استعادت تونس، الأربعاء 10 مارس/آذار 2021، جزءاً من الأموال "المنهوبة" في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي من سويسرا، وذلك بعد أن حوَّلت السلطات في جنيف نحو 3 ملايين دينار ونصف (1.27 مليون دولار) إلى حساب الدولة التونسية بالبنك المركزي، وذلك وفق ما أعلنت عنه الرئاسة التونسية في بيان لهذا الخصوص.
وكانت الحكومة التونسية قد دعت سابقاً، قضاء بلادها إلى التسريع في نظر ومعالجة قضايا الأموال التونسية المنهوبة والمجمدة في الخارج؛ حتى تتمكن الدولة من استرجاعها، وذلك بعد أن شهدت البلاد، مطلع 2011، ثورة أطاحت بحكم بن علي، الذي اختار اللجوء إلى المنفى بالسعودية التي توفي بها يوم 19 سبتمبر/أيلول 2019.
حتى الآن لم تعلن تونس، بشكل رسمي، قيمة الأموال التي هرَّبها بن علي ومقربون منه إلى مصارف أجنبية، فيما قدَّر فرع منظمة الشفافية الدولية في تونس هذه الأموال بنحو 23 مليار دولار، وتحدثت تقارير أخرى عن 13 مليار دولار.
مبلغ زهيد.. لكن!
جاء في بيان الرئاسة أنه "رغم أن المبلغ يعد زهيداً مقارنة بمبالغ أخرى لا تزال في الخارج، فإن استرجاعه يعد دليلاً على أن العمل بجدّ وإخلاص يمكن أن يساهم في استعادة بقية المبالغ".
كما أشار البيان، إلى أن "تحويل هذه الأموال يأتي في إطار متابعة الرئاسة لملف الأموال المنهوبة بالخارج".
ولفت إلى أن "هذه التحويلات تندرج في إطار قرار قضائي تونسي صدر في 10 سبتمبر/أيلول الماضي، فيما يتعلق بقضية بن علي وأقربائه، وتبعاً للمساعي الدبلوماسية المبذولة في هذا الشأن".
وجدد البيان "التزام الرئاسة بمواصلة المساعي الدبلوماسية واتخاذ الخطوات القانونية اللازمة لاسترجاع الأموال المنهوبة وعدم التفريط فيها".
أموال التونسيين مهددة بالضياع مرتين
منتصف يناير/كانون الثاني 2020، انقضت المدة القانونية لتجميد أموال بن علي في سويسرا، ما سيمكّن عائلته من استرجاعها، حسب القانون السويسري، دون أن تكمل السلطات التونسية الإجراءات القانونية لاستعادتها.
فيما ذكرت صحيفة "لوتان" السويسرية حينها، أن جزءاً من الأموال بقيمة 60 مليون فرنك (نحو 660 مليون دولار) تم تجميده بأمر قضائي وسيظل آمناً مهما حدث، وقد استعادت منها الدولة التونسية حتى الآن 4.27 مليون.
على الرغم من أن السلطات التونسية كانت قد أنشأت في فبراير/شباط 2011، لجنة خاصة لاسترجاع الأموال المنهوبة؛ لوضع تخطيط وقيادة وتعاون استراتيجي على المستويين المحلي والدولي، إلا أنّ عقداً من الزمان انتهى دون أن تعود تلك الأموال إلى بلد يعاني اقتصاده بشدة.
في تصريح سابق لوكالة الأناضول، قال رئيس منظمة رقابة (مستقلة) عماد الدايمي، إن "الأموال المنهوبة حق للشعب التونسي الذي نُهب مرتين، الأولى قبل الثورة والثانية بعدها"، مضيفاً: "في المرة الأولى عندما تم نهبه من قِبل بن علي وعائلته، خاصة في سنوات التسعينيات والألفينات وحُرم التونسيون من الاستفادة منها، والمرة الثانية عندما عجزت الدولة عن استرجاع تلك الأموال (إلى حد الآن)".
ما أسباب عدم استرداد الأموال المنهوبة؟
يرى مهاب القروي عضو الهيئة التنفيذية لمنظمة "أنا يقظ" التونسية، أن هناك أسباباً عديدة وراء الفشل في استرداد الأموال المنهوبة، معتبراً في حوار له مع الأناضول، أنه "لا توجد إرادة سياسية حقيقية لاسترجاع هذه الأموال، فمعظم من حكموا بعد الثورة كانت لهم مصالح مباشرة وغير مباشرة مع عائلة بن علي".
وأضاف القروي أن "الصعوبات الكبيرة التي واجهتها تونس في استرداد الأموال المنهوبة والمجمدة في أرصدة بنكية بعدد من الدول، كانت بسبب تعقيدات قانونية وتقنية وعدم إبداء الدول التي تحتضن مصارفها الأرصدة المصادَرة تعاوناً في هذا الشأن"، مشيراً إلى أن عدم التعاون "أثر على الإجراءات المتبعة".
السبب الآخر الذي أشار إليه القروي، يتعلق بأن الدول الأوروبية ترفض إعادة الأموال المنهوبة إلى تونس إلا بعد صدور أحكام قضائية نهائية بشأن تلك الأموال، ومع استمرار هروب المتهمين خارج البلاد وتجنب مواجهة القضاء التونسي تصبح مسألة الأحكام القضائية النهائية أمراً لم يتحقق رغم مرور عشر سنوات.
ولخص الدايمي لـ"الأناضول" الموقف بقوله إن "الأصعب من كل هذا أن الدولة لم تستطع إلى حد الآن، تقدير الرقم الصحيح لهذه الأموال المنهوبة، فإلى الآن لا نعرف الرقم الحقيقي لما نهبه بن علي وعائلته طيلة سنوات حكمهم".
واعتبر أن بلاده "في وضع لا تحسد عليه، فعملية استرجاع الأموال باتت صعبة بعد هذا التأخير الكبير"، مشيراً في الوقت ذاته إلى "ضرورة ضغط الدولة عبر دبلوماسيتها في الخارج، على الدول التي توجد فيها الأموال؛ حتى تتمكن من استرجاعها ولا تضيع إلى الأبد".