في زمن سطوة مواقع التواصل الاجتماعي وهيمنتها على الأخضر واليابس؛ يبدو من المثير للاهتمام أن من يحيد عن هذا الخط ولا يمسّه سحرها أمر "استثنائي" وغريب، أو حتى مريب، رغم أن لكل شخص في النهاية حرية الاختيار وكل إنسان ينظر إلى الأمور من زاوية مغايرة عن الآخرين.
وحين نتحدث عن السوشيال ميديا التي سلبت العقول والألباب فمن المنطقي أن تكون الأولوية "للنجوم"، وبما أننا هنا بصدد الحديث عن الساحرة المستديرة فنحن نعاين كيف صارت حسابات اللاعبين مصدراً رئيسياً للأخبار سواء حين يتعلق الأمر بالانتقالات وأيضاً التفاصيل اليومية لهؤلاء وأينما حلوا وارتحلوا.
لكن ما يستحق أن نتوقف عنده مليّاً هم اللاعبون الذين فضلوا أن يعيشوا حياتهم وينعموا بالقليل من الهدوء والسكينة بعيداً عن الأضواء والأعين التي تلاحقهم في المستطيل الأخضر وخارجه، رغم أن هذه "العينة" القليلة صارت محاطة بالعديد من الأسئلة والاستفسارات كأنهم ارتكبوا جرماً أو أذنبوا في حق أحد.
وعلى سبيل المثال سنطرح نموذجين "فريدين": الأول هو الدولي المغربي رومان سايس نجم خط دفاع ذئاب وولفرهامبتون، الذي أكد في تصريحاته للإعلام أنه بعيد كل البعد عن مواقع التواصل الاجتماعي وضجيجها، وهو يميل لقضاء وقته رفقة عائلته دون توثيق لتفاصيل حياته الخاصة، وحياته منقسمة بين عمله وعائلته.
والنموذج الثاني هو الدولي الإسباني رودريغو الذي يقدم مستويات كبيرة رفقة السيتيزن ولطالما أشاد بيب غوارديولا بعطائه وسخائه الكبير في رقعة الملعب؛ لكن ما هو القاسم المشترك الآخر بين هذين اللاعبين إذَن؟
كل من يلاحظ أداء وقتالية رومان غانم سايس سواء رفقة أسود الأطلس أو مع الولفز يستغرب حقاً كيف لهذا اللاعب الجوكر المتعدد المراكز -حيث يمكن الاعتماد عليه سواء كقلب دفاع أو في وسط الميدان الدفاعي وحتى كظهير أيسر- ألا ترصده أعين أكبر الأندية الأوروبية لاسيما أنه بأداء ثابت منذ برز اسمه رفقة أنجي في فرنسا؟ وحتى بالنظر للأسماء التي جاورها في كتيبة نونو إسبيريتو سانتو فالعديد من زملائه والأقل حضوراً وأداءً منه انتقلوا لفرق أكبر سواء في الدوري الإنجليزي أو في أوروبا عموماً.
وبالعودة للاعب الإسباني هو الآخر وفي ظل المستويات الخرافية التي يقدمها السيتي وأيضاً عمله الجبار في وسط الميدان يبدو "رودري" الأقل حظاً من حيث الاهتمام الإعلامي ونيل الإشادة من المهتمين بالمجال؛ فهل يمكن الربط بين ما يحصل مع رومان سايس ورودري مثلاً بتفريطهما في "سلاح" حيوي ومهم في عصرنا الحالي؟ أم أنهما سعيدان بدفع تلك "الضريبة" مقابل العيش في هدوء بعيداً عن الأضواء؟
مع العلم أن البعض قد يربط الأمر بمركزيهما في رقعة الملعب، فرغم السخاء والجهد الجبار، فإنه يجعلهما يعيشان في الظل أساساً بالنظر للمفارقة "المجحفة والظالمة" في عالم كرة القدم بتسليط الأضواء أكثر على من يملك اللمسة الأخيرة أو صُناع اللعب.
لكن ومع وجود بعض الآراء الأخرى التي يمكن أن تفند علاقة السوشيال ميديا بارتفاع أسهم اللاعبين فلا أحد يستطيع أن ينفي نفوذها في عالم الرياضة عموماً اليوم؛ فحتى الوسط الإعلامي وأغلب البرامج الرياضية أضحت تعد وتستمد معلوماتها وأفكارها من هذه المواقع، ولا يكاد حوار صحفي يخلو من أسئلة عن الصور أو مقاطع الفيديو التي ينشرها اللاعبون عبر حساباتهم مثلاً. فهل يمكن أن نرى نماذج أخرى في عالم المستديرة تقتدي بسايس و"رودري" وبالتالي تغرد خارج السرب أم أن الأمر شبه مستحيل؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net