فوضى وانهيار وعقوبات.. كيف سيخرج لبنان من المرحلة الحرجة؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/05 الساعة 07:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/05 الساعة 07:52 بتوقيت غرينتش
Lebanon's caretaker Prime Minister Saad al-Hariri speaks after meeting with President Michel Aoun at the presidential palace in Baabda, Lebanon November 7, 2019. REUTERS/Mohamed Azakir

 ما بات مؤكداً وبالدليل القاطع أنه لا سقف حقيقي للعملة اللبنانية أمام انهيارها المحتوم والذي بلغ ما بلغه منذ أيام وصولاً لعشرة آلاف ليرة مقابل الدولار الواحد، لكن وأمام حديث فريق السلطة الحاكم وتحديداً حزب الله ومعه تيار رئيس الجمهورية عن أن ما يجري يندرج في إطار الحصار المحلي والخارجي لعهد الرئيس ميشال عون، ترى مجموعات انتفاضة 17 تشرين وكل قوى المعارضة أنها ترجمة واضحة للمؤشرات المالية والنقدية السلبية نتيجة سياسات جماعات السلطة الحاكمة.

والمتابع لمجريات الأحداث وتسلسلها ابتداء من أحداث طرابلس- شمال لبنان- وما نتج عنها من دم وفوضى واعتقالات وحرائق، وما تشهده خلال الأيام السابقة بيروت وبعض المدن القرى الأخرى، أضِف إليه اقتراب رفع الدعم من قبل المصرف المركزي وغلاء المحروقات والطحين التدريجي والحديث عن تسلح فردي متزايد وفوضى وحوادث سرقة واعتداءات متكررة ينبئ باقتراب كارثة غير معلومة الحجم.

 لكن الأساس في كل اللعبة السياسية والاقتصادية هو أن القوى السياسية تستخدم الشارع لتمرير رسائل بالجملة للضغط باتجاه فرض خيارات بالسياسة والنظام السياسي والعقد الاجتماعي، وتحديداً حزب الله الحريص على أن تسفر كل الأحداث عن الذهاب نحو المثالثة في النظام السياسي، وعليه فإن كل المؤشرات السياسية والأمنية توحي بأن مخاضاً عسيراً يشهده ملف تشكيل الحكومة العالق بين رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل من جهة وبين رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري المصر على مواقفه من عدم تنازله عن رفض إعطاء الثلث لأي فريق، بالإضافة أن المعركة باتت عالقة عند وزارة الداخلية التي يتشدد الطرفان للحصول عليها بكونها الحجرة الأهم في المرحلة القادمة والتي ستدير أي استحقاق انتخابي قادم برلمانياً كان أم بلدياً.

حراك مستمر واستثمار حاضر.

لا تخفي مصادر سياسية رفيعة خشيتها من تفلت الشارع هذه المرة تحت عناوين مطلبية لم تعد المنظومة الحاكمة قادرة على تجاوزها، فالإفلاس بحسب المصادر وقع والانهيار بدأ، فالتقديرات تشير إلى أن سعر صرف الليرة اللبنانية مرشح إلى مزيد من الانهيار بسبب الأزمات الاقتصادية والمالية المستمرة، أضف إليها انعكاسات أزمة كورونا وما نتج عنها من تأزم مستمر، ويضاف إليها تحضيرات لمجموعات المعارضة الناشئة من رحم انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول للتصعيد ومعه، فإنّ الاحتجاجات الشعبية مرشحة للاستمرار، لا بل إلى التصاعد خلال الأيام القليلة المقبلة، ووفق المصادر فإن التحركات مستمرة بزخم متصاعد في مناطق عدة، وإن الفقر والبطالة وارتفاع أسعار المواد الغذائية والمحروقات وانقطاع التيار الكهربائي وتراجع خدمة الإنترنت والكلام الاستفزازي للقوى السياسية هي العوامل التي حرّكت المتظاهرين، وإن أي كلام عن خلفيات سياسية للتحركات يندرج في إطار اتهام كل الفرقاء لبعضهم البعض بالتهرب من المسؤولية، لكن المصدر السياسي المطلع على خلفية ما يجري في الشارع لا ينفي فرضية استغلال الحراك الشعبي المطلبي المتجدد، لأنه وبحسب المصدر فإن الأحزاب المتصارعة وتحديداً بين حزب الله والتيار الوطني الحر.

عون والحريري.. والصراع المفتوح

وفق المصدر المطلع فإن رئيس الجمهورية ميشال عون صرح في لقاء خاص منذ يومين أن ما يجري في الشارع يهدف لإحراجه وإظهار عهده أنه المسؤول عن الأزمة منفرداً، حيث يتهم عون كلاً من الرئيس المكلّف سعد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بالشراكة مع المصارف وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بتشكيل جبهة معادية للضغط عليه لقبول الصيغة الحكومية التي يفرضها الرئيس المكلف سعد الحريري، لذا فإن الرجل بات متمسكاً بشروطه أكثر من أي وقت مضى ولن يرضخ ولن يستقيل.

فيما تنقل مصادر سياسية مطلعة عن رئيس الجمهورية ميشال عون نيته  إجراء مشاورات نيابية أو توجيه رسالة إلى مجلس النواب بغية سحب تكليف الحريري، حيث سيطلب منه فيها العودة عن نتائج الاستشارات الملزمة التي أفضَت إلى تكليفه، وبحسب المصدر فإن الهدف من هذا الإجراء في حال حصل يهدف لإحراج الحريري والقوى السياسية التي يتمترس الأخير خلفها وتدعمه في طروحاته السياسية القاضية بعدم تقديم تنازلات لعون وباسيل.

هذه الطروحات الرئاسية تقابلها نظرة مغايرة للحريري، فالرجل الذي لم يوقف مشاوراته مع رؤساء الحكومات السابقين ولا مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بات يشعر بقرب لحظة خضوع باسيل وعون، لذا فالرجل يجول في العواصم العربية والغربية ويسمع في الصالونات المغلقة تأييداً واضحاً من ناحية عدم قبوله بشروط رئيس الجمهورية وصهره، فيما يتراءى لمسامع الرجل عن أن باسيل ينشغل بالتحضير لانتخابات العام المقبل بعد شعوره بتراجع شعبيته لصالح المعارضة المسيحية التي تتجهز منذ أشهر لمعركة وراثة مقاعد تياره السياسي المهزوم منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، لذا فإن الحريري فتح النار على حزب الله والتيار الوطني الحر وأكد تمسكه بشروطه دون تراجع.

باريس الممتعضة والسعودية المنتظرة.

تروي مصادر دبلوماسية أن اتصالات تجري بين دول غربية وعربية لمناقشة ملف لبنان العالق بين باسيل والحريري ظاهرياً، ووفق المصادر فإن هذه الاتصالات ستفضي مطلع الأسبوع القادم لاجتماع بين مسؤولين أمريكيين وفرنسيين بالإضافة لوزير خارجية الفاتيكان بول ريتشارد غالاغر لمناقشة ملفات المنطقة وضمناً سيكون لبنان على أجندة النقاش، ووفق المصدر الدبلوماسي فإن المجتمعين سيناقشون الملف اللبناني بناء على آخر التطورات الميدانية والسياسية، وسيقف الجميع عند حدث خطاب البطريرك مار بشارة بطرس الراعي والذي دعا للحياد ولمؤتمر دولي يناقش مصير لبنان ويحفظ الوجود المسيحي المهدد، ووفق المصدر فإن واشنطن وباريس ستناقشان طرح فرض عقوبات على معرقلي تشكيل الحكومة في ظل ما ينقل في كواليس الإليزيه عن انزعاج فرنسي من الوزير جبران باسيل وتحميله مسؤولية الأزمة والعرقلة الجارية.

في الناحية الأخرى فإن الرئيس المكلف لا يزال ينتظر أن تفتح أبواب الرياض له من جديد بعد سنتين من الهجر والقطيعة بين الطرفين، حيث ينقل عن السعوديين أنهم لا يمانعون باستقبال الحريري لكن في الوقت الحالي فالسقف المسموح به هو لقاء مع وزير الخارجية السعودي في الرياض، أما موعد لقائه مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان فمرهون بشكل الحكومة ومضمونها، فالسعوديون أكدوا لكل من دق بابهم للتوسط للحريري أن المملكة جاهزة لدعمه شريطة ضمانة عدم تمثيل حزب الله في الحكومة، وعليه فإن الحريري يتقلب بين نارين: نار المملكة ونار حزب الله غير القابل للتنازل لأي طرف باستثناء ما يمكن أن يتمخض عن تسوية أمريكية- إيرانية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

صهيب جوهر
صحفي لبناني
صحفي لبناني ومراسل عربي بوست في لبنان
تحميل المزيد