يبدو أن إقليم تيغراي الإثيوبي قد شهد انتهاكات ارتكبها الجيش الإثيوبي والقوات الإريترية بصورة أكثر مأساوية مما تم الكشف عنه حتى الآن، وكشف تقرير حديث عن مزاعم بارتكاب جرائم اغتصاب ممنهجة بحق نساء التيغراي فيما يوصف بالتطهير العرقي.
الاتهامات الموجهة للجيش الإثيوبي بارتكاب انتهاكات بحق سكان الإقليم ترقى لجرائم حرب صدرت عن عدة جهات دولية منها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية، رغم نفي حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد لتلك الاتهامات، لكن استمرار منع وسائل الإعلام المحايدة من دخول الإقليم بعد سيطرة القوات الحكومية عليه يضفي مصداقية على تلك الاتهامات، بحسب مراقبين.
وكان آبي أحمد قد أصدر أوامره مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بشن هجوم عسكري شامل على الإقليم الذي تحكمة "حركة تحرير شعب تيغراي" بعد أن زعم تعرض قاعدة عسكرية حكومية لهجوم من جانب قوات الإقليم، وتمكن الجيش الإثيوبي من السيطرة على عاصمة الإقليم ميكيلي ومدنه الرئيسية الأخرى في أقل من شهر.
ووجهت أصابع الاتهام لإريتريا بمساندة الجيش الإثيوبي، وهو ما ساعد على إنهاء الأمور عسكرياً لصالح قوات آبي أحمد الذي أعلن الانتصار في ديسمبر/كانون الأول الماضي، لكن أغلب قادة الإقليم فروا ولاذوا بالجبال في الإقليم ويصرون على أن المعركة لم تنتهِ، وهو ما تؤكده تقارير إعلامية تشير إلى استمرار حرب الشوارع داخل الإقليم، وهو ما يفسر إصرار أديس أبابا على التعتيم إعلامياً على ما يجري حتى الآن، بحسب محللين.
"الاغتصاب" سلاح في حرب تيغراي
وعلى الرغم من الفظائع التي تحدثت عنها تقارير متناثرة من خلال شهادات النازحين من الإقليم سواء في معسكرات لجوء على حدود إثيوبيا أو داخل السودان، إلا أن التقارير التي ترصد استخدام "الاغتصاب" بحق نساء إقليم تيغراي كسلاح من جانب قوات الجيش الإثيوبي والقوات الإريترية يبدو وكأنها سياسة ممنهجة وليست مجرد حوادث فردية، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية نشر اليوم السبت 20 مارس/آذار بعنوان "هذا تطهير عرقي"، نقل عن أطباء يعالجون الضحايا شهادتهم بأن الاغتصاب يستخدم كسلاح للتطهير العرقي.
تقرير الشبكة الأمريكية رصد شهادات لنساء من تيغراي تعرضن للاغتصاب، وشهادات من أطباء داخل إثيوبيا وفي معسكرات اللاجئين من الإقليم عالجوا عشرات النساء وتوصل لنفس النتيجة، رغم أن الادعاءات بتعرض كثير من نساء تيغراي للاغتصاب ليست جديدة.
وبحسب سجلات طبية اطلعت عليها CNN وشهادات مسجلة لضحايا وأطباء، تتعرض نساء الإقليم للاغتصاب الجماعي والتخدير ووسائل متعددة لإصابتهن بالعقم، وتعرضت إحدى الضحايا لقيام الجنود بوضع حجارة ومسامير في عضوها التناسلي، بحسب مقطع فيديو اطلع عليه مراسلو الشبكة الأمريكية.
وتحدث مراسلو الشبكة مع عشرة أطباء 9 منهم في إثيوبيا والعاشر في معسكر للاجئين في السودان، أجمعوا على أن ما يشاهدونه يمثل زيادة مقلقة في عمليات الاعتداءات الجنسية والاغتصاب الجماعي منذ شن الجيش الإثيوبي هجومه على إقليم تيغراي.
وفي شهادة إحدى ضحايا الاغتصاب في معسكر للاجئين بالسودان، قالت إن الجندي دفعها على الأرض وقال لها: "أنتم يا أهل تيغراي لا تاريخ لكم ولا ثقافة ويمكنني أن أفعل بكم ما أشاء دون أن يهتم أحد"، وفي شهادات الأطباء ترددت عبارات مماثلة على لسان المغتصبين، مما يشير إلى أن الأمر ليس مجرد انحراف من أحد الجنود، بحسب التقرير.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تثار فيها قضية استخدام "الاغتصاب" كسلاح من جانب القوات الإثيوبية في تيغراي، فقد نشرت هيئة الإذاعة البريطانية BBC تقارير عن نفس الانتهاكات في منتصف فبراير/شباط الماضي.
ورصد التقرير عدة روايات متعلقة بوقوع جرائم اغتصاب في تيغراي، وهو الأمر الذي أشارت إليه براميلا باتن، مبعوثة الأمم المتحدة بشأن العنف الجنسي في النزاعات، بقولها إن هناك "تقارير مثيرة للقلق عن إجبار أشخاص على اغتصاب أفراد من عائلاتهم تحت تهديد".
"تفيد التقارير أيضاً بأن عناصر عسكرية أجبرت بعض النساء على ممارسة الجنس مقابل الحصول على سلع أساسية، في حين أشارت المراكز الطبية إلى زيادة الطلب على وسائل منع الحمل بشكل طارئ وطلب إجراء اختبار الأمراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي، والتي غالباً ما تكون مؤشراً على العنف الجنسي في النزاع".
وقالت ثلاثة أحزاب معارضة في تيغراي، لقد أصبحت عمليات القتل خارج نطاق القانون والاغتصاب الجماعي "ممارسات يومية"، مستشهدة بحالة أبٍ أُجبر على اغتصاب ابنته تحت تهديد السلاح. وقال طبيب وعضو في إحدى مجموعات حقوق المرأة؛ وكلاهما يفضلان عدم الكشف عن هويتهما، لبي بي سي، في يناير/كانون الثاني، إنهما سجلا ما لا يقل عن 200 حالة اغتصاب لفتيات دون سن الـ18، في مختلف المستشفيات والمراكز الصحية في ميكيلي.
وقالت معظم الفتيات إن الجناة كانوا يرتدون زي الجيش الإثيوبي، وإنه تم تحذيرهم من طلب المساعدة الطبية من أي جهة، وقال الطبيب: "كانت هناك كدمات على أجساد الفتيات، وبعضهن تعرضن للاغتصاب الجماعي. كما احتجزت إحداهن وتناوبوا على اغتصابها لمدة أسبوع. لم تعد تلك الفتاة تعي شيئاً، ولا توجد شرطة، وبالتالي لا توجد عدالة".
ماذا تقول حكومة آبي أحمد؟
كانت الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن قد طالبت في بيان لها أواخر يناير/كانون الثاني الماضي بانسحاب القوات الإريترية فوراً من إقليم تيغراي، مضيفة أن إريتريا "شنت على ما يبدو هجمات بالمدفعية من جانب حدودها، ولديها قوات في تيغراي رغم أن العدد الدقيق غير واضح".
"لقد أوضحت الولايات المتحدة موقفها بأنه على كل القوات الإريترية الانسحاب من تيغراي فوراً، نظراً لتقارير موثوقة عن أعمال نهب وعنف جنسي واعتداءات في مخيمات اللاجئين وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان".
وأضاف بيان الخارجية الأمريكية وقتها أن "هناك أدلة على قيام جنود إريتريين بإعادة لاجئين إريتريين قسراً من تيغراي إلى إريتريا"، إذ إن ما يقرب من 100 ألف إريتري يعيشون في أربع مخيمات في تيغراي بعد فرارهم من الاضطهاد السياسي على مدى العقد الماضي.
ومع تزايد التقارير حول ما يتعرض له المدنيون داخل الإقليم، وخصوصاً تقارير استخدام الاغتصاب على نحو واسع كسلاح ضد نساء تيغراي، تتزايد الضغوط على الإدارة الأمريكية ببذل مزيد من الضغوط على الحكومة الإثيوبية للسماح بدخول ممثلي الأمم المتحدة ووسائل الإعلام المحايدة للتحقيق في تلك المزاعم.
لكن قبل أيام رفضت الحكومة الإثيوبية الاتهامات التي وُجهت لها بممارسة التطهير العرقي في إقليم تيغراي، بعد أن وجه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين الاتهام لحكومة آبي أحمد بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في الإقليم، مطالباً بفتح تحقيق دولي.
ففي بيان رسمي قالت الخارجية الإثيوبية إن "هذه الاتهامات دون أي أساس من الصحة"، وأشارت إلى استعداد أديس أبابا للتعاون مع أي تحقيق عادل وشفاف في دعاوى انتهاك حقوق الإنسان على أراضيها بشرط أن يتولاه الاتحاد الإفريقي، بينما لم ترد خارجية إثيوبيا على مطالبة بلينكين للقوات الإريترية بالانسحاب من إقليم تيغراي.