قالت صحيفة Washington Post الأمريكية، الأربعاء 10 مارس/آذار 2021، إن السوريين العالقين بالخارج بدأوا العودة إلى طقسهم الصباحي العربي المتمثل في الثرثرة وتبادل الأخبار أثناء شرب القهوة الصباحية، وهي الممارسة التي تمنحهم الآن إحساساً مطمئناً بالحياة الطبيعية.
لكن بدلاً من العثور على ركنٍ مريح من المنزل أو البناية للدردشة وتجاذب أطراف الحديث أثناء تناول المشروب المُحلّى بالهيل من أكوابهم الصغيرة في الصبحية، باتوا يستيقظون صباحاً لتسجيل الدخول على تطبيق Clubhouse الذي بدأ في الانتشار مؤخراً.
حيث انتقل سوريو الخارج إلى تطبيق Clubhouse الصوتي، لكن المواضيع المتداولة في آخر دردشة ظلت تقليدية: نكات حول الحمير، وأفضل أماكن شراء الهريسة، وأفضل ساندويتش باذنجان مخلل مدينة حمص السورية.
فيما قالت إحدى النساء، والتي تعيش في مونتريال الآن، إنها انطلقت في رحلةٍ شبه مستحيلة للعثور على الهريسة. بينما أعرب سوري من مدينة حمص، يعيش الآن في أوروبا، عن أسفه لأنه لم يتذوّق ساندويتشه المفضل منذ سنوات. وبعدها تصير الدردشات كئيبة، في تحوّل معتاد وسط أحاديث الحنين إلى الماضي بين السوريين المنفيين.
القرب من الوطن
صحيفة Washington Post الأمريكية لفتت إلى أن أبي سكر (38 عاماً)، من سكان ميشيغان، يقول إنه يعمل في خمس وظائف، ويتوق إلى استراحة من سيل المراسلات الإنجليزية التي يتطلبها عمله. وأراد أن يشعر بأنّه قريب من الوطن عبر المشاركة في تطبيق Clubhouse. وحين دخل غرفة للسوريين الذين لا يناقشون موضوعاً بعينه، ظل صامتاً حتى لاحظه أحدهم وألقى عليه التحية. فأجاب سكر بصوتٍ هادئ: "لدي 15 دقيقة في استراحة الغداء، وشعرت بأنني أفضل قضاءها معكم". فحيّته أصواتٌ دافئة ناطقة باللغة العربية واللهجة السورية تحديداً.
قبل أسبوعٍ واحد، اكتشف آخرون أن سكر أمضى عقداً من الزمن في العمل كمهندس صوت لقناة Spacetoon، إحدى أشهر قنوات الأطفال في الشرق الأوسط. وبالنسبة للسوريين، كان سكر الخجول شخصيةً رائعة، لأن Spacetoon أثرت في جيلٍ كامل بفضل مسلسلات الأطفال اليابانية المدبلجة إلى العربية بأغانٍ شعرية النزعة.
يشار إلى أن غالبية السوريين في الخارج قد اضطروا إلى الرحيل عن بلادهم منذ وقتٍ قريب، ويتألفون من ملايين الفارين من الحرب التي مزقت البلاد منذ عام 2011 حين اندلعت الثورة سعياً للإطاحة برئيس النظام بشار الأسد.
هنا تذكرت سلمى، التي طلبت حجب اسم عائلتها لأسبابٍ أمنية، نقاشاً دار في Clubhouse حول حصار حمص الذي دام ثلاث سنوات حين قصفت مدفعية وقذائف وصواريخ الحكومة الأجزاء التي تُسيطر عليها المعارضة في المدينة، مما أسفر عن تغيير شكل أحياءٍ كاملة إلى غير رجعة، مضيفة: "قرأت عن الحصار. وشاهدت مقاطع الفيديو، لكنّني لم أسمع رواية أحدٍ من الداخل".
روابط اجتماعية
عبر الوجود على تطبيق Clubhouse، صادقت سلمى فتاةً سورية أخرى تعيش في الخارج مثلها، ثم اكتشفتا أن جداتهما كن صديقات مقربات على أرض الوطن، وأن عمة الفتاة كانت مُدرسة اللغة العربية لوالدة سلمى. وهذه الروابط تمنح أعضاء تلك الغرف شعوراً بأنّهم قريبون من الوطن.
تجدر الإشارة إلى أن تطبيق Clubhouse لا يعمل إلا على أجهزة iPhone، تلك النوعية التي لا يمكن لمعظم السوريين تحمُّل كلفها بعدما أصبحت بلادهم تعاني من أزمة اقتصادية أخذت تسوء يوماً بعد يوم. وحتى بين الأثرياء في سوريا، لم يحظ التطبيق بكثير من الاهتمام، كما أنّ انقطاع الإنترنت يومياً لساعات طويلة يُقلّل الوصول إليه. لذا فإن السوريين في الخارج هم الأكثر استخداماً للتطبيق.
من جهته، رأى طه بالي، السوري الذي يعيش في بوسطن، أن Clubhouse يُوفّر ملاذاً بعيداً عن فيسبوك، الذي قال إنه يُعتبر بالنسبة للسوريين منصةً للمعارك والدماء الفاسدة التي لا تنتهي، لافتاً إلى أن "محادثات التطبيق الحيّة تُضفي طابعاً إنسانياً على التفاعلات. أعتقد أن الناس حين يستخدمون أصواتهم، يصير من الصعب جداً أن تكون فظاً أو تتحدث بأسلوبٍ غير لائق".
أما بالنسبة لسلمى، فإن التطبيق نافذةٌ على التجارب المتعددة للسوريين حول العالم. فالشخص الذي يعمل في الخليج يعيش حياةً مختلفة تماماً عن السجين السابق الذي يدعو لحقوق الإنسان في ألمانيا أو طالب اللجوء بكندا مثلاً. وأضافت: "يجعلونني أشعر كأنني في وطني. كما يُساعدونني على تقوية ذكرياتي؛ حتى لا أنساها مطلقاً".
إلا أن صحيفة Washington Post الأمريكية تؤكد أن تطبيق Clubhouse يسلط الضوء أيضاً على القواسم المشتركة بين السوريين في الخارج، ليمنحها مجموعةً من الأغنيات ووصفات الطعام والدردشات السورية.