بعد أن أصبح تغير المناخ أمراً واقعاً، كثفت دول العالم تحركاتها لمواجهته، ومن قمة للمناخ دعا إليها الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى "مبادرة الشرق الأوسط الأخضر" التي أطلقها ولي عهد السعودية، من الصعب استبعاد التزامن بين الحدثين، فما قصة مشروع الـ50 مليار شجرة؟
وقبل الدخول إلى تفاصيل مبادرة الشرق الأوسط الأخضر السعودية وقمة المناخ الأمريكية، من المهم أن نذكر أن التغير المناخي والاحتباس الحراري لم تعد فرضيات يحذر منها العلماء كما كان الأمر قبل سنوات، بل أصبح العالم يعاني بالفعل من تداعيات التغير المناخي بصورة بات من الصعب تجاهلها أو التهوين من شأنها.
فقبل عام تقريباً شهد العالم موجة غير مسبوقة من حرائق الغابات امتدت من غابات الأمازون في البرازيل والتي يطلق عليها "رئة العالم" إلى قارة أستراليا التي استمرت فيها الحرائق أكثر من أربعة شهور متواصلة ونفق خلالها أكثر من مليار حيوان واحترقت مساحة شاسعة من الغابات، وقبل أسابيع شهدت أستراليا موجة من السيول والفيضانات أظهرت بيانات الأمطار هناك أنها لم تحدث منذ أكثر من نصف قرن.
ويحذر علماء المناخ من أن التقلبات العنيفة في الطقس ستصبح أكثر تكراراً حول الكوكب، وليست مجرد أحداث لا تتكرر إلا مرة في القرن كما يعتقد البعض، مشيرين إلى حتمية اتخاذ دول العالم إجراءات حاسمة وعاجلة للتقليل من الانبعاثات الكربونية التي تتسبب في ارتفاع درجة حرارة الأرض بصورة متسارعة.
قمة بايدن للمناخ
الجمعة الماضية 26 مارس/آذار أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن عقد قمة تضم 40 من قادة العالم لمناقشة قضية تغير المناخ وذلك يومي 22 و23 أبريل/نيسان المقبل، من خلال الاتصال المرئي بسبب قيود جائحة كورونا، ومن بين المدعوين إلى تلك القمة الافتراضية 17 دولة مسؤولة عما يقرب من 80% من الانبعاثات العالمية والناتج المحلي الإجمالي العالمي، وضمن ذلك الصين وروسيا.
بايدن، الذي كان قد أعلن عن تلك القمة للمرة الأولى بعد أسبوع من تنصيبه في يناير/كانون الثاني، دعا أيضا 4 ممثلين عن منطقة الشرق الأوسط، وهم: الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة خليفة بن زايد آل نهيان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
الموعد الذي حددته الإدارة الأمريكية لقمة المناخ يتزامن مع اليوم العالمي للأرض ويسبق الاجتماع الكبير للأمم المتحدة المقرر في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، ضمن أعمال الدورة الـ26 لمؤتمر غلاسكو (بأسكتلندا) لتغير المناخ.
وقال البيت الأبيض في بيان إن تلك القمة سوف "تؤكد الضرورة المُلحَّة والفوائد الاقتصادية للكفاح القوي ضد التغير المناخي"، مضيفاً أن بايدن "شجَّع في دعوته القادة على استخدام القمة كفرصة لتوضيح كيف ستسهم بلدانهم أيضاً في تحقيق طموح مناخي أقوى"، كما ستعلن الولايات المتحدة مع حلول موعد القمة عن هدف طموح يتعلّق بتحديد الانبعاثات لعام 2030 كمساهمة جديدة محددة وطنياً بموجب اتفاقية باريس.
مبادرة ولي العهد السعودي
وفي اليوم التالي مباشرة، أي السبت 27 مارس/آذار، أعلن ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان عن "مبادرة السعودية الخضراء" "ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر" وهي عبارة عن برنامج طموح يهدف إلى زراعة عشرة مليارات شجرة بالمملكة خلال العقود القادمة فضلاً عن التعاون مع دول عربية أخرى لزراعة 40 مليار شجرة أخرى لخفض انبعاثات الكربون ومكافحة التلوث وتدهور الأراضي.
واليوم الإثنين 29 مارس/آذار ذكرت وكالة الأنباء السعودية أن "مبادرة الشرق الأوسط الأخضر تهدف، بالشراكة مع دول المنطقة، لزراعة 50 مليار شجرة كأكبر برنامج إعادة تشجير في العالم".
وأفادت وكالة "سبق" السعودية أن رئيس المجلس السيادي الانتقالي في السودان عبدالفتاح البرهان، "بارك خلال اتصال مع ولي العهد السعودي هذه المبادرة"، معتبرا أنها ستعود بالنفع على المنطقة والعالم، مبدياً استعداد السودان للعمل مع السعودية لإنجاحها، وتحقيق أهدافها.
كما استعرض بن سلمان مع رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي فوائد المشروع للمنطقة والعالم وأهمها مواجهة التحديات البيئية وتحسين جودة الحياة بها، إضافة إلى تحقيق خفض في معدلات الكربون العالمية، وأكد الكاظمي العمل مع المملكة ودعم بلاده لكل ما يحقق لهذه المبادرة أهدافها.
كما تواصل ولي العهد مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وملك البحرين حمد بن عيسى وبحث معهما مبادرته، وقدما دعمهما الكامل لهذه المبادرة، وأعربا عن استعداد بلديهما لدعم كافة الجهود لتحقق أهداف المبادرة.
"مبادرة السعودية الخضراء" تأتي كجزء من رؤية 2030 لولي العهد لخفض اعتماد المملكة على عائدات النفط وتحسين جودة الحياة بالبلاد، لكن لم يتم الكشف بعد عن تفاصيل أكثر بشأن المبادرة رغم أن الحاكم الفعلي للسعودية قال إن المملكة تهدف إلى تخفيض الانبعاثات الكربونية في البلاد عن طريق توليد 50% من احتياجات الطاقة من خلال مصادر الطاقة النظيفة بحلول عام 2030.
وتهدف مبادرة ولي العهد أيضاً "إلى تعزيز كفاءة إنتاج النفط، وزيادة مساهمة الطاقة المتجددة، إضافة إلى جهود متعددة للحفاظ على البيئة البحرية والساحلية وزيادة نسبة المحميات الطبيعية".
ولي العهد وصف مبادرة الشرق الأوسط الأخضر بأنها ستكون أضخم برنامج تشجير في العالم، لكن البيان لم يقدم تفاصيل بشأن كيفية تنفيذ مشروع التشجير الطموح، خصوصاً في المملكة التي تعتبر مصادر المياه المتجددة فيها محدودة من الأصل، وإن كانت المملكة قد قالت في الماضي إنها ستستخدم إعادة تدوير المياه لزراعة أنواع محلية من الأشجار لا تحتاج إلى وفرة في المياه، بحسب تقرير لرويترز.
مبادرة طموحة للمناخ لا تخلو من بعد سياسي
زراعة 50 مليار شجرة يعتبر مشروعاً ضخماً وفوائده عظيمة فيما يخص قضية تغير المناخ وتحسين جودة الهواء في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، بحسب الخبراء، كما يمثل قضية تعاون إيجابية في منطقة تعاني من الاضطرابات السياسية والصراعات الدائمة.
لكن لا يمكن استبعاد العامل السياسي من وراء المبادرة، خصوصاً في ظل توقيت الإعلان عنها وتزامنه مع إعلان بايدن عن قمة المناخ الأمريكية والذي تجاهل ولي عهد السعودية ووجّه الدعوة لوالده الملك سلمان، على الرغم من أن ولي العهد هو الحاكم الفعلي للمملكة، وفي هذا السياق من الصعب استبعاد كون الإعلان عن "مبادرة الشرق الأوسط الأخضر" رسالة إلى الرئيس الأمريكي فحواها أن تجاهل الحاكم الفعلي للمملكة مسألة غير عملية، بحسب محللين.
وفي هذا السياق أيضاً لا يمكن استبعاد تجاهل الرئيس الأمريكي في دعوته للحاكم الفعلي للإمارات ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد وتوجيه الدعوة إلى شقيقه الشيخ خليفة بن زايد رئيس الإمارات، رغم كون الأخير لا يشارك منذ فترة في أي فعاليات محلية أو دولية نظراً لظروفه المرَضية.
وكانت تركيا، التي وجه بايدن الدعوة لرئيسها رجب طيب أردوغان للمشاركة في قمة المناخ، قد أطلقت حملة تشجير وطنية قبل سنوات تحت شعار "نفَس للمستقبل" دشنتها بزراعة أكثر من 11 مليون شجرة في 81 ولاية عبر البلاد وذلك في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وهو ما يشير إلى تزايد الاهتمام في منطقة الشرق الأوسط بقضية التغير المناخي.
والخلاصة أن زراعة 50 مليار شجرة في السعودية وأربع دول عربية أخرى يمثل، حال تنفيذه، تحولاً إيجابياً كبيراً في قضية التغير المناخي في منطقة الشرق الأوسط التي يعاني كثير من بلدانها من مستويات مرتفعة من التلوث والانبعاثات الكربونية في ظل الاعتماد شبه الكلي على الوقود الأحفوري حتى الآن، وفي الوقت نفسه يأتي إعلان ولي العهد السعودي عن مبادرته الخضراء في هذا التوقيت كرسالة مباشرة للإدارة الأمريكية مفادها أنه الحاكم الفعلي لدولة محورية في المنطقة ولا يمكن تجاهله.