من الأرقام الرسمية المعلنة، ويُعيد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة ذلك إلى محدودية الاختبارات في أنحاء سوريا، فضلاً عن عدم رصد أعداد كبيرة من الحالات غير المصحوبة بأعراض أو مع أعراض خفيفة.
استقبال الحالات الشديدة فقط
من جانبه، قال مدير مستشفى "المواساة"، عصام الأمين، الذي يُشرف على أحد أبرز أقسام العزل والعناية المركزة الخاصة بالفيروس، إنّ "الأرقام الرسمية تعكس نتائج فحوصات بي سي آر التي تُجرى في المشافي أو للمسافرين".
تحدّث في الوقت ذاته عن "عشرات الحالات المتوسطة والخفيفة تتلقى العلاج الذاتي في المنازل بعد المتابعة مع طبيب مختص".
وخصّص مستشفى المواساة قرابة 50% من أقسام العناية المركزة لمصابي كورونا، إضافة إلى أكثر من 70 سريراً في قسم العزل، وتستقبل المستشفيات، وفق الأمين، "الحالات الشديدة فقط"، ويقول "سوريا في حالة حرب وحصار، ولا يتوفر لديها عينات كبيرة من اختبارات الفحص".
لا تمرّ دقيقتان من دون أن يرنّ هاتف الأمين، الذي يتابع عبر شاشات كبيرة سير العمليات في غرف العزل والطوارئ والعناية، ويقول "لم نصل إلى مرحلة الذروة بعد (…) فالأعداد تتزايد كل يوم".
وتنفس الطبيب علي رستم، الاختصاصي في أمراض تعفّن الدم، الصعداء بعد إبلاغه بخلو سرير في العناية المركزة، إثر تحسّن حالة كانت تشغله. ويسارع إلى توجيه الممرضين لتجهيز السرير وتعقيمه، عله يشكّل "فرصة نجاة" لمصاب آخر.
يقول بعد معاينته حالة حرجة "سرعة الانتشار كبيرة، وهناك زيادة في الأعداد بشكل انفجار (…) هذه الموجة أشدّ لناحية إشغال أسرّة المستشفيات"، ولا يُخفي خشيته على الكوادر الطبية أيضاً، ويطلبُ من طبيب أكبر سنّاً البقاء بعيداً قدر الإمكان عن الإصابات الحرجة.
في مشهد آخر يعكس سوء الأزمة، في إحدى غرف المستشفى، وبعدما ينهي اجتماعاً مع أطباء شباب، يؤكد الدكتور بسام قويدر أن "أسرّة العناية المشددة لا تخلو أبداً (…) وهناك دائماً من يسجّلون أسماءهم في قوائم الانتظار".
يخفض صوته لحظة وصول سيارة إسعاف تنقل سيدة سبعينية. يتنهّد بعمق ويقول "الكورونا ليست مزحة".
انتظار اللقاحات
كانت حكومة الأسد قد وقعّت، في يناير/كانون الثاني 2021، اتفاقاً للانضمام إلى مبادرة "كوفاكس" عبر منظمة الصحة العالمية، وفي مرحلة أولى ستوفّر المنصّة 912 ألف جرعة من لقاح أسترازينيكا للسكان في مناطق سيطرة الحكومة، وفي شمال شرق البلاد، تحت سيطرة المقاتلين الأكراد.
بعدما كان متوقعاً وصول اللقاحات خلال الشهر الحالي، قالت مديرة مكتب منظمة الصحة العالمية في دمشق أكجمال ماجتميوفا لوكالة الأنباء الفرنسية، إن التسليم "سيتأخّر حتى شهر مايو/أيار على الأقل".
كذلك جاء في تقرير مشترك بين مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، أن أولى عمليات التلقيح ستحصل في الربع الثاني من العام الحالي "على أبعد تقدير".
يُشار إلى أن القطاع الطبي في سوريا قد أُنهك خلال السنوات العشر الماضية، ويعاني أيضاً من نقص في الكوادر، وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في تقرير نشره قبل يومين، إنّه تبلّغ من الحكومة السورية بإصابة 654 عاملاً طبياً منذ بدء تفشي الوباء، توفي 29 منهم على الأقل.