مجزرة جنين شاهد على العصر: هكذا قامت دولة الاحتلال على أرض فلسطين

عربي بوست
تم النشر: 2021/04/01 الساعة 16:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/04/01 الساعة 16:09 بتوقيت غرينتش

أكثر من تسعة عشر عاماً مرت على مجزرة جنين التي اقترفتها أيادي الغدر الصهيونية بمخيم جنين في فلسطين بالفترة ما بين 1  و12 أبريل/نيسان عام 2002، ومازالت تفاصيل تلك المجزرة ماثلة للعيان تذكّرنا بحقيقة قيام الكيان الصهيوني على بحر من دماء الفلسطينيين العزل.

وثَّقت العديد من المصادر والمنظمات والأفراد تفاصيل المجزرة البشعة، ولكن تقرير الأمم المتحدة الذي تم إعداده بإشراف أمينها العام كوفي عنان، كان لافتاً للنظر. التقرير انحاز بالمجمل إلى جانب الكيان الصهيوني، حيث صيغت مفرداته بمنطق يساوي بين المجرم والضحية، كأنهما قوات عسكرية متساوية الكِفَّة والعتاد، يتقاتلان بشرف في ساحة قتال!

حقيقة المجزرة شيء آخر تماماً، ووصفها التقرير بدقة كأنه لا يعلم أنه يوثق كيف أن جيش الاحتلال الصهيوني بعتاده وأسلحته بالكامل ارتكب جريمة كاملة قُتل فيها العديد من أهالي مخيم جنين وهم بسطاء في منتهى درجات الشقاء وضنك الحال، بحجة وجود بعض المقاتلين الفلسطينيين لا يتجاوز عددهم العشرات، يمتلك بعضهم كلاشينكوف أو السلاح الأبيض في أحسن الأحوال.. هذه هي معايير الأمم المتحدة!

تتفاوت حصيلة الشهداء بين تقرير كوفي عنان المتوافق بأرقامه مع رواية جيش الاحتلال التي زعمت سقوط 52 شهيداً، فيما تتحدث السلطة الفلسطينية عن سقوط أكثر من 500 شهيد.

تكمن أهمية التقرير في أنه وثيقة تاريخية تكشف للعالم كيف أقام الاحتلال كيانه على بحر من دماء الشعب الفلسطيني الأعزل من السلاح، وسرقة أرض فلسطين بدعم كامل من أمريكا وبعض الدول الغربية، وصمت مطبق من باقي دول العالم وفي مقدمتهم أهل القضية؛ الدول العربية!

رغم سيطرة اللوبي الصهيوني العالمي على معظم وسائل الإعلام والنشر حتى في الدول العربية، فإن الحقيقة لا يمكن طمسها والجريمة لا تسقط بالتقادم، وما جاء في تقرير الأمم المتحدة يوثق بدقةٍ بشاعة الجرم.

وثَّق التقرير استخدام جيش الاحتلال الدبابات والطائرات المروحية الحربية ومدافع مضادة للطائرات قادرة على إطلاق ثلاثة آلاف قذيفة في الدقيقة، ومركبات مدرعة مزوّدة بمدافع رشاشة، والجرافات المدرعة في هدم البيوت على ساكنيها من المدنيين ممن رفضوا الاستسلام.

وكذلك تدمير كثير من مساكن المدينة والمخيم، وشمل الدمار مرافق تابعة للأونروا في المخيم، منها المركز الصحي ومكتب الصرف الصحي، ليس ذلك فحسب، بل سُوِّيت حارة "الحواشين" وسط المخيم بالأرض تماماً ولم يبقَ من ملامحها إلا الركام!

من جرائم الحرب التي وثَّقها التقرير، انتهاك قوات الاحتلال القانون الإنساني الدولي في التعامل مع الجرحى والمرضى، وهو القانون الذي يعطي الجرحى والمرضى حق الوصول للعلاج في حالة الحرب.

ورغم ذلك يتحدث التقرير بإسهاب عن تفاصيل التأخير المطوّل في وصول الرعاية الطبية للجرحى والمرضى، حيث منع جيش الاحتلال سيارات الإسعاف والأطقم الطبية من الدخول رغم مفاوضات مندوبي الأمم المتحدة مع مسؤولي جيش الاحتلال، ورغم النداءات المتكررة بتسهيل مرور سيارات الإسعاف من مندوبي المنظمات الإنسانية، فإن التجاهل هو الجواب، ونتيجة ذلك الفعل اللاأخلاقي هو زيادة عدد الشهداء الفلسطينيين.

أيضاً لم يتم السماح بوصول الغذاء والإمدادات الطبية التي جهَّزتها الأونروا للاجئين العزل الذين خرجوا من المخيم، ومنذ بداية المجزرة تم قطع الكهرباء عن جنين المدينة والمخيم؛ هذا الإجرام الصهيوني جاء ذكره مفصلاً أيضاً في تقرير الأمم المتحدة!

يستمر الحديث عن الجانب الطبي، حيث يتحدث التقرير عن استهداف الطواقم الطبية بإطلاق الرصاص الحي عليهم من قوات الاحتلال، ففي 4 مارس/آذار وقبل شهر من المجزرة، استُشهد رئيس خدمات الطوارئ الطبية التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني في جنين بقذيفة أطلقتها دبابة إسرائيلية على سيارة إسعاف كان يستقلها وعليها بوضوحٍ العلامة الواضحة لسيارات الإسعاف.

اكتملت فصول الجريمة يوم 4 أبريل/نيسان، عندما أغلقت قوات الاحتلال مستشفى جنين وأوقفت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني عن العمل، فكان من نتائج ذلك الجرم مثلاً عدم قدرة 28 مريضاً بالكلى على الوصول لمستشفى جنين لعمل الغسيل الكلوي.

يقع المستشفى خارج المخيم، وتقرير الأمم المتحدة ينفي مزاعم الإعلام الصهيوني عن توافر الخدمات في المستشفى، ويؤكد الصعوبات التي أعاقت العمل، بسبب تأثير جيش الاحتلال على إمدادات المستشفى من الكهرباء والمياه والأكسجين والدم بسبب تنفيذ المجزرة، أيضاً أصابت قذائف جيش الاحتلال وأعيرته النارية معدات المستشفى بأضرار جسيمة، ومُنِع من كان في المستشفى من مغادرته لغاية تاريخ 15 أبريل/نيسان.

مجزرة جنين مأساةٌ شواهدها ما زالت ماثلة للعيان، تخالف الأعراف السماوية والقوانين المدنية كافة، وتمثل المنهج الفكري الذي قام عليه الكيان الصهيوني منذ احتلال فلسطين، وتؤكد غياب العدالة عن المجتمع الدولي ومؤسساته، لكن المؤمن يستذكر قوله تعالى {ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار}.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي أبو صعيليك
كاتب أردني
كاتب أردني
تحميل المزيد