كيف ستتعامل السعودية والإمارات مع احتمال وقف تصدير أمريكا السلاح لهما أو على الأقل فرض بعض القيود، وهو خيار بات محتملاً في ظل المراجعات التي تجريها واشنطن للصفقات العسكرية مع الدولتين، فهل تستطيعان إيجاد بدائل للسلاح الأمريكي؟
وعلى الأرجح سوف تسعى السعودية والإمارات للعثور على بدائل من موردي الأسلحة إذا مضت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قدماً في قرار إلغاء شحنات الأسلحة المرسلة إلى دول الخليج، ولكن المسألة ليست سهلة، فالبدائل إما غير قادرين على توفير كل شيء أو يمثلون إشكالية سياسية، قد تعقد علاقات الدولتين مع واشنطن.
تجميد للصفقات
في أول خطاب رئيسي لبايدن حول السياسة الخارجية، بتاريخ 4 فبراير/شباط من العام الحالي، أعلن نهاية الدعم الأمريكي العسكري للتدخل السعودي الإماراتي في اليمن، فيما قال إن واشنطن قد توقف مبيعات الأسلحة التي يمكن أن تستخدم في إجراء عملياتهما في اليمن.
كما أعلنت إدارة بايدن مراجعة صفقات الأسلحة التي أبرمها الرئيس السابق دونالد ترامب مع السعودية والإمارات.
وذكرت العديد من وسائل الإعلام الأمريكية أن إدارة بايدن قد جمدت مؤقتاً مبيعات الأسلحة بمليارات الدولارات إلى السعودية والإمارات، غير أنها لم تحدد أي الأنظمة سوف يجري حظرها.
كما أعلن بايدن تعيين مبعوث جديد إلى اليمن، وهو الدبلوماسي المخضرم تيموثي ليندركينغ، الذي سوف يساعد العملية الدبلوماسية ذات القيادة الأممية لإنهاء الحرب بين الحوثيين وبين الرئيس المعترف به دولياً عبد ربه منصور هادي.
ورفعت الإدارة الأمريكية الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية.
برغم التكلفة الاقتصادية المحتملة التي ستتكبدها الشركات الأمريكية، فإن حقوق الإنسان وإنهاء استخدام منصات الأسلحة المنتجة في الولايات المتحدة سوف تبقى دوافع رئيسية في حسابات واشنطن على صعيد صفقات الأسلحة الحالية والمستقبلية بينها وبين دول الخليج، حسبما ورد في تقرير نشرته مجلة The National Interest الأمريكية نقلاً عن موقع Stratfor Worldview للدراسات الاستراتيجية.
لماذا كل هذا الغضب الأمريكي تجاه الرياض وأبوظبي وهل يؤدي لوقف صفقات السلاح؟
كانت الانتهاكات الحقوقية العديدة لدى السعودية والإمارات، فضلاً عن سلوك الدولتين في حروب الوكالة التي تدور في الساحات الإقليمية، مثل اليمن وليبيا، سبباً في تكثيف دعم الحزبين داخل الكونغرس لمراجعة علاقات واشنطن مع الرياض وأبوظبي.
وسوف تواصل هذه الديناميكيات إعاقة صفقات التسليح المستقبلية بين الولايات المتحدة وبين حلفائها من دول الخليج. ومع ذلك يرجح أن يكون البيت الأبيض يوازن سياسته الناشئة مع الصفقات الحالية التي تساوي مليارات الدولارات وتأثير خسارة هذه الصفقات على وظائف الدفاع الأمريكية.
علاوة على ذلك لا تريد الإدارة الجديدة أن تلمح إلى أنها تقلص دعمها للسعودية والإمارات، اللتين تعدان حليفتين للولايات المتحدة منذ أمد طويل، ولا سيما في وجه المضايقات الإيرانية في المنطقة.
هل تستطيع السعودية والإمارات إيجاد بدائل للسلاح الأمريكي في الغرب؟
يمكن أن تكون المملكة المتحدة وفرنسا بديلتين على صعيد توريد الأسلحة إذا فقدت السعودية والإمارات قدرتهما على الحصول على أنظمة التسليح الأمريكية.
ولطالما حافظت باريس ولندن على العلاقات مع الرياض وأبوظبي على صعيد الدفاع والتسليح.
كذلك لم تلمح الدولتان بعد إلى اعتزامهما المضي قدماً إلى الحد الذي وصلت إليه الولايات المتحدة، من ناحية حظر بيع الأسلحة إلى دول الخليج بسبب سلوكها في اليمن.
إيطاليا تنضم لحظر السلاح المفروض على الدولتين
ولكن دول أوروبية أخرى قررت حظر تصدير الأسلحة للسعودية والإمارات.
فلقد قررت إيطاليا مؤخراً منع تصدير الأسلحة إلى السعودية والإمارات في أعقاب قرارات مماثلة اتخذتها دول أوروبية أخرى، مثل ألمانيا وهولندا والنرويج. في محاولة لمنع استخدام الأسلحة في انتهاك حقوق الإنسان في اليمن الذي مزقته الحرب.
وقال ياسين التميمي، الكاتب والمحلل السياسي اليمني، لوكالة أنباء "شينخوا" الصينية إن "القرارات التي اتخذتها بعض الدول الأوروبية بالإبقاء على مبيعات الأسلحة للسعودية لن تترك آثاراً ملموسة على الصراع اليمني الجاري".
وقال إن "التحالف الذي يمثل السعودية والإمارات لم يعد هو الطرف الرئيسي في معارك اليمن حيث توقف التحالف عن المشاركة بنشاط أو بشكل كبير في الحرب".
وقال التميمي إن "المعارك الجارية في اليمن تجري بين عدة أطراف داخلية بالتساوي باستخدام أسلحة أغلبها روسية"، مضيفاً أن "دور التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات لن يتأثر إلى حد كبير بقرارات وقف التدفق. من الأسلحة لدولتي التحالف".
الصين وروسيا لديهما البدائل، ولكن الأمر قد يعقد العلاقة مع واشنطن
ويمكن أن تعتمد أبوظبي والرياض على العلاقات الدفاعية الناشئة مع الصين وروسيا، مع أن المضي قدماً في ذلك الطريق قد يفسد العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، التي سوف تظل مورد الأسلحة الأكبر لكلتا الدولتين الخليجيتين.
وفي معرض الضغوط التي مارسها يوسف العتيبة، سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة، لإتمام صفقة طائرات إف 35، ألمح إلى إمكانية ذهاب بلاده إلى دول أخرى كمصدر للتسليح.
إذ قال: "نفضل الحصول على أفضل المعدات الأمريكية أو سنجدها على مضض من مصادر أخرى حتى لو كانت أقل قدرة".
كما جرى تداول حديث عن تفاوض سعودي مع روسيا من أجل الحصول على أنظمة صواريخ إس 400 مع نشر التقرير الاستخباراتي الأمريكي الذي يتهم الأمير محمد بن سلمان بأنه مسؤول عن اغتيال خاشقجي.
أبرز بدائل السلاح الأمريكي لدى موسكو وبكين
مقاتلات سوخوي 57 الشبحية
سبق أن قالت روسيا إنها تقدم فرصاً لإنتاج مكونات معينة لطائرة Su-57 كجزء من المبيعات المحتملة للطائرات المقاتلة المتقدمة إلى الإمارات العربية المتحدة ، وكذلك الهند وتركيا.
وسبق أن ألمح السفير الإماراتي في واشنطن إلى أنه في حال رفض الولايات المتحدة تزويد بلاده بطائرات إف 35 فلقد تبحث عن بديل لدى روسيا، وهذا البديل قد يكون Su-57.
وكان هناك حديث سابق عن أن روسيا لديها خطط لتطوير الجيل الخامس من الطائرات المقاتلة الخفيفة بالتعاون مع الإمارات، وفقاً لسيرجي تشيميزوف، الرئيس التنفيذي لروستيك، أكبر مجمع صناعي عسكري في روسيا، وقال تشيمزوف إنه تم توقيع اتفاقية وإن العمل يمكن أن يبدأ قريباً. يقال إن المشروع يعتمد على نسخة متقدمة من MiG-29.
المنظومة الدفاعية S-400
بحثت المملكة السعودية بشكلٍ متكرِّر في احتمال شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي S-400 تريومف.
ووردت أخبار في عام 2009 ومرة أخرى في 2017، عن توصُّل السعودية إلى صفقةٍ مع موسكو لشراء عدة دفعات من منظومة إس-400، لكن لم يتم الانتهاء منها حتى عام 2019.
المنظومة الدفاعية الروسية – S-400 تريومف/ رويترز
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في صيف 2019: "نحن على استعدادٍ لمساعدة المملكة السعودية في حماية شعبها". وأضاف: "إنهم بحاجةٍ إلى اتِّخاذ قراراتٍ ذكية، كما فعلت إيران بشراء إس-300 مِنَّا، وكما فعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حين قرَّرَ شراء نظام الدفاع الجوي الأكثر تقدُّماً S-400".
ويبدو أن القيد الوحيد على صفقة استيراد نظام S-400 التي يتم توقيعها، هو مخاوف السعودية من انتقامٍ أمريكي وشيك في شكل عقوباتٍ.
طائرات سوخوي سو-35
عَرَضَ الكرملين تحديث القوات الجوية السعودية بالطائرة سو-35، وهي واحدةٌ من أفضل منصات التفوُّق الجوي في روسيا ومن بين أنجح المقاتلات التي تصدِّرها.
وأُفيد في 2017 بأن موسكو والرياض كانتا في مراحل متقدِّمة من المفاوضات بشأن عقد استيراد يشمل ما بين 12 و18 من طرازات سو-35.
طائرات سوخوي سو-35 / رويترز
لكن من غير المعروف إلى أين سارت هذه المفاوضات منذ ذلك الحين، رغم أنه- كما هو الحال مع منظومة S-400 من المُحتمَل أن تواجه خطط شراء المقاتلات معارضةً شديدةً من واشنطن.
ولكن الحديث عن احتمال شراء الإمارات لطائرات سوخوي 35 كان أكثر تواتراً من السعودية، وجرت مناقشته مراراً بين الجانبين، حيث أشارت تقارير إلى أن أبوظبي ناقشت مع شركة Rostec توريد مقاتلات Sukhoi Su-35.
صاروخ 9M133 كورنت
يُعَدُّ صاروخ 9 إم 133 كورنت الموُجَّه المضاد للدبابات أحد أشهر صادرات المعدات العسكرية الروسية إلى الشرق الأوسط، وقد رُخِّصَ من قِبَلِ الشركة السعودية للصناعات العسكرية بموجب نفس اتفاقية نقل التكنولوجيا لعام 2017 التي شهدت اعتماد توس-1 إيه. وقامت الشركة بشراء نسخة من كورنت إي إم المتقدِّمة، التي تتميَّز بضماناتٍ ضد تقنية التشويش، إضافة إلى تحسينات التتبُّع.
وسبق أن وقعت الشركة السعودية للصناعات العسكرية مذكرة تفاهم مع الشركة الروسية الحكومية لتصدير المنتجات العسكرية ROSOBORONEXPORT لتصنيع معدات عسكرية في المملكة.
وشملت الاتفاقية نقل التكنولوجيا للإنتاج المحلي لنظام الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات Kornet-EM ATGM، وقاذفة الصواريخ TOS-1A المتطورة، وقاذفات القنابل اليدوية الأوتوماتيكية AGS-30 بالقنابل اليدوية.
الطائرات بدون طيار الصينية
معظم الطائرات المقاتلة وأنظمة الدفاع الجوي الصينية تقليد للروسية، (باستثناء الطائرات الشبحية)، مما يجعل من الأفضل شراءها من موسكو.
ولكن الأمر مختلف بالنسبة للطائرات بدون طيار التي يعد الصينيون لاعباً مهماً في مجال تصنيعها يتفوق على الروس (ويقلدون الأمريكيون)، وبالفعل تشغل الإمارات طائرات بدون طيار صينية الصنع في ليبيا، وكانت تمثل مشكلة لقوات حكومة الوفاق، قبل أن تتدخل تركيا بتعزيز أسطول طائراتها بدون طيار هناك.
وفي ظل صعود أهمية الطائرات بدون طيار خاصة في صراعات المنطقة الخفيفة، والاستثمار الإيراني والتركي في هذا المجال، مقابل غياب أوروبي عن هذه الصناعة، وتحفظ أمريكي على تصدير مثل هذه الطائرات، فإن الإمارات والسعودية، وأيضاً ليس أمامها سوى الصين وإسرائيل للحصول على طائرات بدون طيار فعالة، حتى لو كان هناك شكاوى من بعض مستخدمي الطائرات الصينية المسيرة.
هل تتخذ الإمارات والسعودية هذا القرار الصعب؟
كان هناك حديث خلال السنوات الماضية عن صفقات أسلحة بين السعودية والإمارات وروسيا، بما في ذلك حديث عن مشروعات مشتركة للتطوير والإنتاج ولكن الملاحظ أنه لم يدخل أغلبها طور التنفيذ، رغم تحسن علاقات الدولتين بروسيا، خاصة الإمارات، ومع تقارب المواقف بينهما خاصة في العداء للديمقراطية والربيع العربي.
ولكن مع تصاعد حدة المواقف الأمريكية فيما يتعلق باستيراد الأسلحة من روسيا، والذي ظهر في إخراج أنقرة من برنامج الطائرة الإف 35، وفرض عقوبات على رئاسة مشتريات الدفاع التركية رداً على شراء تركيا لصواريخ إس 400، فإن ذلك يجعل من التوجه لموسكو مغامرة، قد تعقد العلاقات الخليجية الأمريكية.
وحتى مع الصين التي لا يوجد عقوبات أمريكية مماثلة على شراء أسلحة منها، فإن الأمر لا يخلو من تعقيد بالنظر إلى أنه فعلياً أصبحت القيادة الأمريكية سواء في عهد ترامب أو بايدن ترى في بكين الخصم الرئيسي لواشنطن وليس موسكو، وقد تتسامح مع صفقات سعودية أو إماراتية تكتيكية مع بكين ولكن صفقة استراتيجية قد تثير غضبها.
وفي الوقت ذاته، فرغم أن إدارة بايدن لا يبدو أنها قد تفرض حظر شامل على تصدير السلاح للسعودية، ولكن على الأقل قد تفرض حظراً جزئياً مرتبطاً بمشاركتها في حرب اليمن، ويصعب الفصل بين الأسلحة التي تشارك في الحرب والتي لا تشارك، وهو يمثل ضغطاً إضافياً على الجانب السعودي في وقت يطلق فيه الحوثيون صواريخهم على منشآت المملكة الحساسة.