غالبا ما نضطر لتمالك أنفسنا بصعوبة عند رؤية خدود الأطفال الصغار، ونصرّ على أسناننا تعويضاً لتلك الرغبة في التهامهم أو شد وجناتهم بشكل عنيف. الظاهرة النفسية الغريبة التي سمّاها الباحثون في جامعة Yale "العدوان اللطيف" هي رغبة يتشاركها معظم الناس تقريباً.
فالخصائص الجسدية التي نعتبرها لطيفة غالباً ما تكون العيون الطفل الواسعة والرؤوس الكبيرة والوجنات الممتلئة والأذرع والأرجل القصيرة، وهي جميعها سمات تشير إلى كائن ضعيف وصغير، ومع الضعف نستحضر غرائز التعاطف وتقديم الرعاية والحب.
الدوافع النفسية وراء تلك الرغبة
في دراسة أجريت عام 2015 ونشرت بمجلة APS الرائدة في أبحاث علم النفس، وجدت أخصائية علم النفس أوريانا أراغون المشاركة في بحثٍ تابع لجامعة Yale أن الأشخاص الذين لديهم ردود فعل إيجابية للغاية تجاه صور الأطفال اللطيفين "أظهروا أيضاً دوافع عدوانية أقوى تجاه المحفّزات"، مثل الرغبة في قرص الخدود الممتلئة لأي طفل يقابلنا.
وفي تجربة أخرى ضمن ذات الدراسة تمّ منح المشاركين فيها عدداً من الفقاعات البلاستيكية أثناء مشاهدة بعض الصور، وجدوا أن المشاركين قاموا بفرقة فقاعات أكثر بكثير عند رؤية الكائنات اللطيفة وهو ما يدل على أن درجة العنف تزداد بسبب هذا المحفز، إلا أن البحث أكد في النهاية أيضاً أن هذه الغريزة لا تعني بأي حال الرغبة الحقيقية في إيذاء تلك المخلوقات.
مهلًا.. اللطافة تُربك أدمغتنا عصبياً عند رؤية الخدود
الظاهرة النفسية الموثَّقة بتجارب علم النفس السلوكي والرغبة الملحة في قرص الخدود الممتلئة تناولتها دراسة أخرى من جامعة كاليفورنيا وكشفت أنه قد يكون هناك أساس عصبي لها.
تقول كاثرين ستافروبولوس، عالمة النفس في كلية الدراسات العليا للتربية بجامعة كاليفورنيا والمشرفة على الدراسة: "يلح على الناس في تلك اللحظة أفكار عنيفة مثل: أريد أن أسحق هذا الكائن أو أريد الضغط عليه بشدة من فرط لطافته"، موضحة: "عندما يشعر الناس بهذه الطريقة، لا يكون لديهم رغبة في إحداث ضرر أبداً، بل هي ردود فعل لا إرادية على فيض المشاعر الإيجابية المفرطة حيال هذا الشيء".
وقد سجلت عالمة النفس وفريقها البحثي النشاط الكهربائي في أدمغة 54 شاباً وفتاة أثناء مشاهدتهم لعدد من صور الحيوانات والأشخاص؛ وقد تضمنت الصور مشاهد لأطفال وبالغين تم التلاعب ببعضها لتبدو أقل جاذبية والبعض الآخر لتبدو أكثر لطافة ووداعة، ووجدت الدراسة أنه بالنسبة لمجموعة المشاركين بأكملها، ارتبطت الكائنات اللطيفة بنشاط أكبر في مناطق الدماغ المرتبطة بالعواطف.
كما وجدت أنه كلما شعر الشخص بمشاعر أقوى من العدوانية اللطيفة تجاه القطط أو الخدود الممتلئة، زاد النشاط في المنطقة المسؤولة عن تلقي المكافأة في الدماغ، وهي المشاعر الجارفة التي تكاد تكون مُربكة في قوتها.
يشير هذا إلى أن الأشخاص الذين يفكرون في سحق القطط الصغيرة أو أكل الخدود الممتلئة عند الأطفال أو أصابعهم يكونون مدفوعين بقوتين قويتين في الدماغ مكونتين من المشاعر القوية للتعاطف والمكافأة معاً، لهذا يشتبه العلماء في أن يكون هذا هو سبب بدء الدماغ في إنتاج أفكار عدوانية غير مبررة.
الفكرة ببساطة تكمُن في أن ظهور هذه المشاعر السلبية يتولَّد لكي يساعد الناس على التحكم في فيض المشاعر الإيجابية التي تكاد تنفجر في عقولهم!
ثنائيات المشاعر المتضاربة وعلاقتها بـ"الخدود"
تقول أوريانا أراغون التي كانت جزءاً من فريق جامعة Yale – في الدراسة التي ذكرناها في أول التقرير – حول الظاهرة إن "الأفكار العدوانية رداً على مخلوقات رائعة هي مجرد مثال واحد على التعبيرات المتضاربة ثنائية الشكل عن المشاعر الإيجابية. فالأشخاص الذين يريدون قرص خدي الطفل أو احتضان القطط الصغيرة بعنف هم أيضاً الأكثر عرضة للبكاء في حفل الزفاف أو عند ولادة طفل، وغالباً ما يكون لديهم ضحك عصبي عند مواجهة المواقف الصادمة أو شديدة التوتر".
رؤية الكائنات اللطيفة تجعلنا أيضاً أكثر اهتماماً بالتفاصيل، وفقاً لدراسة أجريت عام 2012 في مجلة PLOS ONE، ويحدث هذا لأن الجاذبية تخلق شعوراً إيجابياً مرتبطاً بـ"دافع قوي" تجاه الشيء.
وبحسب مدير مختبر الفسيولوجيا النفسية المعرفية في جامعة هيروشيما اليابانية هيروشي نيتونو، فإنه يمكن لهذه المشاعر التبدُّل بسهولة من الإيجابية إلى السلبية، موضحاً: "يمكن رؤية هذا النوع من السلوك عند الأطفال.. مثلاً الأولاد الذين يحبون فتاة معينة يتظاهرون بأنهم لا يهتمون بها على الإطلاق ويحاولون تجاهلها بل وحتى التنمر عليها أحياناً".
تلك النظرية تتوافق مع عمل ألان فيسك، عالم الأنثروبولوجيا النفسية بجامعة كاليفورنيا؛ فبالنسبة له أيضاً، القرص لا يعني دائماً العدوان ولا تشير الدموع دوماً إلى الحزن. الباحث الأمريكي أثبت ذلك في تجارب عاطفية ضمن معمله المسمى بـ"كاما موتا"، وهي الترجمة السنسكريتية لمصطلح "التأثر بالحب"، حيث درس انفعالات الحب المختلفة وطرق التعبير المتضاربة عنها وأسباب حدوث مثل تلك الثنائيات.
ويقول: "إحدى طرق التفكير في الدموع هي أنها دعوة للعناق، لجعل الآخرين يعبرون عن مودتهم لنا. نريد عندما نشعر بالخوف والألم أن نشعر بالسعادة والاهتمام"، وبالتالي فإننا بهذه الطريقة نرسل تعبيرات متناقضة في نهاية المطاف.