الأنوثة نور

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/23 الساعة 12:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/23 الساعة 14:03 بتوقيت غرينتش
المرأة في العمل/ صورة تعبيرية

 تتفتح أعين الفتيات منذ الصغر على احتياج يكاد يكون الأوحد، وهو أن تتحلى بكل ما يعجب الجنس الآخر.. الرجل!

باختلاف التنشئة والثقافات والديانات أيضاً الذكر له نسبة كبيرة من اهتمام كائن الأنثى، فتجد ما يجذب الانتباه في البرامج عن العلاقات هو عناوين عريضة مثل "كيف تجعلينه يهتم، كيف ترجعي اشتياقه، كيف تَكسبينه زوجاً"، وعلى النقيض لن تجد مثل هذا الاهتمام من الناحية الذكورية لمحاولة جذب الأنثى، وكأنه تربى في كل بيئة منغلقة أو منفتحة على ثقته بنفسه، وأنه إن اشتهى لن يقف أمامه أي صيد.

قف معي لثوانٍ..

لا لم أعنِ بكلامي أني أريد أن أجعل المرأة كالرجل، بل أنا من أشد من يدعو لقوامة الرجل ولاحترام درجته التكليفية عندما أُحدّث النساء، ولكني أريد منكم بعض التفحص للمعاني التي تنهال على عقول الفتيات إن تربت بمثل هذه التوجهات المباشرة وغير المباشرة، ستجد كل كيانها يُرسم بوجود الرجل فقط، ستشعر بالدونية دونه، ستشعر بقلة قيمتها الذاتية، سيحولها إلى كائن اعتمادي كل هدفه في الحياة أن يقتات من وجود الرجل على شعوره بالقيمة.

ومما أشاهده الآن أن هذا أمر يكرهه الرجل السوي، قد يسعد في أول العلاقة بها تهيم به وتتمركز حوله، لكن حين تمر الأيام ويحتاج لبعض المسافات لإتمام باقي شؤونه سينقلب السحر، وسيرى الوجه الكريه للاعتمادية، الممتلئ بالنكد واللوم والضياع دونه. وبهذا بدلاً من أن يكون البيت سكناً مريحاً لكل منهما ليقوم بدور استخلافه في الحياة، تتحول البيوت لأعشاش عنكبوت واهية، تقيّد ولا تحرر الكوامن، وتقضي على الروح.

ولا أقول لكم إن كل الفتيات يصِرن بهذا الخطاب اعتماديات، فالبعض الآخر عاشق لاستقلاليته حتى إنه من كراهيته للخطاب صار في عداوة مع جنس الرجل، والبعض الآخر وسط بين الاثنين، ولكنه لم ينجُ من خطاب الاحتياج المُلِحّ للجنس الآخر والشعور بالنقص الشديد دونه.

فطرة الأنثى كلها تميل للرجل، خُلقت من ضلعه ليأنس بها، فكيف لها لا تميل بكل كيانها له؟ لكن شتان بين الميل ولها كيان منفصل، وبين الميل والذوبان الكامل فيه.

 تحتاج الفتاة في البيوت أن تتربى على تغذية كل كيانها الأنثوي بالتساوي، وتعليمها مناط الأولويات في قيمها، وشرح قيمة الزوج حين يتواجد، وأنها وهي فتاة لا تحتاج إلى أن تحيا لقيمة الزوج إن لم يأت بعد!

الإنسان خُلق لله، فإن كان هناك ما يجب توكيده فهو صفة العبودية التامة بالقلب قبل الجوارح لله، أن تحيا الأنثى بقيم سليمة مستقاة من الوحي، تتعلم من قصص الأنبياء سنن الكون في التغيير، وقبول أننا نسعى وقد لا نرى نتيجة، وأن الاستقرار الخارجي وهم، وأن صمام الأمان كله من الله وحده، ومن نفسها وقدرتها على توجيه عقلها ليرى الخير في كل شيء، وأن تتربى على أخلاق الرسل وأمهات المؤمنين والصحابيات تربيةً عملية تطبيقية في كل موقف تختبر فيه، وتصير كلمة الله هي العليا في تنفيذ كل شيء.

تتعلم التوازن بين نفسها والأهل والأصحاب والمساهمة الفعالة في التأثير الخارجي قدر طاقتها بإتاحة الدائرة المناسبة لذلك دون تطلع للمزيد دوماً، فقط تخطو خطوات واثقة، وعينها نصب سعيها، تستيقظ لتحيا، تحيا الآن وفي اللحظة وهدفها واضح، أن تحيا حياة مطمئنة بدواخلها المليئة بالسكن.

أن تفهم أن الأنثى فيض من نور، فيض من شعور، فيض من جمال، هي منبع الوجود، فتتعلم كيف تنير نفسها بنفسها، وتنير من حولها، حينها تستطيع استقبال الحب من الآخرين دون الشعور بالدونية الذي أصاب غالبية النساء.

حينها إن رزقَت بزوج كانت له نعم الزوجة، لأنها تمرست على فنون الأنوثة في كل مضمار، فصارت دواخلها متينة قوية ليسكن إليها، ولكي يشعر معها بكامل رجولته وينكشف بكل ضعفه المستتر لعينيها فتجبره وتعطيه دفعة قوة للاستمرار في جهاده مع الحياة. فشتان بين أنثى تربّت على حب ذاتها فحققتها بتوازٍ مع حب كل شيء حولها، وبين أنثى تربت على حب وجود الرجل فقط، فصارت كائناً معتماً مظلماً، لا ينير إلا بوجود شمس.

ويا عزيزي، إن الأنثى لم تخلق لتكون قمراً، الأنثى هي شمس الوجود، منبع النور، من دونها ظلام دامس وبرود. فكيف تنتظر أن ينيرها قمر مثلها، فليأخذ كل منا موضعه من الكون فتستقيم الحياة.

هي شمسك، وأنت قمرها

حين تغيب.. تحتاج إلى نورك

حين تسطع.. تكون لك كل النور       

كان هذا مقالنا الأول من سلسلة مقالات "عش العنكبوت"، فإلى اللقاء مع المقال الثاني من السلسلة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ريهام حلمي
باحثة مصرية وكاتبة متخصصة في مجال الذكاء العاطفي وتطوير العلاقات الأسرية
حاصلة على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 2003، حاصلة علي شهادات معتمدة في التدريب من دكتور جون جراي، جين نيلسون، ريتشارد بولستاد ومايكل هول بالولايات المتحدة الأمريكية، مدربة معتمدة من رابطة التدريب الدولية، صدر لي كتب "سكن" و"صفاء الروح في حلو المشاعر ومرها" و" إكسبايرد- من أجل علاقات لا تنتهي صلاحيتها"
تحميل المزيد