يبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن باتت في مأزق في اليمن بعد رفع اسم جماعة أنصار الله "الحوثية" من قوائم الإرهاب، بسبب التطورات العسكرية الأخيرة التي وضعتها الحركة.
فيتنامى شعور الحوثيين الآن بمزيدٍ من الجرأة في حرب اليمن. فقد تنامى الاعتقاد لدى الحركة المتحالفة مع إيران بأنها تربح هذا الصراع المروع، بحسب تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
ويستند هذا الاعتقاد إلى أسس واقعية. إذ يسيطر الحوثيون على المناطق التي يعيش فيها ما يقرب من 80% من سكان اليمن.
ومن العوامل الأخرى التي أسهمت في تعزيز ثقة الحوثيين: التحول في السياسة الخارجية لواشنطن مع تولي قيادة جديدة في البيت الأبيض، واستمرار ضربات الجماعة ضد السعودية، والتي تجسدت مؤخراً في الهجوم على منشأة تخزين النفط برأس تنورة في 7 مارس/آذار، والتي تعد أحد أكبر موانئ شحن النفط في العالم.
وبدلاً من إلقاء السلاح، والموافقة على ما وصفه المبعوث الأمريكي الخاص لليمن، تيم ليندركينغ، بخطة "رصينة" لوقف إطلاق النار، قرر الحوثيون مواصلة سعيهم المسلح للاستيلاء على محافظة مأرب الغنية بالنفط.
لماذا تُوقف حرباً أنت في طريقك للانتصار فيها؟!
المعضلة الرئيسية لإدارة بايدن هي كيفية التعامل مع عزم الحوثيين على مواصلة القتال. ولما كان الحوثيون في حالة هجوم حالياً، فسيكون من الصعوبة بمكان على القيادة الأمريكية معرفة كيفية دفعهم إلى إلقاء أسلحتهم والثقة بعملية سلام تتطلب منهم تقديم تنازلات لخصومهم المحليين والإقليميين والدوليين.
وينبع قدر كبير من الصعوبة التي يواجهها فريق بايدن من حقيقة أن الولايات المتحدة ليس لها أي نفوذ مباشر على الحوثيين. فبسبب دعم واشنطن للسعودية في حربها عليهم، يرى المتمردون الحوثيون الولايات المتحدة على أنها عدو. وبمجرد أن بدأت الحملة السعودية المدعومة من واشنطن -والمعروفة بعملية "عاصفة الحزم"- في عام 2015، التفت الحوثيون بحثاً عن علاقات أعمق مع إيران والصين وروسيا؛ في محاولةٍ لموازنة دعم الرياض من الحكومات الغربية والعربية الأخرى.
اكتسب الحوثيون قوة هائلة بدعمهم من إيران وحزب الله اللبناني وتحالفهم معاً. ربما لن يكون لدى الجماعة أبداً القوة اللازمة للسيطرة على اليمن بالكامل، وتشير الطبيعة المتغيرة للحرب إلى أن بعض المكاسب قد تنقلب عليهم إذا استمر الصراع. ومع ذلك، فإن مدى سيطرة الحوثيين على اليمن اليوم يجب أن يعطي جميع صناع القرار سبباً وجيهاً لاستبعاد احتمال قيام السعودية وحكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي المدعومة منها، بهزيمة الحوثيين عسكرياً. وهو ما ذهب إليه بروس ريدل، مدير مشروع استخبارات بروكينغز، الذي قال: "هناك شيء واحد واضح تماماً: الحوثيون لن يرضخوا للضغوط. وقرابة ست سنوات من القصف السعودي والحصار والكوارث الإنسانية لم تؤثر في المتمردين الحوثيين" وتدفعهم إلى الاستسلام.
مأرب أولاً، والمفاوضات لاحقاً
حقيقة الأمر أن أعظم إنجازات حملة القصف السعودي جاءت نتائجها سلبية. فقد أفضت تلك الحملة إلى تنامي نقدٍ لاذع لها وللحملة، وإلى تفاقم الانقسامات القبلية والطائفية في اليمن، ما يجعل من الصعوبة بمكانٍ تكوين قدرٍ كافٍ أو حتى أدنى مستوى من الثقة بين الأطراف المتحاربة. وتذهب مخاوف الحوثيين إلى أنَّ نزع سلاحهم دون ضمانات كافية سيكون مخاطرة لا تحمد عقباها. وفي نهاية المطاف، يخشى الحوثيون، ولهم سند وجيه في ذلك، أن يتعرضوا للهجوم من قِبل أعدائهم في اليمن والسعوديين بعد أن يجري تشتيت انتباههم بمفاوضات السلام.
من ثم، وبناء على هذا السياق، يواصل المتمردون الحوثيون تكثيف هجومهم على مأرب وهجماتهم الصاروخية وهجمات الطائرات المسيّرة الآخذة في التطور على الأهداف السعودية. والأمر من جانب الحوثيين، هو العمل على زيادة نفوذهم قبل أي محادثات على مائدة المفاوضات.
ومن ناحية، فإن هناك منطقاً، وإن كان قصير المدى، لهذه الاستراتيجية. فالواقع أنه إذا بدأت مفاوضات جدية بشأن السلام بعد استيلاء الحوثيين على مأرب، فسيكون "أنصار الله" في وضع أقوى بكثير لإملاء الشروط. فالمدينة تقع في موقع استراتيجي شرق العاصمة اليمنية صنعاء، التي يسيطر عليها الحوثيون أيضاً، ويتركز فيها كثير من موارد النفط والغاز اليمنية، علاوة على أنها بمثابة آخر معقل لحكومة هادي. ومن ثم، إذا تمكن الحوثيون من السيطرة على هذه المدينة، فإن موقفهم سيزداد قوةً في أي مفاوضات، خاصةً أن أي تغيير من هذا النوع على الأرض سيُفاقم شعور حكومة هادي بالضعف، وربما يكثف الضغط الواقع على الحكومة للموافقة على شروط سلام تأتي في مصلحة الحوثيين.
لكن من ناحيةٍ أخرى، تخاطر جماعة الحوثي في هذا المسار بمخاطر كبيرة خلال سعيها للاستيلاء على مزيد من الأراضي قبل المفاوضات. كما أن عدوان الحوثيين العازم على قهر مأرب قد يوحّد القوات المناهضة للحوثيين، التي لطالما كانت منقسمة حيالهم. كما أنه قد يجعل إدارة بايدن أقل انفتاحاً على الانخراط في حوار مع جماعة تتمسك صراحةً بتصعيد الصراع بدلاً من الحدِّ منه.
جلب الحوثيين إلى طاولة المفاوضات
بناء على ذلك، وفي إطار التزام بايدن الصريح بحل الصراع في اليمن دبلوماسياً، كيف يمكن أن تمنح واشنطن الحوثيين سبباً لرؤية وقف إطلاق النار على أنه مسار أفضل من استمرار الحرب؟
بدايةً، بإمكان الولايات المتحدة إبداء حُسن نيتها، من خلال إقناع السعودية بإنهاء الحصار المفروض على اليمن، والذي يشمل مطار صنعاء وميناء الحديدة، وكلاهما تحت سيطرة الحوثيين. فقد كان لهذا الحصار تأثير ضئيل في قدرة الحوثيين على القتال، لكنه كان مسؤولاً على نحو مباشر عن مقتل عددٍ لا يحصى من اليمنيين. وهذه الخطوة من شأنها أن تشير إلى التزام إدارة بايدن باتخاذ خطوات ملموسة تهدف إلى المساعدة في إنهاء هذا الصراع ومعالجة المخاوف المتعلقة بالوضع الإنساني التي لا تنفك تتكشف. وخلال هذه العملية، إذا وافق السعوديون على رفع الحصار، فإن الحوثيين، من جانبهم، يمكنهم أن يقدموا الموافقة على وقف جميع الهجمات على الأراضي السعودية لمعالجة المخاوف الأمنية المشروعة للرياض.
إضافة إلى ذلك، يجب على واشنطن الاستفادة من جميع الفرص المستقبلية لإشراك الحوثيين في حوار بنَّاء بحثاً عن تدابير تعزيز الثقة بالقواعد والنتائج القابلة للتحقق، وتوليد الزخم اللازم لتفاوض نهائي بشأن تسوية سياسية. ومن المرجح أن تعتمد الولايات المتحدة في ذلك على الدول الأخرى التي يمكنها تمهيد سبل الحوار بين واشنطن والمتمردين المتحالفين مع إيران ويقاتلهم التحالف السعودي المدعوم من الولايات المتحدة منذ ست سنوات. وتشمل الدول المؤهلة تأهيلاً كبيراً للاضطلاع بهذا الدور عُمان وقطر، وربما روسيا، وكلها دول لديها تاريخ من المشاركة والحوار مع الحوثيين. وستكون قدرات مسقط والدوحة و/أو موسكو على القيام بأدوار التواصل وبناء الجسور أمراً بالغ الأهمية؛ نظراً إلى غياب الثقة بين الولايات المتحدة والحوثيين.
وبغض النظر عن كيفية تعامل إدارة بايدن مع حركة الحوثيين، فليس من المستغرب القول إن مستقبل مناطق واسعة في شمال اليمن سيبقى تحت سيطرة الحوثيين، حتى بعد انتهاء القتال مع الحوثيين، الذين يعد الصراع معهم نطاقاً واحداً من نطاقات الصراع التي يشهدها اليمن. وفيما يتعلق بالمشهد السياسي في اليمن، لن تكون هناك عودة إلى العصور الماضية في تاريخ اليمن. وما سيأتي بعد انقشاع الغبار سيكون نتيجة مريرة متوقعة للسنوات الست الماضية من الحرب الأهلية والمعاناة الإنسانية. ومن ثم، فإن سياسة خارجية تتحرى الواقعية وتتبناها واشنطن في اليمن يتعين عليها القبول بهذا الواقع، وبعض الحقائق الواقعية الأخرى، للتعامل مع الدولة التي مزقتها الحرب بما يستلزمه ذلك التعامل من شروط براغماتية.
أما فيما يتعلق بالمستقبل، فليس من المستهجن أن نفترض أن اليمن سيبقى بلداً ممزقاً بشدة يحتاج مساعدات دولية أكثر بكثير مما يتلقاه حالياً. ومع ذلك، ليس هناك شك في أن استمرار النزاع المسلح هو السبب الرئيسي لعدم قدرة المنظمات الخارجية على تقديم المساعدة اللازمة لملايين اليمنيين، الذين هم، على حد تعبير المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، ديفيد بيزلي، "على وشك السقوط في براثن مجاعة عامة".
وفي الختام، تقتضي الحكمة من إدارة بايدن أن تدعم خطابها حول التعامل مع الكوارث الإنسانية التي يواجهها اليمن بإجراءات ملموسة تعطي الأولوية لمطلب إنقاذ الأرواح وتجعله فوق أي مطلب آخر. والطريقة الوحيدة للقيام بذلك، هي من خلال مزيد من المشاركة بين واشنطن والحوثيين، ومن ثم، يجب على فريق الرئيس بايدن المفاوض استخدام قنوات التواصل هذه للعمل خطوة بخطوة على توسيع منظور المفاوضات ونطاقها.