إذا كنت تعاني عند رؤية عدد "الإيميلات" التي لم تقم بالرد عليها في بريدك الإلكتروني، وتشعُر بالضيق والتوتر كلما وصلتك رسالة جديدة، فاعلم أنك لست وحدك. إذ يعاني الكثيرون حول العالم من مشاعر سلبية كالتوتر والإجهاد وعدم الشعور بالإنجاز والإنتاجية متعلقة بتلقّي رسائل البريد الإلكتروني المرتبطة بالعمل، ما دفع الكثير من المراقبين إلى البحث وراء هذه العلاقة ومحاولة تفسيرها ووضع بعض الحلول لها.
اختلاف المواقيت
وفي مقال بمجلة Psychology today لعلم النفس، اتضح أن أحد الأسباب التي تجعل التواصل عبر البريد الإلكتروني أمراً مرهقاً للغاية هو أنه غير متزامن بين الطرفين، على عكس محادثات التطبيقات الأخرى. ما يعني أنه دائماً ما سيكون هناك تأخير بين إرسال البريد وتلقّي الرد. ما يدفع الأشخاص إلى الشعور بعدم اليقين والراحة والتوجُّس وتخيُّل الاحتمالات الكثيرة.
كما قد يعتمد قرارك تجاه مهمة ما متعلقة بالعمل، بالرسالة التي تتوقعها من زملائك، الأمر الذي قد يصيبك بالاستعجال ونفاد الصبر. وهي مشاعر تضغط على الحالة النفسية للإنسان وتصيبه بالإجهاد والتوتر أيضاً.
غياب التعبيرات ولغة الجسد
بالإضافة إلى ذلك؛ هناك غياب في العديد من الإشارات التعبيرية للغة التواصل بين الأشخاص أثناء تبادلهم رسائل البريد الإلكترونية.
على سبيل المثال، ليس من الممكن معرفة حالة الطرف الآخر، أو تحديد نبرته في الحديث ما إذا كانت هادئة أم عصيبة، أو التكهُّن بتعبيراته وموقفه وردود فعله الحقيقية من الكلام، وبالتي غالباً ما يحتمل الكلام المتبادل في الرسائل الإلكترونية التأويل، وهو ما يشعرنا بالارتباك العاطفي والقلق.
لذلك نظراً لأن نبرة الصوت ولغة الجسد مفقودة في اتصالات البريد، يحاول العديد من الأشخاص تعويضها باستخدام النقاط وعلامات التعجب والرموز التعبيرية (Emoji).
وغالباً ما يشعر الأشخاص الأكثر عرضة للقلق، بمشاعر توتر بالغة في حال عدم وجود إشارات واضحة إيجابية أو أليفة في البريد الإلكتروني، ويعتبرون أنه يعني أن هناك خطباً ما.
"هل قلتُ شيئاً خاطئاً؟"
وفي مقال بمجلة Business Insider، أحد أقوى الأسباب في ربطنا للبريد الإلكتروني بالمشاعر السلبية يكون عندما نتوقع أن يرد شخص ما على رسالتنا على الفور ولا يفعل ذلك.
ونبدأ في التفكير والتكهُّن بالأسباب، وترغب أدمغتنا في تكوين قصص لشرح التأخير، وهي التي غالباً ما تكون سيناريوهات سلبية. إذ نميل إلى استنتاج الرفض الاجتماعي من الآخرين، أو الشك في صواب لغتنا وفحوى رسائلنا، ونظنّ غالباً أننا اقترفنا خطأ ما وأن المُتلقي غاضب أو يشعر بخيبة الأمل.
ضغط كمية الرسائل المتراكمة
هناك بعض الأيام التي من الممكن بسهولة تراكم الرسائل التي تحتاج إلى المراجعة والرد في البريد الوارد. وبحسب عالم النفس رون فرايدمان في تصريحاته لـ Business Insider، فإن السبب الذي يجعلنا نجد هذا التراكُم أمراً مربكاً هو أن كل رسالة في بريدنا تمثِّل طلباً آخر وضغطاً إضافياً على الوقت. ما يستلزم منا اتخاذ قرار جديد تجاه كلٍّ منها، حتى وإن كان القرار بتأجيل الرد على إحدى الرسائل إلى يوم آخر.
ويتابع فرايدمان: "تُصيبنا هذه الدوامة المتكررة بالإجهاد والتوتر وعدم القدرة على إنهاء ما لدينا من أعمال مهمة أخرى". موضحاً أنه كلما زاد عدد الطلبات المفروضة عليك، زادت احتمالية تعرضك للتوتر، ما يؤثر على قدرتك على التفكير والتواصل بشكل سليم.
لا تقع رهينة لبريدك الإلكتروني
لا شك أن فحص البريد الإلكتروني باستمرار يضر بالحالة النفسية والمزاج العام للشخص وتضر بمستوى الإنتاجية وجودة الحياة بشكل عام.
وفي 2015، كشفت دراسة بمجلة السلوك الإنساني والحواسيب، التي تبحث في تأثير الحياة الرقمية على نفسية الإنسان، أن تقليل عدد مرّات فحص البريد الإلكتروني خلال اليوم – مثل تحديد مواقيت وساعات معينة فقط لمتابعته – من شأنه أن يحسِّن جودة الحياة ويجعل مهام العمل أكثر قابلية للتحكُّم.
والسبب في ذلك ببساطة أنه هناك عدد أقل من عوامل التشتيت التي تصرف انتباهك بعيداً عن مشاريعك الفعلية التي تقوم بها، ما يتيح تحقيق المزيد من التقدم والإنجاز، وبالتالي تشعر كما لو أن عبء عملك يمكن التحكم فيه بوعي وفاعلية.
هل هناك ما يمكن فعله؟
1. إنشاء روتين لعدم التحقق من البريد الإلكتروني لمدة 30 إلى 50 دقيقة في المرة الواحدة، عدة مرات في اليوم: بالطبع ليس عليك القيام بذلك يومياً وعلى مدار الأسبوع، ولكن حتى بضع فترات مركَّزة من عدم التشتت يمكن أن يكون لها تأثير هائل على الإنتاجية ومستويات التوتر.
2. قم بإلغاء التنبيهات من إعدادات البريد الإلكتروني، حتى لا يتم مقاطعتك في كل مرة تصل فيها رسالة من أحد: تشير دراسة لجامعة فلوريدا عام 2015، إلى أنه حتى المقاطعة البسيطة المتمثلة في قراءة أنه قد وصلك رسالة جديدة فقط، تزيد بشكل كبير من فرص ارتكاب الأخطاء. وذلك لأنه عندما يتم تحويل انتباهنا، نبذل طاقة تركيز أكبر في محاولات إعادة توجيه أنفسنا من مهمة لأخرى، ما يتركنا بطاقة ذهنية أقل لإكمال عملنا.
3. اتخاذ القرارات بشكل متكرر يسبب لنا التعب، لذلك قرّر ألا تقرر! يؤدي الإجهاد الناتج من عمليات اتخاذ القرار المستمرة في التنقيح والمراجعة والرد على رسائل بريد العمل إلى الصعوبة في التمييز بين المهام المهمة حقاً وتلك التي نشعر ببساطة بأنها مُلحّة ومُستفزة لعقولنا فحسب، لذلك يُفضَّل تحديد طريقة معينة لترتيب الرسائل وفقاً للأولوية والضرورة، مثل تحديد جهات العمل في قوائم الأهم، والمُهم، والأقل أهمية.