أصدر الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الخميس 4 مارس/آذار 2021، مرسوماً دستورياً بإنشاء نظام الحكم الإقليمي (الفيدرالي) بالسودان، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء السودانية الرسمية.
الإعلان عن اعتماد النظام الفيدرالي في السودان سبق أن أعلن عنه الرئيس المخلوع عمر البشير عام 1991، عندما أصدرت حكومته مرسوماً دستورياً باعتماد الفيدرالية نظاماً لإدارة الدولة، لكنه واجه الكثير من العراقيل انتهت بالاستغناء عنه.
تطبيق نظام الحكم الإقليمي في السودان
نص المرسوم الدستوري الذي أصدره البرهان على تطبيق نظام الحكم الإقليمي (الفيدرالي) عقب انعقاد مؤتمر نظام الحكم في السودان، الذي يحدد الأقاليم وعددها وحدودها، وهياكلها، واختصاصاتها، وسلطاتها، ومستويات الحكم والإدارة، بما لا يتعارض مع اتفاق جوبا لسلام السودان 2020، وطالب المرسوم الدستوري جميع الجهات المختصة بوضعه موضع التنفيذ.
كما أن النائب الأول لرئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول ركن محمد حمدان دقلو، حسم مستقبل إدارة الحكم بالسودان، خلال شهر فبراير/شباط الماضي، بالعودة إلى الحكم الإقليمي عبر سلطات فيدرالية حقيقية، لافتاً إلى أنه تقرر عقد مؤتمر حول قضايا الحكم بمشاركة الجميع لوضع ملامح وسلطات الحكم الإقليمي الفيدرالي.
ثمانية أقاليم بدلاً من 18 ولاية
بينما شرعت الحكومة الانتقالية السودانية بتنفيذ قانون نظام الحكم الإقليمي الذي تضمنه اتفاق جوبا للسلام، في 3 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وينص على عودة البلاد إلى نظام الحكم الإقليمي، بتقسيمه إلى ثمانية أقاليم بدلاً من 18 ولاية ابتداء من مايو/أيار المقبل.
حسب صحيفة "الإندبندنت" يمكن أن يكون هذا النظام مفتاحاً لحل أزمات السودان المتفاقمة الناتجة من عدم توظيف التعددية الإثنية والثقافية توظيفاً سليماً، ودرء ما يسفر عنها من نزاعات، وأحد أدوات إصلاح النظام السياسي، الذي لم تنجح "المركزية" في تلافي خلله طول مدة تطبيقه منذ أن تسلم الرئيس السابق عمر البشير الحكم عبر انقلاب عسكري في يونيو (حزيران) 1989.
بيد أن تطبيق النظام الفيدرالي يعتمد على مقومات وعوامل داخلية ومتفاعلة مع السياق الإقليمي، حتى يحقِّق الأهداف التي بُني على أساسها القرار وفق شروط محددة.
سلطات تشريعية وتنفيذية لكل إقليم
حدّدت الوثيقة الدستورية قانون الفيدرالية على أساس لا مركزية صنع القرار في بلدٍ مترامي الأطراف، واحتواء التنوع الإثني وخلق نوع من التناغم في المسؤوليات الإدارية والقانونية بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم، إضافة إلى معالجة ما رسّخه النظام السابق، متمثلاً في حكومة مستبدة مسيطرة على كل السلطات، ومترهّلة إدارياً ومكلفة اقتصادياً.
يتوقف خلق مؤسسات الحكم على أساس فيدرالي، على منح الأقاليم سلطات تشريعية وتنفيذية خاصة بها، والشروع في تحديد هياكل الحكم الإقليمي وسلطاته وترسيم الحدود بين الأقاليم والابتعاد عن إعادة خلق أو ترميم المؤسسات التي تركها النظام السابق.
يرتبط مظهر نظام الحكم الإقليمي بمسألة معقدة وهي مدى قدرة الحكومة الانتقالية الآن، والديمقراطية بعد ذلك على حماية الحقوق، فمثلاً الأقليات الإثنية أو الدينية تمثّل أقلية ضمن السودان، لكنها تشكّل غالبية في مناطقها، لذلك من المهم تمتّع إقليمها بسلطات دستورية وإدارية تتلاءم مع ظروف سكانها المحلية.
تجربة "فاشلة" في عهد عمر البشير
في العام 1991 أصدرت حكومة الرئيس عمر البشير العسكرية مرسوماً دستورياً باعتماد الفيدرالية نظاماً لإدارة الدولة.
لكن بعد مرور نحو ربع قرن من ذلك التاريخ، كان حصاد تطبيق نظام الحكم الإقليمي السيئ تمزقاً لأوصال الدولة تمثل في انفصال الجنوب الذي يمثل ربع مساحة البلاد، وظهور بؤر توتر جديدة تحولت بسرعة إلى ساحات حرب ونزاعات مسلحة في أقاليم دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وتعاظمت النزعات القبلية والعشائرية مع تلاشي هيبة الدولة، وتعرقلت التنمية وساد الاضطراب حياة الناس ومعاشهم، حسب الإعلامي السوداني فيصل عابدون.
كما أضاف في مقال نشر بصحيفة "الخليج" عام 2014، أن الفيدرالية لا تنمو ولا تمنح ثمارها من دون وجود نظام ديمقراطي حقيقي. فالفيدرالية لا تنمو في ظل الاستبداد والشمولية.
ذلك أن فلسفة النظام الفيدرالي تستند على تقسيم السلطة السياسية والثروة المالية على أبناء القوميات المختلفة في الولايات المكونة للاتحاد، وليس تركيزها بين يدي المركز.
بينما تعمد النظم الاستبدادية إلى إحكام قبضتها على وسائل السيطرة والنفوذ والثروة وترفض أي مشاركة في إدارة الدولة، وهي تفعل ذلك بالقوة القهرية في غالب الأحيان وبالحيلة والمكر في أحايين أخرى.
كما أشار أن تطبيق الفيدرالية يجب أن تسبقه إصلاحات واسعة باتجاه دمقرطة الحياة السياسية وإنهاء الشمولية والاستبداد، ذلك أنه إذا كانت الفيدرالية هي الشجرة المثمرة، فإن الديمقراطية هي التربة الخصبة والماء.