قالت قناة "كان" الإسرائيلية الأربعاء 10 مارس/آذار 2021، إن السلطة الفلسطينية استخدمت حق الفيتو لمنع انضمام الإمارات إلى منتدى غاز شرق المتوسط بصفة "مراقب"، وذلك بعد أن كانت تل أبيب قد سعت خلال الأشهر الماضية لإشراك أبوظبي في المنتدى، الذي يتخذ من القاهرة مقراً له، فما القصة؟
في البداية، من أين بدأت محاولات الإمارات للانضمام لمنتدى غاز شرق المتوسط؟
في 16 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلنت مصر عن رغبة الإمارات بالانضمام إلى منتدى غاز شرق المتوسط بصفة مراقب، وذلك بعد إعلان إسرائيل نيتها لضم أبوظبي للمنتدى الذي يتكون في الأساس من: مصر وإسرائيل واليونان وقبرص اليونانية وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية، وذلك على الرغم من بعد الإمارات الجغرافي بالأساس عن منطقة شرق المتوسط.
وكان وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز، قد كشف في 23 سبتمبر/أيلول 2020 عن أن تل أبيب اقترحت انضمام الإمارات إلى منتدى غاز شرق المتوسط، وأشار شتاينتز حينها إلى أن الدول المشاركة في المنتدى تدرس الأمر.
وكان شتاينتز التقى في ذلك الحين، نظيره الإماراتي سهيل بن محمد المزروعي، عبر تقنية الاتصال المرئي، وبحث معه التعاون بين الجانبين في نقل الغاز إلى أوروبا، إذ كشف شتاينتز أنه تحدث مع وزير الطاقة الإماراتي بخصوص التعاون في ربط شبكات الكهرباء وتطوير سوق الغاز الطبيعي للصادرات عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا ومشاريع أخرى.
وكان الإعلان عن انضمام الإمارات للمنتدى في ديسمبر الماضي، قد جاء عقب زيارة قام بها ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، التقى خلالها بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وقالت الرئاسة المصرية حينها في بيان إن "الجانبين عبرا عن أهمية القيمة المضافة التي ستسهم بها دولة الإمارات في نشاط المنتدى لخدمة المصالح الاستراتيجية وتعزيز التعاون والشراكة بين دول المنتدى".
لماذا تسعى الإمارات للانضمام لمنتدى شرق المتوسط؟
يعتبر عداء الإمارات لتركيا أحد أبرز الأسباب لمحاولة أبوظبي الانضمام لهذا المنتدى الذي يهمش تركيا وحقوقها في التنقيب عن الغاز بشرق البحر المتوسط.
وهناك حالة مستمرة من العداء بين أبوظبي وأنقرة، حيث تدعم الإمارات خصوم تركيا في المنطقة، وتتحالف مع كل من قبرص الرومية واليونان اللتين لديهما خلافات كبيرة مع تركيا حول الحدود المائية في شرق المتوسط وحقوق التنقيب عن الغاز هناك.
وخلال العام الماضي تصاعد الصراع بين تركيا من جهة، واليونان وقبرص الرومية من جهة أخرى، اللتين تعتبران عضوين في هذا المنتدى، وتحظيان بدعم سياسي وعسكري فرنسي.
وتسعى الدول الأعضاء في منتدى غاز شرق المتوسط إلى تحركات منفردة بعيداً عن أنقرة، التي لطالما طالبت بضرورة تحقيق التقاسم العادل للموارد الطبيعية بمنطقة شرق المتوسط، في ظل تعنت كل من مصر واليونان وقبرص اليونانية وتصاعد الخلافات بين الطرفين.
وفي يناير/كانون الثاني 2019، أطلق من القاهرة "منتدى غاز شرق المتوسط" (EMGF)، والذي يضم في عضويته مصر وإسرائيل واليونان وقبرص اليونانية وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية، ليتم تحويله في سبتمبر/أيلول الماضي رسمياً إلى "منظمة إقليمية حكومية" في اتفاق غابت عنه السلطة الفلسطينية، وتمت المطالبة بضم فرنسا كـ"عضو كامل العضوية"، وأمريكا والإمارات كـ"عضوين مراقبين".
وتدعم فرنسا اليونان بشكل كبير في صراعها مع تركيا حول شرق المتوسط، وذلك في ظل تصاعد الخلافات بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث يسعى الأخير لتوثيق التقارب مع جميع خصوم أنقرة كمصر والإمارات وإسرائيل في المنطقة، في محاولة لتقييد تحركات أنقرة وتقليم نفوذها الذي يمتد من سوريا وحتى قبرص إلى ليبيا.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، شاركت الإمارات لأول مرة، إلى جانب فرنسا، بمناورات "ميدوزا-10" البحرية مع كل من قبرص واليونان ومصر، في شرق المتوسط، حيث تحدث موقع Al Monitor الأمريكي حينها عن أن الوجود الإماراتي في شرق المتوسط أتى بعد أسبوعين من عقد أبوظبي اتفاقية شراكة استراتيجية مع اليونان في 18 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والتي وصفتها أثينا بـ"الإنجاز الكبير".
والآن، لماذا رفض الفلسطينيّون انضمام الإمارات لهذا المنتدى؟
لا يخفى على أحد حالة العداء المتصاعدة بين السلطة الفلسطينية وأبوظبي، إذ تستضيف الأخيرة القيادي الفلسطيني المفصول من حركة فتح محمد دحلان، والذي يعتبر أكبر عدو لرئيس السلطة محمود عباس. ويعتبر دحلان مستشاراً خاصاً لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، ويتهم بالنشاط في ملفات والتورط بأزمات كثيرة في الشرق الأوسط وغيرها من المناطق، بما يتسق مع أجندة أبوظبي الخاصة.
وتصاعدت الخلافات بين أبوظبي والسلطة الفلسطينية بعدما وقعت الإمارات اتفاق التطبيع مع إسرائيل في سبتمبر/أيلول الماضي، الأمر الذي وصفته السلطة بـ"الخيانة" وقامت على إثر ذلك بسحب سفيرها من أبوظبي، كما رفضت أيضاً تلقي مساعدات إماراتية عبر إسرائيل في إطار مكافحة فيروس كورونا.
ومما زاد حالة العداء بين أبوظبي والسلطة الفلسطينية مؤخراً أيضاً، التقارير التي تحدثت عن مساعٍ تبذلها الإمارات لتشكيل تكتل سياسي يستقطب رموزاً فلسطينية بارزة لتكون حاضرة في الانتخابات الفلسطينية التشريعية القادمة، إذ كشفت مصادر خاصة لـ"عربي بوست" في 4 مارس/آذار الجاري، أن أبوظبي تدعم تشكيل قائمة انتخابية تحت اسم "القدس أولاً" وتعمل على تسويقها، بدعم وتنسيق كاملين مع محمد دحلان، حيث تستقطب هذه الكتلة بعض المعارضين من حركة فتح وغير الراضين عن سياسة السلطة الفلسطينية والرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وأضافت المصادر أنّ هذه التحركات تهدف إلى "تشكيل تكتل سياسي وواجهة سياسية تتبع أبوظبي؛ لتشكل بوابة حقيقية للتسلل إلى الواقع السياسي الفلسطيني عبر تمثيل رسمي"، خاصةً أن الإمارات ليس لديها تكتل أو واجهة سياسية حقيقية في الوسط السياسي الفلسطيني عبر التشكيلات الرسمية بالسلطة الفلسطينية كالمجلس التشريعي.
وتهدف تلك المساعي إلى "تشكيل وسيط سياسي يمثل توجهات أبوظبي بالأراضي الفلسطينية"، وذلك في ظل الجهود التي تقوم بها أبوظبي عبر دحلان، والتي تتمثل في دعم مؤسسات المجتمع المدني ومحاولة استقطاب شخصيات ورموز سياسية فلسطينية عبر "المال السياسي"، لكنّ تلك الجهود، بحسب تلك المصادر، لم تكن مركزة ومنظمة وتفرز تمثيلاً سياسياً منظماً يمثل التوجهات الإماراتية بدعم من دحلان.
السلطة الفلسطينية وجدت فرصتها لـ"الانتقام أخيراً" من أبوظبي
لذلك، وجدت السلطة الفلسطينية- مستغلة عضويتها في منتدى شرق المتوسط- فرصتها للانتقام من أبوظبي، إذ بحسب تقرير قناة "كان" الإسرائيلية فإن مندوبها الذي حضر اجتماع التصويت على ضم أعضاء مراقبين للمنتدى في القاهرة يوم الثلاثاء 9 مارس/آذار، قد استخدم حق النقض ضد انضمام الإمارات للمنتدى.
وبحسب التقرير، ناقش وزراء الطاقة في إسرائيل ومصر والأردن وإيطاليا واليونان وقبرص والسلطة الفلسطينية، في اجتماع المنتدى انضمام فرنسا (كعضو كامل العضوية) والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة. (كمراقب).
وفي حين تم قبول طلبات الولايات المتحدة وفرنسا، إلا أن طلب دولة الإمارات العربية المتحدة قد رُفض بعد أن صوت المندوب الفلسطيني ضده. وبما أن كل قرار في المنظمة يتخذ بالإجماع فقط، فقد نجح الفلسطينيون بمنع الإمارات من الانضمام. وتقول مصادر معنية بالتفاصيل إن الوزراء الأوروبيين الذين حضروا الاجتماع فوجئوا بمعارضة المندوب الفلسطيني، وسألوه عما إذا كان راغباً في العودة عن قراره، لكنه أكد قراره بالمعارضة، وبالتالي رُفض طلب الإمارات بالانضمام.