مع مرور كل يوم جديد تصبح النفايات الإلكترونية هي المصدر الأكبر للمخلّفات الأسرع تراكماً على مستوى العالم. النمو المذهل لتلك النفايات بلغ أكثر من ضعفه خلال العقد الأخير وحده.
أما عن سرعة هذا التراكم في العصر الحالي فهي مفهومة خاصة لدى الأشخاص الذين يتخلصون من حواسيبهم المحمولة وهواتفهم الذكية للحصول على النسخة الجديدة التي اجتاحت الأسواق من تلك الأجهزة.
وبسبب ذلك النمط من النهم الشرائي لأحدث الأجهزة، وعامل انتهاء عمر الأجهزة الإلكترونية بشكل طبيعي ما يجعلنا نتخلص منها دورياً، فإنه من المتوقع خلال العام الجاري أن يبلغ الإجمالي السنوي لنفايات العالم الإلكترونية 57 مليون طن من المخلفات، فيما ستبلغ كميتها أكثر من 74 مليون طن بحلول 2030.
يقع جزء كبير من المسؤولية على الشركات المصنعة أيضاً، ففي تقرير لمجلة تايم الأمريكية، عرضت منشأة ERI للتدوير عشرات من أجهزة التلفزيون من السبعينيات والثمانينيات التي توقفت عن العمل مؤخراً فقط؛ هذا النمط من إطالة أعمار الأجهزة تتجنبه شركات التكنولوجيا تماماً اليوم لزيادة المبيعات، حيث أصبح من غير الممكن استبدال معظم بطاريات الهواتف الذكية عندما تتوقف عن العمل، كما لا تقبل أجهزة الكمبيوتر المحمولة الجديدة الكابلات القديمة، وتدفع الشركات مستخدميها إلى تحميل البرمجيات الجديدة للأجهزة لكي يتمكنوا من استخدامها، لكنها في نهاية المطاف لن تعمل على الأجهزة القديمة بشكل تدريجي للدفع بالحصول على النسخ الأخيرة من المُنتج. وبسبب ذلك بلغ نصيب الفرد الواحد في صنع هذا النوع من المخلفات في عام 2019 نحو 7.3 كغم لكل رجل وامرأة وطفل على وجه الأرض، وفقاً لجامعة الأمم المتحدة وهي مؤسسة فكرية عالمية مختصة في تلك المسألة فقط.
"خدعة" إعادة التدوير
توجهت الشركات بالفعل في الآونة الأخيرة ومع ارتفاع المطالبات بحماية البيئة وتقليل التلوُّث إلى إعادة تدوير أجهزتها القديمة ضمن عجلة تصنيعها للأجهزة الجديدة.
لكن الأمر لا يكون بهذه البساطة؛ فوفق ما كشفه تحقيق لإذاعة NPR الأمريكية، لا تكون شركات الأجهزة الإلكترونية صادقة عادةً بشأن ما تفعله بالأجهزة القديمة التي تجمعها من المستخدمين، حيث تقوم في كثير من الأحيان بشحن هذه المواد في شكل مخلفات وتصدّرها لمكبات النفايات السامة في أراضي وشواطئ البلدان النامية.
وكما يخبرنا جيم باكيت، المدير التنفيذي لمنظمة Basel Action التي أطلقتها الأمم المتحدة 1989 لتنظيم تصدير المواد الخطرة وحماية البيئة: عندما تأخذ نفاياتك الإلكترونية إلى جهات إعادة التدوير في شركات التصنيع، يصبح نحو 80% من تلك المواد على متن سفن حاويات المخلفات المتجهة إلى دول مثل الصين ونيجيريا والهند وفيتنام وباكستان.
وفي حين أن القائمين على إعادة التدوير يكسبون المال بالفعل من بيع الخردة المعدنية الناجمة عن ذلك النوع من الأجهزة، مثل معادن النحاس المُسال والذَّهب، إلا أنه من الأرخص أن تتم تلك العملية الشاقة من تفكيك وإذابة القطع الصالحة لإعادة التدوير خارج البلاد المُصنّعة، وذلك لكي يتم تجنب البقايا المتراكمة من مواد الخردة غير المجدية والمواد الخطرة الأخرى.
مواد سامة تهدد البيئة والإنسان
وتحتوي الإلكترونيات على مجموعة من المواد شديدة الخطورة، وقد صنّف الباحثون بدقة الأضرار التي يمكن أن تسببها عند تفكيكها بشكل غير مختص.
فشاشات الـ LCD مثلاً تحتوي على الزئبق، وعند تحطيمها يمكن أن تسبِّب تسرُّبات من السموم التي يمكن أن تتلف أعضاء الجسم والجهاز العصبي للإنسان عند التعرُّض لها بدون وقاية. كذلك تحتوي تلك الشاشات على الرصاص الذي يمكن أن يسمم الكائنات الحية الدقيقة في النظام البيئي.
أما عن مادة الكادميوم الذي يستخدم في بطاريات الكمبيوتر ولوحات الدوائر الإلكترونية في الهواتف، فهي تسبب تشوّهات هيكلية في الحيوانات عند تناولها لها بالخطأ. ونتائج هذا التلوث قد تكون مدمرة، فقد وجد بحث لـUnicef صدر أواخر 2020، أن الأطفال في غينيا والصين على وجه التحديد – والدولتان ساحات محورية في استقبال النفايات الإلكترونية – يعانون من مستوياتٍ مرتفعة من الرصاص في دمهم ما يسبب تلف الدماغ والكلى وضعف النمو.
مواد قيمة يتم هدرها
وبالرغم من أنها تحتوي على الرصاص والزئبق ومواد سامة أخرى، فإن أجهزة الحواسيب المحمولة والهواتف الذكية والشاشات تحتوي أيضاً على عناصر قيمة مثل الذهب والفضة والنحاس. ومع ذلك، بالكاد يتم تجميع 20% فقط من النفايات الإلكترونية في العالم وتسلّم إلى جهات إعادة التدوير الرسمية، بينما يظل مصير الـ80% المتبقية منها مجهول المصير وغير مُستفاد منها بأي شكل.
المشكلة رغم حجمها ليست ضمن اهتمامات غالبية الدول، حيث تقوم 41 دولة فقط بإحصاء مخلّفاتها الإلكترونية، ولا تستطيع البيانات المُجمعة مواكبة أنواع الأجهزة الإلكترونية ضمن العديد من الفئات الاستهلاكية، فهي تتراوح من الألعاب الإلكترونية الصغيرة والساعات وصولاً إلى شاشات العرض والثلاجات، وبالتالي حتى وإن تم إحصاء المخلفات وفرزها، لن يتم التعامل معها بشكل صائب لعدم إدراجها بشكل سليم ضمن طرق تدويرها واستغلالها الأمثل.
في الولايات المتحدة على سبيل المثال، تم إنتاج نحو 6.9 مليون طن من النفايات الإلكترونية في عام 2016 فقط. أي بما يعادل 42 رطلاً من النفايات الإلكترونية للفرد الواحد. هذه النفايات تُنقل غالبيتها العظمى لتلال المخلفات غير المُعالجة في الخارج.
ماذا بعد.. كيف علينا أن نتصرف؟
في مقال نشرته جامعة هارفارد على موقعها الخاص بالاستدامة وحماية البيئة، قالت إن إعادة استخدام المعادن الثمينة والبلاستيك في الهواتف المحمولة القديمة وحدها بدلاً من تصنيع أو تعدين المزيد من تلك المواد سيوفر قدراً كبيراً من الطاقة يعادل الطاقة التي يستهلكها 24 ألف منزل أمريكي خلال عام كامل.
لكن كما ذُكر أنفاً، لا يكون إعادة تدوير الأجهزة متاحاً بتلك السهولة. وبالتالي فإن الدور الفردي الذي يراعيه الأشخاص حيال استخدامهم للأجهزة الإلكترونية قد يكون هو الحل في نهاية المطاف.
ومن بين الطرق التي ذكرها التقرير لتحقيق ذلك: شراء جهاز جديد عن الحاجة فقط، حيث بالإمكان دوماً اقتناء جهاز واحد بوظائف متعددة عوضاً عن اقتناء عدة أجهزة تؤدي المهام نفسها.
بالإضافة لذلك يمكن أيضاً إطالة عمر الأجهزة الإلكترونية عن طريق حسن الاستخدام ومراعاة نظافتها وصيانتها بشكل دوري.
أما عند الشراء الضروري، فيُنصح بشراء الإلكترونيات الصديقة للبيئة وهي المنتجات التي تحمل علامة Energy Star أو المعتمدة بواسطة أداة التقييم البيئي للمنتجات الإلكترونية EPEAT. وأخيراً يُمكن التبرع دوماً بالإلكترونيات المستعملة للمنظمات الاجتماعية والخيرية لتوزيعها والاستفادة منها.