قالت زوجة أسامة الحسني، وهو مواطن أسترالي من أصل سعودي محتجز في المغرب، الأربعاء 10 مارس/آذار 2021، إن محكمة في الرباط قضت بتسليمه إلى السعودية، في قضية تثير مخاوف جماعات حقوقية من أن "يواجه التعذيب بل والموت إذا أُرسل إلى المملكة".
وكالة رويترز الإخبارية نقلت عن زوجة الحسني تأكيدها قرار التسليم، مشيرة إلى أنها لم تكن تتوقع ذلك.
يأتي ذلك بعد أن ألقي القبض على الحسني في الثامن من فبراير/شباط 2021، لدى وصوله إلى المغرب الذي سافر إليه لينضم إلى زوجته وابنته.
مسؤول بوزارة العدل المغربية أشار إلى أن الاعتقال جاء بعد إصدار الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول) مذكرة بطلب من السعودية، مضيفاً أن الحسني مطلوب في أمر يندرج تحت قانون العقوبات ويشمل السرقة، وقد قضت محكمة في السعودية بسجنه عامين.
يشار إلى أن الأكاديمي أسامة الحسني، والده مغربي، ويحمل الجنسيتين السعودية والأسترالية، وكان يعمل مستشاراً لوزير العدل السعودي، وأستاذاً في جامعة الملك عبد العزيز، وإماماً وطالباً في أستراليا، وداعية في بريطانيا.
ومع انطلاق محاكمته الإثنين في الرباط، قالت زوجته هناء: "أدعو السلطات المغربية إلى الإفراج عن زوجي البريء، أخشى أن يواجه مصيراً مماثلاً لمصير (جمال) خاشقجي إذا سُلم إلى السعودية"، في إشارة إلى الصحفي الذي قتله عملاء سعوديون في قنصلية المملكة بإسطنبول عام 2018.
وقال مصدر حضر الجلسة التي انعقدت بمحكمة النقض في الرباط إن الدفاع ذكر أن الوثائق السعودية تشير إلى أن الحسني مولود لأب مغربي، مما يجعله مغربياً بموجب قانون البلاد، كما نقل المصدر عن المحامين قولهم إن القانون المغربي يمنع تسليم المغاربة إلى دول أخرى.
أستراليا تسعى لمنع ذلك
من جانبه، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأسترالية لرويترز إن "ملابسات اعتقاله واحتمال تسليمه تثير قلق أستراليا"، وإن مسؤولي القنصلية الأسترالية يعملون على مساعدته في الخروج من هذه الأزمة.
إذ قال المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية والتجارة الأسترالية إن بلاده "تقدم المساعدة القنصلية لمواطن أسترالي مُحتجز في المغرب، وفقاً لميثاق الخدمات القنصلية".
المسؤول الأسترالي أضاف، في بيان مقتضب مطلع الأسبوع الماضي: "مراعاة لالتزاماتنا المتعلقة بالخصوصية، لن نستفيض في التعليق على الأمر".
بينما لم يتطرق البيان المقتضب للمخاوف بشأن احتمالية تسليم الرجل إلى السعودية، كما لم يُؤكِّد هوية الشخص.
إلا أن وسائل إعلام أسترالية كانت قد أشارت إلى الحادث لأول مرّة في أستراليا عبر شبكة ABC، يوم الأحد 28 فبراير/شباط 2021، بعدما أكدت اعتقال المغرب للأكاديمي ورجل الأعمال السعودي الذي يحمل الجنسية الأسترالية، أسامة بن طلال المحروقي الحسني.
اعتقال الحسني
حدث ذلك عقب نشر حسابات سعودية معارضة عن واقعة قيام السلطات المغربية باعتقال "الحسني" فور وصوله إلى البلاد، في 8 فبراير/شباط 2021.
رغم أن ملابسات الاعتقال لم تتكشف بشكل جلي، فإن ذلك قد جاء رداً على مزاعم -وردت في تقرير نشره موقع إخباري مغربي أواخر الأسبوع الماضي- تتهم "الحسني" بتنظيم نشاط معارضة للسلطات السعودية، طبقاً لما أوردته صحيفة The Guardian البريطانية التي أكدت أن التفاصيل الدقيقة للاتهامات الموجهة له أو المساعدة القنصلية التي قدمتها أستراليا لم تتضح حتى الآن.
لكن الصحيفة البريطانية لفتت إلى أنه من المفهوم أن المساعدة القنصلية قد تشمل زيارة السجون لمراقبة حال السجناء، والاتصال بالسلطات المحلية بشأن تحسين أوضاعهم، وتقديم قوائم بالمحامين المحليين، إلا أنه عادة ما يؤكّد المسؤولون عدم استطاعتهم التدخل في القضايا القانونية.
يشار إلى أن "الحسني" حاصل على دكتوراه في مجال نظم المعلومات، وهو عضو هيئة تدريس سابق في جامعة الملك عبدالعزيز السعودية.
هذا ما حدث خلال الاعتقال
كانت زوجة الحسني قد أشارت، في تصريحات لجهات حقوقية، إلى أن "قوة أمنية تابعة للشرطة المغربية قامت بمداهمة مرآب السيارات الخاص بمحل إقامتنا في مدينة طنجة بعد أربع ساعات من وصولنا المغرب في 8 فبراير/شباط، وقاموا باعتقال زوجي بالقوة بعد الاعتداء عليه بالضرب والسباب أمامي وأمام طفلنا البالغ من العمر أربعة أشهر، وأخبرونا أنه مطلوب دولياً من قبل السلطات السعودية دون إخبارنا بمزيد من التفاصيل".
الزوجة نوهت بأنها لم تتمكن من رؤية زوجها إلا بعد يومين من اعتقاله، ولمدة خمس دقائق فقط، بحضور أفراد أمن، وأنها علمت خلال الزيارة أنه يُعامل بطريقة سيئة للغاية، وأنه قد ضُغط عليه بشتى الطرق من قِبل الشرطة المغربية ليوقع على أنه موافق على تسليمه دون محاكمة في المغرب، لكنه رفض.
بعد ثلاثة أيام تم نقله إلى سجن طنجة، خلال تلك الفترة تعرض لمعاملة مهينة، ولم يقدم له سوى الخبز والماء، وبتاريخ 23 فبراير/شباط نُقل إلى سجن تيفلت 2، وهناك الزيارة ممنوعة عنه نهائياً، وفق جهات حقوقية.
خطر داهم على حياته
من جهتها، طالبت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا السلطات المغربية بالامتناع عن تسليم "الحسني" إلى الرياض لما يشكله ذلك من خطر داهم على حياته وسلامته، خاصة في ظل ما وصفته بتدهور أوضاع حقوق الإنسان، وانهيار المنظومة القضائية في السعودية.
المنظمة الدولية أوضحت، في بيان سابق لها، أن "تسليم الحسني للسعودية انتهاك جسيم للقانون الدولي تتحمل المملكة المغربية المسؤولية الكاملة عنه وما ينتج عنه من ضرر وآثار"، مشددة على أنه "لا يمكن التذرع بقرار القضاء السعودي كمبرر للترحيل، فمن المعروف أنه قضاء مسيس لا يتمتع بالحد الأدنى من النزاهة أو الاستقلال، مما يجعله غير قادر على إنفاذ القانون".
كما نددت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا باستمرار التعاون الأمني بين السلطات المغربية والنظام السعودي في الوقت الذي كشفت فيه تقارير دولية رسمية تورط النظام السعودي في ارتكاب ما وصفتها بجرائم وحشية كجريمة مقتل جمال خاشقجي، مطالبة السلطات الأسترالية بـ"التحرك بشكل عاجل والقيام بواجبها، ومنع تسليم مواطنها أسامة الحسني للسعودية، وإنقاذه من المصير المظلم الذي سيلاقيه حال تمكنت السعودية من تَسَلّمِه".
الضغط على السلطات المغربية
طالبت المنظمة أيضاً الجهات الدولية ذات الصلة بالضغط على السلطات المغربية للامتناع عن تسليم "الحسني" لنظيرتها السعودية، ووقف التعاون الأمني مع النظام السعودي فيما يتعلق باتفاقيات التسليم المحلية والدولية، مشيرة إلى أن الحسني "يعاني من عدم انتظام في ضغط الدم، ويجب أن يتناول الأدوية بصورة دورية، كي لا تتدهور حالته الصحية، خاصة أنه أصيب بأزمة قلبية قبل ثلاثة أشهر تقريباً ومعرض لانتكاسة في ظل حرمانه من الأدوية في السجون المغربية بصورة متعمدة".
يذكر أن السعودية قد اُتهمت من قبل بمحاكمة نشطاء حقوق الإنسان وآخرين يعارضون نظام الحكم الملكي المطلق في البلاد.
جدير بالذكر أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن نشرت مؤخراً تقريراً استخباراتياً أمريكياً رفعت عنه السرية يشير إلى موافقة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على قتل الصحفي بصحيفة Washington Post الأمريكية، جمال خاشقجي، في عام 2018.
إذ قال التقرير الصادر عن مكتب مدير الاستخبارات الوطنية: "نقدر أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد وافق على عملية خطف/أو قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي".
كما أن الحكومة الأمريكية كشفت، 1 مارس/آذار 2021، عن سياسة جديدة حيال السعودية، إذ أعلن بايدن أن "القواعد تتغير"، لكن لم يرقَ الأمر إلى فرض عقوبات على ولي العهد السعودي.