لعل من الضروري الاستهلال بمناسبة يوم المرأة الدولي بما أشارت إليه الأمم المتحدة بأن هذه المناسبة تأتي للتفكر في التقدم المحرز وللدعوة إلى التغيير والاحتفال بأعمال عوام النساء وشجاعتهن وثباتهن في أداء أدوار استثنائية في تاريخ بلدانهن ومجتمعاتهن، وأكدت أن النساء يقفن في الخطوط الأمامية لجبهة التصدي لجائحة كوفيد وتحولاتها المستجدة، بوصفهن عاملات في مجال الرعاية الصحية وراعيات ومبتكرات وناشطات مجتمع ونماذج رائعة للقيادات الوطنية الفاعلة في جهود التصدي للجائحة. من جانب آخر فقد أوضحت الدراسات والأبحاث أن المرأة العربية قد سطرت عبر التاريخ نموذجاً مشرقاً ومجداً من نور في جميع المجالات، حيث كانت عالمة، مرشدة، قاضية، شاعرة، أديبة، فقيهة، وراوية ومربية ماهرة، وصانعة أجيال حققت حضارة مشرقة في العديد من المراحل والعصور، وما زالت.
تعتبر قضايا المرأة العربية مجالاً خصباً للدراسات والأبحاث العلمية في المؤسسات العلمية ومراكز الدراسات والأبحاث، وقد شهدت ساحة البحوث العلمية في المجتمع العربي تطوراً كمياً في حجم البحوث المتناولة لقضاياها، كما شهدت التركيز على تطوير قدرات المرأة العربية والارتقاء بها، والعمل على دراسة التحديات التي تواجه طريقها ووضع المقترحات والحلول وتقديمها للجهات المعنية، ولا نغفل هنا التأكيد أن كفاءة تلك البحوث والدراسات تكمن في قدرتها للوصول إلى الجهات المعنية لاتخاذ القرارات المناسبة والاستفادة منها، سواء من خلال بناء الاستراتيجيات والسياسات أو من خلال المعالجات التطبيقية والعمل التنفيذي المباشر، وعبر القرارات والاستراتيجيات والتشريعات والبرامج المرتكزة على قواعد وأساسيات البحث العلمي الرصين تتحقق الأهداف المنشودة ويتعمق دور المرأة العربية في المشاركة الحقيقية بأدوارها الفاعلة.
إن قضايا المرأة العربية في البحث العلمي بيومهم الدولي تواجه تحدياً مهماً، ولا سيما في وقتنا الحاضر من مجمل التحديات الكبرى التي تعصف بمجتمعاتنا، حيث نجد أن قدراً ليس بسيطاً من تلك البحوث التي تتناول قضايا المرأة هي بحوث نظرية مثالية تعالج المستوى النظري أكثر مما تقدم حلولاً عملية وخططاً محددة واضحة يسهل تنفيذها، ويرجع ذلك غالباً إلى محدودية أهداف هذه البحوث وضعف التمويل لها، وعدم توفر جهات حاضنة تساعد في رعايتها وتكون نافذة لتطوير السياسات والبرامج وخطط التنمية المختلفة المتعلقة بقضايا المرأة، كما أن المرأة العربية في الألفية الثالثة تواجه العديد من التحديات العالمية المتمثلة في ظاهرة العولمة وثورة الاتصالات والمعلومات التي تتطلب درجة عالية من القدرة على إدارة المعرفة والأخذ بأساليب البحث والتفكير العلمي والابتكار للوصول إلى أفضل القرارات التي تعظم الاستفادة وتقلل من آثارها السلبية، كما لا يخفى تحديات عظيمة تعايشها المرأة العربية في بيئتها تتمثل في مشكلات البطالة والتنمية، والحروب والنزاعات والأزمات وقضايا المشاركة السياسية والمجتمعية.
لا بد من التأكيد في يوم المرأة الدولي أن تعميق الاهتمام حول قضايا المرأة العربية في البحث العلمي يعتبر مقياساً حقيقياً ومركزياً لقياس تطور المجتمع من عدمه، فحدود تقدم مجتمعاتنا العربية والإسلامية مرهون بتقدم المرأة فيه، فلا يمكن تصور تقدم مجتمعاتنا بخطى والمجتمع تارك وراءه نصفه الثاني في حالة تخلف وضياع وتهميش، وقد أثبتت التجارب الواقعية ما قدمته المرأة العربية من تضحيات عظيمة، وإنجازات كبيرة في العديد من الميادين برغم كل العقبات والتحديات وضعف الإمكانيات، وكم تحملت وصبرت وكافحت من أجل أن تشارك في صناعة حضارة مجتمعية مشرقة وتصنع جيلاً واعياً يعزز ويقدر ويحترم المرأة ودورها العظيم في كل مرحلة من مراحل البناء والنهوض، فيما أشارت الدراسات والأبحاث المتخصصة والمقاييس المعتبرة عالمياً إلى أن البناء الحضاري لأي مجتمع مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتطور ثقافة ووعي أفراده، وتطور وعي وثقافة المرأة مرتبط بذلك، كما لا يمكن أن يتم هذا البناء بشكل سليم دون أن تساهم فيه المرأة مساهمة فعالة، كما لا يؤتي البحث العلمي ثماره في خدمة قضية ما دون أن يواليها بتكثيف البحث وموالاة المتابعة والتقصي، وهذا يستلزم إنتاجاً كمياً بحثياً كبيراً ومستمراً ليشكل تراكماً معرفياً يعتد به في المجال المعني.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.