من جديد، عاد التراشق الإعلامي بين الرئيس اللبناني ميشال عون، ورئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري، الإثنين 29 مارس/آذار 2021، على خلفية استمرار أزمة تشكيل الحكومة الجديدة.
حيث قال عون، في مقابلة مع صحيفة "الجمهورية" المحلية، إن "الحريري أصبح أخيراً غريب الأطوار، وكأنني لا أعرفه، رغم أنني كنت قد احتضنته، وتعاملت معه كوالده، وعندما سألته: ماذا جرى لك؟ أجابني: لقد تغيّرت".
الثلث المعطل بالحكومة
كما نفى عون، صحة التصريحات التي قالها الحريري بأنه سعى للحصول على الثلث المعطل بالحكومة الجديدة، قائلاً: "للمرة الألف، أؤكد أنني لا أريد الثلث المعطل (..) فهل يُعقل أن يعطّل رئيس الجمهورية نفسه وعهده، ولو كان كل الوزراء في الحكومة من حصتي ما كنت لألجأ إلى التعطيل. أنا من موقعي كرئيس للجمهورية استطيع أن أتدخل، وبالتالي لا حاجة لي للثلث المعطل".
كان الحريري قد أعلن، يوم الإثنين 22 مارس/آذار 2021، أنه أبلغ عون، رفضه تشكيلة حكومية أرسلها الرئيس إليه، وتتضمن منح فريقه السياسي (التيار الوطني الحر) "ثلثاً معطلاً".
فقد قال خلال مؤتمر صحفي، إن عون أرسل إليه لائحة تتضمن "تشكيلة ثانية من عنده فيها توزيع للحقائب على الطوائف والأحزاب مع رسالة يقول لي فيها، إنه من المستحسن أن أملأها"، مضيفاً: "التشكيلة تتضمن ثلثاً معطلاً لفريقه السياسي (عون)، بـ18 وزيراً أو 20 أو 22. طلب مني فخامته أن أقترح أسماء للحقائب حسب التوزيعة الطائفية والحزبية التي حضّرها هو".
تسمية الوزراء المسيحيين
لكن عون أكد أن إحدى مشكلات الحريري أنه مُصر على تسمية الوزراء المسيحيين، متجاهلاً "أنني مؤتمن استثنائياً على اختيار هذه الأسماء، ليس لأنني أريد حصة لنفسي، وإنما لأن القوى المسيحية الأساسية غير مشاركة في مفاوضات التشكيل".
أيضاً أشار عون إلى ما وصفه بإصرار الحريري على أن يكون عدد الوزراء 18، خاصةً أنه عرض عليه تشكيل الحكومة من 20 أو 22 أو 24 وزيراً، من أجل حماية ما وصفه بالتوازنات السياسية دون استحواذ لأي طرف على الثلث المعطل، لكن الحريري رفضه مقترحه، وأبلغنه أنه متمسّك بصيغة الـ18، الأمر الذي رآه ما يدعو للاستغراب والارتياب، متسائلاً: "ما السرّ في تمسّك الحريري وحده بهذا الرقم السحري؟".
عون أضاف: "نام الحريري ثم استفاق على مقاربة حكومية تنسف كل القواعد التي اعتدنا اعتمادها في تشكيل الحكومات. وبالتالي، فإن المعالجة تكون ببساطة في أن يحترم تلك القواعد. هو يعرف أنني (محروق) على تشكيل الحكومة، ولكن هذا لا يعني أن من حقه أن يستغل حرصي الشديد على تأليفها في أسرع وقت كي يفرض عليّ تركيبة مناسبة له وليس للبلد".
فيما كشف الرئيس اللبناني أن الحريري كان منفعلاً في آخر لقاء بينهما يوم الإثنين 22 مارس/آذار 2021، منوهاً إلى أنه شرح لرئيس الحكومة المكلف أن استنتاجه حول الثلث المعطل ليس صحيحاً، إلا أنه خرج من الاجتماع وتلا بياناً وصفه بأنه كان تصعيدياً ومحضَّراً سلفاً، ما يؤشر إلى نيات مضمرة ومبيتة، على حد قوله.
"لم يحترم أصول توزيع الحقائب"
كما واصل عون انتقاداته الحادة للحريري، قائلاً إنه لم يحترم كذلك "الأصول في توزيع الحقائب على الطوائف؛ فمن المعروف أن هناك حقائب سيادية وخدماتية وعادية، لطالما كانت تُوزع بطريقة دقيقة تراعي التوازنات، لكنه لم يراع هذا المبدأ".
فيما شدّد الرئيس اللبناني على أن "الحريري هو من يحاول أن يُحرجني ليُخرجني عن قواعد التشكيل السليمة، إلا أنني لن أرضخ لذلك"، مؤكداً أن رئيس الحكومة المكلف يرفض الحوار مع "التيار الوطني الحر"، فضلاً عن أن "القوات اللبنانية" وحزب "الكتائب" قررا عدم المشاركة، وبالتالي صار لزاماً عليَّ أن أملأ هذا الفراغ.
كان التيار الوطني الحر، أكبر كتلة مسيحية في لبنان، قد حذّر الحريري، السبت 27 مارس/آذار 2021، من تهميش عون وكتل نيابية أخرى في المفاوضات المتعلقة بتشكيل الحكومة، مشيراً إلى أنه لن يشارك في الحكومة، ولن يعطيها الثقة على الأسس التي يطرحها الحريري، في ظل رفض إعطاء الرئيس المكلف وفريقه النصف زائداً واحداً في الحكومة.
"وصلت الرسالة"
في المقابل، ورداً بشكل ضمني على تصريحات عون، قال الحريري، في تغريدة مقتضبة على حسابه بموقع "تويتر": "وصلت الرسالة.. لا داعي للرد. نسأل الله الرأفة باللبنانيين".
يذكر أن الحريري مُكلف بتشكيل الحكومة منذ 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عقب اعتذار سلفه مصطفى أديب؛ لتعثر مهمته في تأليف حكومة جديدة في بلد تتصارع فيه قوى سياسية محلية ومصالح دول إقليمية وغربية.
عقب شهرين من تكليفه، أعلن الحريري أنه قدَّم إلى عون "تشكيلة حكومية تضم 18 وزيراً من الاختصاصيين غير الحزبيين".
لكن عون (مسيحي ماروني) أعلن آنذاك اعتراضه على ما سماه "تفرد الحريري بتسمية الوزراء، خصوصاً المسيحيين، دون الاتفاق مع الرئاسة".
كان الحريري، الذي شغل منصب رئيس الوزراء ثلاث مرات وكلّفه مجلس النواب بتشكيل حكومة جديدة، قد التقى عون في القصر الرئاسي، الإثنين الماضي، للمرة الـ18، لبحث مسألة تشكيل الحكومة المنتظر أن تخلف حكومة تصريف الأعمال الراهنة، والتي استقالت في 10 أغسطس/آب الماضي.
أسوأ أزمة سياسية واقتصادية
ويمر لبنان بأزمة سياسية واقتصادية هي الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، وسط تعثر تشكيل حكومة جديدة، منذ استقالة حكومة حسان دياب في 10 أغسطس/آب الماضي.
فيما تمثل الأزمة الاقتصادية في لبنان أكبر تهديد لاستقراره منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين 1975 و1990.
وفي مؤشر آخر على انهيار اقتصاد لبنان، قامت وزارة الاقتصاد اللبنانية برفع سعر كيس الخبز بنسبة 20%، الأمر الذي ساهم أيضاً بتأجيج الشارع.
يُذكر أن وزارة المال والبنك الدولي وقّعا اتفاقاً على تقديم مساعدة طارئة للبنان قدرها 246 مليون دولار، على شكل تحويلات مالية وخدمات اجتماعية لنحو 786 ألف لبناني يعيشون تحت خط الفقر.
ارتفاع هائل بالأسعار
يشار إلى أن الأسعار في لبنان ارتفعت بنسبة 144%، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي. وبات أكثر من نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر، وخسر عشرات الآلاف وظائفهم ومصادر دخلهم.
على أثر ذلك، يشهد لبنان منذ فترة، احتجاجات منددة بتردي الأوضاع المعيشية وتدهور سعر الصرف، إذ تخطى الدولار الواحد 12 ألف ليرة في السوق الموازية (السوداء)، مقابل 1510 ليرات رسمياً.
فيما شاعت مشاهد المشاجرات بين المتسوقين على السلع الشحيحة وقيام المحتجين بحرق الإطارات لسد الطرق وإغلاق أبواب مئات المحال والأنشطة.
كان وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لو دريان، قد صرّح مؤخراً بأن الوقت ينفد لمنع انهيار لبنان، ولا يرى أي مؤشر على أن السياسيين اللبنانيين يبذلون ما في وسعهم لإنقاذ بلادهم، مضيفاً: "أميل إلى تصنيف السياسيين اللبنانيين على أنهم مسؤولون عن عدم مساعدة بلادهم وهي في خطر. لقد التزموا جميعاً بالعمل على تشكيل حكومة شاملة وتنفيذ إصلاحات لا غنى عنها. كان ذلك قبل 7 أشهر ولا شيء يتحرك".