من المعلوم أن الاستحقاقات الانتخابية القادمة بالمملكة المغربية تشكل بلا شك مرحلة صعبة وحساسة في المسار السياسي المغربي، وذلك من حيث توقيت الانتخابات، والآمال المعلقة عليها، كونها تعتبر الانتخابات الثالثة بعد التعديلات الدستورية لسنة 2011، ولأن طياتها تنطوي على تطلعات وآمال عريضة للبلاد والعباد. وبحكم الوضع الاستثنائي الذي فرضته جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، فرضت تحديات وعراقيل أمام عملية تنظيم الانتخابات، ما أدى إلى اقتصار عملية الاقتراع على يوم واحد فقط. كل تلك العوامل تجعل الاستحقاقات الانتخابية القادمة في المغرب استثناءً.
إلى جانب أن هناك قوانين تسطَّر داخل غرفة البرلمان لتقليص أو حذف "لائحة الشباب"، وتعتمد مفهوم تكافؤ الفرص أو المساواة بين المرأة والرجل، وذلك لزيادة نسبة النساء داخل البرلمان بغرفتيه. وذلك تحدٍّ آخر يخوضه المشهد السياسي المغربي. كلها تفاصيل ومعطيات تُغلّف الحياة السياسية بالمغرب حالياً.
لكن إذا نظرنا إلى مشروع المرسوم رقم 40-15-2، الذي تقدم به وزير الداخلية وصادق عليه مجلس الحكومة، بتحديد عدد الجهات الانتخابية في 12 جهة وتسمياتها ومراكزها والعمالات والأقاليم المكونة لها وسلّطنا عليها الضوء فسوف نجد أن الصراع الانتخابي قد بدأ. وهنا، سوف نسلط الضوء على المشهد السياسي في جهة "الداخلة وادي الذهب"، وهي جهة تقع أقصى الجنوب، وتتوفر على أكبر مساحة بعد جهة "الدار البيضاء"، إلى جانب أنها تتوفر على ثروات بحرية، وثروات طبيعية هائلة، وموقعها الاستراتيجي والسياحي المتميز، إضافة إلى أنها البوابة الجنوبية للجنوب والساحل الإفريقي، هذا كله أعطاها الحق أن تكون جهة محورية للتنافس الحزبي.
الصراعات الحزبية وواقع البناء بالجهة
عرفت جهة "الداخلة وادي الذهب" خلال المراحل السابقة، وخاصة بعد انتخابات سنة 2016، عدة صراعات حزبية بين الموالاة والمعارضة، أدت في السنوات الأولى إلى شل وتعطيل مرتكزات وسياسات الإصلاح بالجهة، ما أدى إلى ظهور تحركات اجتماعية كبرى، تطالب بحل الإشكال وترفع شعار التهميش والبطالة.
وذلك بحكم أن الصراع أصبح أمام المحاكم وبوابات محاكم الاستئناف، حتى ضاعت طموحات المواطنين، وباتوا ينتظرون القرار الأخير لحل النازلة المطروحة.
يمكن القول هنا إنه بحكم تداعيات الصراع القائم في تلك المرحلة كان البناء والإنجاز منعدماً أو متوقفاً، وذلك راجع إلى ثقافة الصراعات الحزبية التي شهدتها "جهة الداخلة وادي الذهب"، عند انتخاب المجلس المسير، وما تبعها من تعثرات في الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي، وهو في آخر المطاف أثر في مفهوم البناء والإصلاح، وكانت له تأثيرات اجتماعية-اقتصادية داخل الجهة.
تعطيل المصالح العامة
بعد انتهاء نازلة المحاكم والاستئناف، يمكن القول إننا بدأنا نشهد بوادر إصلاح، وبناء داخل الجهة "جهة الداخلة وادي الذهب". وذلك من خلال مشاريع اجتماعية واقتصادية مسّت جوانب متعددة من النسيج الاجتماعي لساكنة الجهة.
وخاصة عند ظهور جائحة كورونا، التي تم تقديم إعانات فيها لجل الساكنة القاطنة بالجهة، وإعانات مالية إلى جانب إنجازات في السكن الاجتماعي، والصحة، وأخرى في بناء الطرق، والبنيات التحتية للجهة، هذا كله في ظرفية يمكن القول إنها ظرفية وجيزة، مقارنة مع سنوات عمل المجلس وتعثرات المحاكم.
في الختام، وبعد 6 سنوات من الصراعات والتجاذبات السياسية، بعضها عطل مسار الإصلاح، والآخر أدى بها إلى أسوار المحاكم، أو ما يسمى بـ"تعطيل المصالح العامة"، وبعدها سُلك الطريق الصحيح.
تنتهي اليوم آخر دورة عادية لمجلس "جهة الداخلة وادي الذهب". نعم كانت هناك إضافة وإنجازات في قطاعات عدة تحسب لهذا المجلس، كما كانت هناك إخفاقات، وهذا أمر طبيعي، لكن يبقى السؤال المطروح ونحن مقبلين على استحقاقات شاملة وهامة: هل هناك من يحمل الهمّ العام حقاً، وقادر على الابتعاد عن الصراعات الماضية الضيقة التي لم يستفد منها المواطنون غير التهميش، وعرقلة مصالحهم الاجتماعية والاقتصادية؟
ألم يحِن الوقت أن يتحدَ الجميع من أجل المصلحة العامة وبناء تلك الجهة وتوفير العيش الكريم لأبنائها وبناتها، والابتعاد عن البطالة والتهميش، وتوفر لهن ولهم فرص العمل، أم أن الآية ثابتة لا تتغير؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.