هل سبق أن وقعت في الخطأ ذاته مرتين؟ يعتبر الإنسان من أذكى الكائنات الموجودة على سطح الأرض بسبب قدرته على التعلم ونقل المعرفة من جيل لآخر، وقد اكتشف العلماء أن حيتان العنبر تتشارك هذه الخاصية مع البشر، فهذا النوع من الكائنات البحرية الضخمة يمتلك ذكاءً استثنائياً وقدرات تواصل فعالة مكنته من نقل الحكمة والمعرفة التي تلقاها خلال حياته في المحيطات إلى الأجيال الأخرى.
حيتان العنبر تتعلم من أخطائها
في القرن التاسع عشر، هاجمت مجموعة من السفن البشرية مجموعة من حيتان العنبر، استشعرت الحيتان الخطر وقد لاحظ الصيادون أنهم بدت وكأنها تتناقل التهديد ليصل إلى جميع الحيتان في المجموعة وتمكن بعضها من الهرب فعلاً من سفن الصيادين، لكن أولئك الناجين لم ينسوا الحادثة.
على نحو فاجأ العلماء، طورت حيتان العنبر فهماً سريعاً لكيفية التعامل مع الهجمات المشابهة لدرجة أن معدل صيد الحيتان منذ ذلك الحين انخفض بنسبة 58% ما يدل بقوة على أن هذه الكائنات المائية الضخمة تستطيع تداول المعلومات فيما بينها ونقل الحكمة من جيل إلى آخر.
نشرت الجمعية الملكية الأربعاء 17 مارس/آذار، ورقة بحثية هامة من تأليف هال وايتهيد ولوك راندل، العالمَين البارزين اللذين يعملان في علم الحيتانيات إضافةً إلى عالم البيانات تيم دي سميث، وقد تناول البحث سلوك حيتان العنبر في المحيط الهادي، ولاحظ أن التطور الثقافي للحيتان سريع جداً مقارنة بتطورها الجيني.
وقد استنتج القائمون على البحث أن لحيتان العنبر الذكية قدرة على فهم ما يجري حولها والتعلم من أخطائها ونقل ما تعلمته إلى الحيتان الأخرى كي تتجنب ارتكاب هذه الأخطاء بدورهم.
استراتيجيات ذكية طورتها حيتان العنبر
يعتبر هذا النوع من الحيتان ذكياً للغاية لدرجة أن استطاع تطوير استراتيجيات دفاعية للنجاة في المحيط.
إلى جانب البشر، لا يوجد أعداء لحيتان العنبر سوى حيتان الأوركا والتي يطلق عليها اسم الحيتان القاتلة، فالحيتان القاتلة هي الثدييات الوحيدة التي تعيش في المحيط والتي تستطيع افتراس حيتان العنبر الضخمة.
لكن حيتان العنبر التي تعلمت من مواجهاتها السابقة مع البشر واستطاعت حماية نفسها بشكل أفضل مع مرور الزمن، استطاعت كذلك أن تطور استراتيجيات دفاعية ضد الحيتان القاتلة.
فعادةً ما تستفرد الحيتان القاتلة بصغار أو إناث حيتان العنبر لتنقض عليها وتلتهمها، لذلك باتت حيتان العنبر تحيط بأطفالها الصغار وتشكل حوله دائرة أثناء السباحة بحيث يكون رأسها من الداخل وذيلها إلى الخارج لتضمن إرهاب الحيتان القاتلة التي لن تتجرأ على شن الهجوم في هذه الحالة.
حيتان العنبر حيوانات ذكية واجتماعية
تعتبر حيتان العنبر حيوانات اجتماعية للغاية، فهي قادرة على التواصل عبر مسافاتٍ بعيدة، ويتم التواصل فيما بينها عن طريق إشاراتٍ صوتية خاصة بكل مجموعة أو عشيرة من الحيتان.
وإلى جانب تناقلها أخبار المخاطر التي قد تواجهها في عرض المحيط، تتناقل أمهات حيتان العنبر كذلك معلومات حول أماكن التغذية.
ومن الجدير بالذكر أن حوت العنبر يمتلك أيضاً أكبر دماغ على هذا الكوكب، لذا ليس من الصعب تخيُّل أنها فهمت الأخطار التي أحاطت بها، وفقاً لما ورد في صحيفة The Guardian البريطانية.
تحديات جديدة تواجه حيتان العنبر في القرن الحادي والعشرين
تعلمت الحيتان كيفية التعامل مع الصيادين من البشر منذ القرن التاسع عشر، كما بدأت في التعافي من الدمار الصناعي الذي خلَّفَته أساطيل صيد الحيتان في القرن العشرين -التي لا تستطيع الحيتان الإفلات من قنابلها وقدراتها الهجومية- لكنها اليوم تواجه تهديداتٍ جديدة من نوع مختلف في القرن الحادي والعشرين.
يقول وايتهيد: "على الحيتان أن تتعلَّم ألا تصطدم بها السفن، وأن تتكيَّف مع طرق الصيد الجائر لطعامها".
وربما يكون الخطر الأكبر في العصر الحديث هو التلوُّث الضوضائي، الذي لا يمكنها فعل شيءٍ للتهرُّب منه.
كتب وايتهيد وراندل عن ثقافة الحيتان، التي تظهر واضحة في تقنيات التغذية التي يعتمدها الحيتان فيما بينها، حيث تتكيَّف هذه الكائنات الذكية مع المصادر المتغيِّرة.
ويلاحظ أن نفس الشكل من التعلُّم الاجتماعي الذي عاشته الحيوانات في حروب الحيتان قبل قرنين من الزمان ينعكس في الطريقة التي تتعايش بها مع عالم اليوم.
وكما يلاحظ وايتهيد، فإن ثقافة الحيتان أقدم من ثقافتنا بملايين السني