مع التوقعات بأن يتصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نتائج الانتخابات العامة الرابعة، والمخاوف من عدم قدرته على تشكيل الحكومة، ما قد يؤدي لانتخابات خامسة، يُثار تساؤل حول استمرار تصويت الإسرائيليين له رغم اتهامات الفساد القوية ضده، وإخفاقاته العسكرية المتعددة.
ولا يزال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحزبه الليكود يتمتعان بشعبية، ومع ذلك تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أنه من غير المرجح أن توفر الانتخابات للبلاد الاستقرار الذي تشتد الحاجة إليه، وأن نتيجتها لا تزال غير متوقعة.
بحسب القانون الإسرائيلي، فإن انتخابات الكنيست تجري مرة كل أربع سنوات، ولكن يمكن للكنيست أو رئيس الحكومة اتخاذ القرار بإجرائها في وقت أبكر. لكن وللمرة الأولى في تاريخ إسرائيل، تشهد 4 عمليات انتخابية متتالية في غضون عامين.
"خُمس عمر الدولة العبرية".. نتنياهو أطول رئيس حكومة بقي في الحكم
يعد نتنياهو أطول رئيس وزراء إسرائيلي بقاءً في الحكم، إذ إن مجموع عدد السنوات التي قضاها كرئيس وزراء لإسرائيل في أكثر من حكومة وعلى سنوات متفرقة يصل إلى 15 عاماً، بما نسبته نحو 20% من سنوات تاريخ الكيان الإسرائيلي الذي أنشئ عام 1948.
وتعرض نتنياهو لاتهامات وتحقيقات واسعة النطاق، بشأن تهم فساد، ويعتقد أنه لو خسر الانتخابات فإن الأمر سينتهي به إلى السجن (لأن رئيس الحكومة لديه حصانة)، وتعرض حكمه مؤخراً لاحتجاجات عدة، إضافة إلى أن سجل إسرائيل العسكري في عهده ليس قوياً، كالعديد من حكامها السابقين.
حماس تحولت إلى قوة صاروخية
وازداد خصوم إسرائيل الرئيسيين قوة في عهد نتنياهو، فتقدمت إيران في برنامجها النووي، وامتد نفوذها ليشمل العراق وسوريا واليمن، إضافة إلى لبنان، وازدادت قوة حزب الله وحماس والجهاد بشكل كبير.
كما أنه أبرم تسويات لوقف إطلاق نار مع حماس تحديداً، بدت أحياناً مهينة لإسرائيل، خاصة عقب العدوان على غزة عام 2014.
وفي ظل حكم نتنياهو، تحولت حماس من حركة محدودة القوة تطلق صواريخ وصفها الرئيس الفلسطيني محمود عباس من قبل بالصواريخ الكارتونية، إلى قوة عسكرية منظمة تصنع صواريخ وطائرات مسيرة، تستطيع وقف الحركة في مطار تل أبيب (مثلما حدث في عام 2014)، بل إنها وصلت إلى مدينة حيفا في أقصى شمال إسرائيل.
حتى إن نتنياهو صُور ذات مرة خلال حملة انتخابية وهو يهرب من صواريخ المقاومة الفلسطينية، وهو ما تكرر مؤخراً في بئر السبع.
ورغم تهديداته المتكررة، لم ينفذ نتنياهو عملاً عسكرياً واسع النطاق يوقف البرنامج النووي الإيراني (مثلما فعلت تل أبيب مع البرنامج النووي العراقي في ثمانينات القرن العشرين)، وأفضت ضعوطه على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (إضافة لأسباب أخرى) إلى انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني، وهو ما أدى إلى تخلي طهران عن التزاماتها والدفع قدماً في البرنامج بشكل قرّبها إلى القنبلة النووية بمستوى غير مسبوق منذ إبرام الاتفاق، حسب تصريحات المسؤولين الغربيين.
وأصبح للفلسطينيين دولة معترف بها من الأمم المتحدة
وفي الملف القانوني والسياسي، تتعرض إسرائيل لأول مرة لخط احتمال محاكمة قادتها من قبل المحكمة الجنائية الدولية، بسبب جرائم الحرب التي ارتكبوها ضد الفلسطينيين.
وقبل ذلك أصبحت فلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة، وأدان مجلس الأمن لأول مرة الاستيطان الإسرائيلي بعدما امتنعت أمريكا في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما من استخدام حق الفيتو.
ومع رحيل صديقه دونالد ترامب، من البيت الأبيض، من المتوقع أن كثيراً من المكاسب الإسرائيلية من صفقة القرن قد تتلاشى، علماً أن الصفقة جلبت إدانة دولية واسعة بما في ذلك دوائر غربية متنوعة.
وعلى عكس زعماء إسرائيل الكبار السابقين، لم يحقق نتنياهو انتصاراً عسكرياً كبيراً، مثل حرب 48 أو 67 أو يصمد أمام هجوم عربي كبير مثلما حدث في حرب 1973.
لماذا إذن يواصل الإسرائيليون انتخاب رجل يبدو عادياً، معرِّضين بلادهم لخطر الشل جراء فشله في تشكيل الحكومة، في وقت جاء إلى البيت الأبيض رئيس يبدو أنه لا يحترمه.
لماذا ينتخب الإسرائيليون نتنياهو؟
أول أسباب انتخاب قطاع كبير من الإسرائيليين لنتنياهو هو غياب شخصية قوية بديلة له، سواء في المعارضة الوسطية أو في اليمين.
وازدادت حظوط نتنياهو جراء تراجع اليسار الإسرائيلي بشكل كبير كجزء من تراجع اليسار في العالم كله، وتحوله إلى ظاهرة صاخبة مرتبطة بالدوائر البحثية والإعلامية، تستطيع حشد الجماهير في احتجاجات تملأ الشوارع، ولكن لا تملأ صناديق الانتخابات.
الأمر الثاني هو نجاح نتنياهو في تحقيق تقدم اقتصادي لافت لإسرائيل، التي أصبح متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي فيها يضاهي وفقاً لكثير من التقديرات العديد من الدول الأوروبية المتقدمة، بل يفوق بعضها مثل فرنسا وبريطانيا وحتى اليابان.
وحققت إسرائيل في عهده تقدماً خاصاً في مجال التكنولوجيا، وهو القطاع الذي يوظف 10% من القوى العاملة الإسرائيلية، ما يمنح لها لقب "دولة الشركات الناشئة"، حسب وصف موقع فرانس 24.
وعندما جاءت جائحة كورونا، واجه نتنياهو انتقادات حادة بسبب إدارته للأزمة على صعيد منع انتشار الفيروس، وكذلك بسبب تأثر الاقتصاد، الأمر الذي أدى إلى أن عشرات آلاف الأشخاص فقدوا وظائفهم بسبب جائحة كوفيد-19، خاصة في قطاع الخدمات الذي توقف إثر إجراءات الإغلاق الشامل.
ولكن سرعان ما نال نتنياهو الثناء، حتى من معارضيه، بعد أن أطلقت إسرائيل في 19 ديسمبر/كانون الأول 2020، حملة تطعيمات طموحة ضد فيروس كورونا، جعلتها تقود العالم في عملية التلقيح، وقد انتهت من تطعيم أكثر من نصف السكان بالجرعتين اللازمتين من لقاح فايزر/بايونتيك.
التطورات الإقليمية خدمته
مع أن نتنياهو يمكن أن يفاخر بالتطورات الإقليمية التي حدثت في عهده، في مقدمتها موجة التطبيع التي شملت الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، وقبلها انهيار سوريا والعراق، أبرز أعدائه العرب، والتقارب غير المسبوق مع مصر في عهد رئيسها الحالي عبدالفتاح السيسي.
ولكن معظم هذه ليست إنجازات من صنع يديه لصالح إسرائيل، بل هي ثمار جاءته نتيجة لتطورات ذاتية في المنطقة، أغلبها مرتبط بفشل الربيع العربي، والذي أدى إلى انهيار عدد من الدول العربية، وتحول قضية الحرب ضد الديمقراطية والإسلاميين إلى الهمّ الرئيسي للعديد من حكامها، ما جعلهم يسارعون للتقارب مع إسرائيل دون أي خجل.
وقد تكون هذه مهارة نتنياهو الرئيسية في صراعات المنطقة، على عكس قادة إسرائيل السابقين، أنه نادراً ما تدخل بشكل فج في الصراعات الداخلية للدول العربية الداخلية (عكس التدخل الإسرائيلي الكثيف في الحرب الأهلية اللبنانية على سبيل المثال).
أما نتنياهو، الذي لا يميل للمغامرة، فلقد ترك المنطقة تأكل نفسها بصراعاتها الذاتية.
على سبيل المثال، فرغم أن وصول محمد مرسي، الرئيس الذي ينتمي للإخوان، لحكم مصر، أكبر دولة عربية، يعد أمراً شديد الخطورة على إسرائيل، بالنظر إلى مركزية قضية فلسطين لدى الإسلاميين والعلاقة الوثيقة بين إخوان مصر وحماس، فإن نتنياهو لم يجاهر بالعداء له أو يهدد بمواجهة مع القاهرة، وهو أمر لو فعله لأكسب مرسي شعبية كان يمكن أن تبقيه في الحكم، ولكن في الواقع نأى نتنياهو بنفسه عن الأمر، تاركاً الخلافات والمؤامرات الداخلية تسقط مرسي.
قوي فقط مع من يعتمدون على المفاوضات
نتنياهو ليس رجل سلام ولا رجل حرب أيضاً.
ففي عهده لم تحتل إسرائيل أراضي عربية جديدة، ولكن بدلاً من ذلك يقوم بهضم بطيء وممنهج للأراضي العربية المحتلة من قبل.
وإذا واجه نتنياهو احتمالات حرب مفتوحة وطويلة يميل للمهادنة أو تنفيذ عمل محدود، مثلما يفعل مع حزب الله وحماس والجهاد، ومثلما تجنب أي صراع واسع مع إيران، ولكن يلجأ إلى عمليات محدودة عسكرية أو استخباراتية، ومتقبلاً في الوقت ذاته صعود بعض من القوى المعادية، بدلاً من الدخول في حرب لوأدها قد تكون لها تكلفة بشرية كبيرة لإسرائيل.
شخصية اللاحرب واللاسلم ملائمة للتغير الذي حدث في المجتمع الإسرائيلي، والذي أصبح أكثر تطرفاً وتلهفاً على ابتلاع الأراضي العربية المحتلة، ولكن أيضاً أقل قدرة من الناحية النفسية على خوض حروب مكلفة مادياً وبشرياً، بعد أن بات مجتمعاً ثرياً.
ولكن بينما يبرم نتنياهو مع القوى المعادية لإسرائيل ذات الطبيعة العسكرية تسويات جزئية، فإنه يواجه السلطة الفلسطينية المتمسكة بالمفاوضات والتسوية السياسية بتنصل دائم ولكن غير صاخب، من الاتفاقات السابقة، موغلاً في استغلال تمسكها بالعمل السلمي لضم الأراضي الفلسطينية.
في مواقفه هذه مع السلطة الفلسطينية (وهي السلطة التي اكتسبت احتراماً كبيراً على الصعيد الدبلوماسي في السنوات الماضية)، لا يأبه نتنياهو للإدانة المعنوية المتزايدة الدولية لإسرائيل، والتي لا تترجم على الإطلاق إلى عقوبات أو أضرار على الدولة العبرية.
فالعالم يواصل شجب المستوطنات، (مثلما تفعل أوروبا على سبيل المثال) ولكنه يواصل أيضاً التجارة مع إسرائيل والذهاب إليها بغرض السياحة، حتى لو تجنب الذهاب للمستوطنات التي تقع على بعد أميال من تل أبيب.
نتنياهو ذو الوجهين
يبدو أن نتنياهو له أجندتان، أو وجهان، أجندة براغماتية ترضي الناخبين الإسرائيلييين غير اليمينيين عبر تحقيق نمو اقتصادي ونجاحات عملية وتجنبهم حرباً قد تؤدي إلى سقوط ضحايا أو الإضرار بالاقتصاد.
كما أن هذا الوجه مفيد لإسرائيل من وجهة النظر الأمنية، لأن التقدم الاقتصادي والتكنولوجي يؤدي إلى تعزيز قوة الجيش الإسرائيلي.
وهناك أجندة يمينية متطرفة، تركز على ابتلاع الأرض التي اُحتُلت في عهود أسلافه.
الخسارة الإسرائيلية الرئيسية في سياسة اللاسلم واللاحرب، التي يتبعها نتنياهو، هي صعود القوى المعادية لإسرائيل أو تلك التي تناوئ تل أبيب، بخشونة نسبية مثل إيران وتركيا وحزب الله وحماس والجهاد، لأن حذر نتنياهو يمنعه من الدخول مع أي منهم في معركة حاسمة، ولكنه يراهن أيضاً على تناقضات المنطقة الداخلية والغرب الذين يمكن أن يتكفلوا بالتعامل مع هذه القوى.
فبدلاً من محاربة إيران يحاول نتنياهو التعاون مع دول الخليج ضدها، ويحرض أمريكا عليها.
وبدلاً من محاربة الإسلاميين (سنة وشيعة) والقوميين الذي يحلمون بتحرير القدس، يتركهم يتحاربون معا، أو يشاهد الأنظمة العربية وهي تحاول القضاء عليهم أو يضرب بعضهم بعضاً، بينما هو يهدد الإسرائيليين بانتخابات خامسة إن لم يفز بالرابعة.