مع استمرار توقف حركة الملاحة في قناة السويس وتكدس السفن داخل الممر الملاحي للقناة، بدأت أسئلة تُثار حول الطرق البديلة لقناة السويس، في ظل مخاوف من تأثر إمدادات التجارة بالأزمة، سواء النفط أو الغاز أو المنتجات الزراعية والصناعية.
ويمر نحو 30% من حاويات الشحن في العالم يومياً عبر قناة السويس، وحوالي 12% من التجارة العالمية عبر قناة السويس، التي تربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر، وتوفر أقصر رابط بحري بين آسيا وأوروبا.
في المتوسط يمر ما يقرب من 50 سفينة يومياً على طول القناة، ورغم أن العدد قد يكون أعلى من ذلك بكثير في بعض الأحيان، وطريق قناة السويس، مهم بشكل خاص كطريق للنفط والغاز الطبيعي المسال، حيث يتيح وصول الشحنات من الشرق الأوسط إلى أوروبا.
ووفقاً لتقرير لبلومبيرغ يُظهر تقدير تقريبي أن تكلفة انسداد القناة تبلغ حوالي 400 مليون دولار في الساعة، بناءً على حسابات من Lloyd's List التي تشير إلى أن حركة المرور المتجهة غرباً تبلغ قيمتها حوالي 5.1 مليار دولار في اليوم، وحركة المرور المتجهة شرقاً تبلغ 4.5 مليار دولار تقريباً.
وقالت السلطات المصرية المعنية إنها تحاول إعادة التوازن إلى السفينة، وذكرت مصادر محلية أن الجهود قد تتحول نحو حفر حول السفينة إذا لم تتمكن زوارق القطر من إطلاقها.
تكدس ناقلات النفط والغاز
قالت مصادر ملاحية إن عشرات السفن التي تحمل الخام والغاز الطبيعي المسال وسلع التجزئة لم تتمكن من الإبحار عبر القناة، أمس الأربعاء، ما قد يُعطل الإمدادات للأسواق العالمية.
وتوجد سبع ناقلات غاز طبيعي مسال بالقرب من مداخل القناة، وفقاً لبيانات تتبع السفن التي جمعتها وكالة Bloomberg.
ونقلت رويترز عن مصادر محلية قولها إن هناك ما لا يقل عن 30 سفينة محجوبة شمال السفينة إيفر جيفن وثلاث في الجنوب، بينما قال جهاز معلومات الطاقة Kpler إن أكثر من 20 ناقلة نفط تحمل الخام والمنتجات المكررة تأثرت بالتكدس.
وقال سماسرة ومُتتبِّعي السفن إن أكثر من 100 سفينة تنتظر عبور القناة، حسب تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
قد تكون هناك ناقلة غاز طبيعي مسال واحدة عالقة داخل قناة السويس خلف إيفر جيفن التي تقطعت بها السبل، ولكن هناك بالفعل علامات على أن الانسداد بدأ في تعطيل التدفقات العالمية للغاز الطبيعي المسال، حسب وكالة Bloomberg الأمريكية.
أوردت رويترز أن المخاوف من أن يؤدي الحظر إلى تقييد شحنات النفط الخام أدت إلى ارتفاع الأسعار بنسبة 4% في الأسواق الدولية أمس الأربعاء.
وقالت ريبيكا شيا إنه إذا استمر الازدحام حتى نهاية هذا الأسبوع، فسيؤثر ذلك على عبور 15 ناقلة للغاز الطبيعي المسال.
كارثة إذا استمرت الأزمة لخمسة أيام أخرى
وفي حين أنه من المرجح أن تظل السفينة إيفر جرين عالقة لبضعة أيام فقط، إلا أن ذلك سيكون طويلاً بما يكفي لتدافع بعض تدفقات الطاقة.
وقال نيلز مادسن، نائب رئيس المنتجات والعمليات في شركة Sea-Intelligence ومقرها الدنمارك "إذا ظلت قناة السويس مغلقة لمدة 3-5 أيام أخرى فسيبدأ هذا في إحداث تداعيات عالمية خطيرة للغاية".
وكشف بيتر بيردوفسكي، الرئيس التنفيذي لشركة بوسكاليس الهولندية التي تحاول تعويم السفينة العالقة في قناة السويس المصرية منذ أيام، الخميس 25 مارس/آذار 2021، أنه من السابق لأوانه تحديد المدة التي قد تستغرقها المهمة.
بيردوفسكي، قال لبرنامج يبثه التليفزيون الهولندي: "لا يمكننا استبعاد أن المسألة قد تستغرق أسابيع.. حسب الوضع"، مضيفاً أنه تم رفع مقدمة السفينة ومؤخرتها على جانبي القناة.
ومن المرجح أن يؤدي انسداد قناة السويس بواسطة سفينة حاويات عملاقة إلى موجة من الاضطراب عبر سلسلة إمداد الطاقة العالمية.
قد تضطر شركات التكرير الأوروبية والأمريكية التي تعتمد على الممر المائي الحيوي لشحنات نفط الشرق الأوسط إلى البحث عن إمدادات بديلة في حالة استمرار الانسداد، ما قد يؤدي إلى زيادة أسعار الدرجات البديلة.
في الوقت نفسه، ستتوقف تدفقات النفط الخام من حقول بحر الشمال المتجهة إلى آسيا، لأن القناة هي طريق حاسم، وتستخدم بشكل أساسي لنقل النفط الخام من الشرق الأوسط إلى أوروبا والولايات المتحدة، وكذلك شحن زيت الوقود من الغرب إلى الشرق.
الطرق البديلة لقناة السويس
قناة السويس، وهي ممر مائي اصطناعي بطول 193 كيلومتراً يربط البحر الأحمر بالمتوسط، وبالتالي تربط التجارة بين آسيا وشرق إفريقيا من ناحية وبين أوروبا والأمريكتين وغرب إفريقيا.
أما عن الطرق البديلة لقناة السويس، فليس هناك سوى طريقين بحريين بديلين، هما طريق رأس الرجاء الصالح وطريق القطب الشمالي.
وهناك طريق ثالث وهو طريق عبر المحيط الهادي، ولكنه أطول بكثير، وهو عملي للتجارة بين غرب الأمريكتين وشرق آسيا، وبالتالي فهو ليس منافساً لقناة السويس.
ويمكن أن يكون هناك طرق تجمع بين البر والبحر، عبر نقل تنزيل البضائع المنقولة بحراً إلى موانئ ونقلها عبر البر لموانئ أخرى ليعاد شحنها بحراً، وهو أمر مكلف.
المفارقة أن أقرب طريق يجمع بين النقل البري والبحري هو عن طريق مصر أيضاً مثل قناة السويس، حيث يمكن تفريغ البضائع في مينائي دمياط أو بورسعيد ونقلها براً إلى السويس والعكس، ليعاد نقلها بحرا إلى وجهاتها المختلفة.
رأس الرجاء الصالح.. المنافس الطبيعي لقناة السويس
طريق "رأس الرجاء الصالح" هو طريق بحري، يربط بين آسيا وإفريقيا عبر الدوران حول إفريقيا من طرفه الجنوبي، وكانت تمر به السفن التجارية المتوجهة من وإلى آسيا، قبل حفر قناة السويس.
وطريق رأس الرجاء الصالح أطول بنحو ثلاثة آلاف ميل بحري، ويستغرق وقتاً أطول لفترة تتراوح بين 5 إلى 15 يوماً في المتوسط، حسب مكان انطلاق السفينة ووجهتها.
ويؤدي ذلك إلى استخدام وقود أكثر.
وفي الأوقات التي تكون فيها أسعار النفط متدنية، تصل تكلفة بعض الرحلات به إلى ما يصل إلى 200 ألف دولار، إلا أن رسوم عبور قناة السويس لا تزال تتراوح ما بين 400 ألف إلى 500 ألف دولار، وهذا يجعل طريق رأس الرجاء صالح أكثر توفيراً، مثلما حدث عندما تدهورت أسعار النفط في منتصف عام 2020، حسب تحالف CMA-CGM الملاحي.
ولكن مع استعادة أسعار النفط جزءاً من عافيتها، فإن طريق رأس الرجاء الصالح قد يكون أكثر تكلفة بالنسبة للسفن، حسب تقرير لـ"بي بي سي".
ولكن في توقيت أسعار نفط عادية فإن فرق التكلفة بين قناة السويس وطريق رأس الرجاء الصالح حوالي 500 ألف دولار لرحلة من ميناء رأس التنورة السعودية إلى ميناء روتردام الهولندي، لناقلة نفط من فئة الناقلات الكبيرة جداً (VLCC).
ويجب أن يوضع في الاعتبار أن التكلفة الإضافية لطريق رأس الرجاء الصالح لا تقتصر على الوقود والوقت، بل إهلاك السفينة، الأمر الذي ينعكس على إيجارها وكذلك أجور البحارة، وهناك أيضاً حقيقة المخاطر الأمنية الإضافية من بعض مناطق الطريق، خاصة مع ازدياد القرصنة في منطقة خليج غينيا بغرب إفريقيا.
لكن فرق التكلفة بين الطريقين يتراجع إذا كانت الرحلة بين ميناء يقع في أقصى شرق آسيا مع آخر في الأمريكتين.
وفي الأزمة الحالية، تزداد تكلفة طريق رأس الرجاء الصالح، بالنسبة للسفن العالقة في البحرين المتوسط والأحمر جراء إغلاق قناة السويس، لأن هذه السفن سوف تقطع رحلة مضاعفة لأن عليها العودة من البحرين المتوسط والأحمر إلى الجنوب، في اتجاه طريق رأس الرجاء الصالح، ثم الذهاب لوجهتها، ولكن مثل هذه الرحلة المكلفة قد تكون ضرورية إذا استمر إغلاق قناة السويس.
أما بالنسبة للسفن التي ستبدأ التحرك من وجهتها الأصلية فقد تكون الخسائر أقل، لأنها ستبدأ في تحديد رأس الرجاء الصالح كممر لرحلتها منذ البداية.
وبالفعل شحنة واحدة على الأقل من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة قد تكون غيرت مسارها نحو رأس الرجاء الصالح، وبعيداً عن السويس، حسبما نقلت بلومبيرغ عن لوكاس شميت، المحلل في وود دماكنزي المحدودة في مذكرة يوم الخميس.
طريق القطب الشمالي
استغلت روسيا الأزمة لتسليط الضوء على فوائد الإبحار على طريق البحر الشمالي بين آسيا وأوروبا، الذي تروج له روسيا منذ فترة كبديل لقناة السويس، خاصة للتجارة بين الأجزاء الشمالية من أوروبا وأمريكا الشمالية مع الشرق الأقصى.
فلقد نشرت مؤسسة الطاقة النووية الحكومية الروسية في موسكو"روساتوم"، صباح الخميس، عدة تغريدات أدرجت فيها الأسباب المفضلة للنظر في الشحن العالمي للتوجه شمالاً كبديل لطريق قناة السويس.
وفي عام 2018، عينت الحكومة الروسية روساتوم لتكون مسؤولة عن طريق بحر الشمال من خلال إدارة مخصصة، مع أسطول روساتوم من كاسحات الجليد التي تعمل بالطاقة النووية.
ومع ذوبان القطب الشمالي سريعاً، تزداد حركة السفن الشراعية العابرة عبر شمال روسيا من سنة إلى أخرى. كما تعمل "روساتوم" (Rosatom ) على تعزيز قدرتها بشكل كبير على إبقاء طريق بحر الشمال مفتوحاً للشحن من خلال بناء كاسحات جليد جديدة وأكثر قوة.
بالنسبة لموسكو، يعتبر الشحن في القطب الشمالي مفتاحاً للتنمية الصناعية في أقصى شمال سيبيريا، ويُعتقد أنه يلعب دوراً مهماً في الاقتصاد المستقبلي للبلاد.
الإبحار في طريق بحر الشمال أقصر بحوالي 40% من الصين إلى الموانئ الأوروبية، مقارنة بالإبحار في قناة السويس.
على الرغم من ذلك، كانت حركة المرور في الشمال قليلة جداً، وبأي حال من الأحوال ليست منافساً للسويس أو الإبحار حول إفريقيا.
والجليد في المحيط المتجمد الشمالي رقيق نسبياً هذا الشتاء، لذلك غالباً ما تسافر ناقلات النفط وناقلات الغاز الطبيعي المسال دون مرافقة كاسحة جليد، توفر شركة Rosatom بيانات لحظية عن الطقس والتيارات وحركة الجليد وغيرها من المعلومات المهمة للتنقل شمالاً.
وفي فترة منتصف الشتاء، فإن طريق البحر الشمالي يوفر مرافقة لكسر الجليد، وأنقذت Rosatom سفينة الشحن "Sparta III" بواسطة كاسحة الجليد التي تعمل بالطاقة النووية "Vaygach"، بعد أن علقت في الجليد في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2020.
ولكن لم يتسن الوصول إلى تقارير صحفية عن تغيير سفن لمسارها من قناة السويس إلى طريق القطب الشمالي، قد يكون السبب أن هذا الطريق على عكس رأس الرجاء الصالح، يحتاج إلى تجهيزات خاصة فيما يتعلق بالسفن وأطقمها في ظل الطقس شديد البرودة، خاصة أن الشتاء لم يغادر المنطقة بعد.