لا يبدو في الأفق القريب أن الحكومة اللبنانية ستبصر النور وتخرج للحياة، فالأطراف على اختلاف تلوناتها تتمترس خلف مطالبها وشروطها على الرغم من محاولات بعض القوى الخارجية والداخلية لعب دور مفصلي في إنهاء حالة الكباش السياسي المحلي وحالة الاستنفار بين رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري من جهة ورئيس الجمهورية ميشال عون ومن خلفه صهره رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من جهة أخرى، ما يعزز لدى الطرفين فكرة أن مفاتيح الحل تكمن في جيوبهم.
وعليه فإن الحكومة مؤجلة حتى نضوج مبادرة يعمل عليها من وراء الكواليس حزب الله معطوف عليها مبادرات متجددة للواء عباس إبراهيم، واتصالات مستمرة يجريها الفرنسيون مع الأطراف كافة لسحب فتيل الأزمة قبيل شهر أبريل/نيسان القادم، الذي يحمل استحقاقات مهمة، أبرزها مصير ملف الكهرباء، واستحقاقات مالية أبرزها رفع الدعم على المواد الأساسية، بعد أن شارفت الاحتياطيات المالية على النفاد من حسابات المصرف المركزي.
الفرنسيون على الخط.. والحريري متشبث
وبحسب المصادر المطلعة على نشاطات باريس الأخيرة، فإن باتريك دوريل يتابع يومياً مخرجات الأحداث، وهو الذي اقترح منذ مدة على الحريري مبادرة لجمعه في لقاء خاص مع باسيل بعيداً عن الإعلام لإنهاء القطيعة وتحضير الأجواء لتنازل من الطرفين في شكل الحكومة وتوزيع الحقائب بما يضمن تشكيلة ترضي الجميع، لكن ووفق المصادر المطلعة فإن الحريري يرفض عقد لقاء بينه وبين باسيل ويود إبقاء الحوار حول الحكومة حصراً مع رئيس الجمهورية، لأنه أولاً لا يريد التواصل مع أي جهة سياسية دون غيرها في ملف الحكومة، وثانياً فإن الحريري يدرك أن باسيل يريد من لقائه الوصول إلى تفاهم حول انتخابه رئيساً للجمهورية خلفاً لعون، وهذا ما يرفضه الحريري رفضاً قاطعاً، وقد أبلغ رفضه مسبقاً لحزب الله أنه لا يود تكرار تجربة إيصال باسيل للسلطة، لأن التجارب كانت كفيلة بالوصول لخلاصة أن باسيل "ما بينحمل بالسياسة".
ووفق المصدر، فإن الحريري يصر على عدم منح عون وباسيل الثلث المعطل، لأن الحكومة القادمة هي حكومة استحقاقات مصيرية أبرزها الإصلاحات في الكهرباء والتفاوض مع صندوق النقد، بالإضافة إلى أنها ستشرف على الانتخابات النيابية وستضع قانوناً انتخابياً، لذا فإن الحريري يتوجس من خلفية الإصرار والمطالبة بثلث الحكومة، ولا يريد التنازل لأنه سمع ثناء عربياً ودولياً نتيجة تمسكه بشروطه في وجه عون وباسيل.
جولة ثالثة.. موسكو حاضرة
يتحرك الحريري خارجياً وفق عناوين واضحة، أولاً: استعادة تكريس حضوره العربي والدولي بعد سنوات عجاف بالعلاقات الخارجية. وثانياً: لحشد الدعم لحكومته في حال تشكلت، لذا فإن الجولات مستمرة وستشمل عربياً كلاً من العراق والكويت، بالإضافة لألمانيا وبريطانيا، كما أن تحضيرات تجري لزيارة يجريها الحريري باتجاه موسكو للقاء الرئيس فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف، ووفق المصادر، فإن الزيارة يتم تنسيقها مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط ودول إفريقيا نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، والذي سيزور لبنان قريباً حاملاً مبادرة روسية بالتنسيق مع باريس لإنهاء حالة النزاع بين عون والحريري، وتشدد مصادر دبلوماسية على أن الروس أسمعوا منذ مدة مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الروسية أمل أبوزيد وخلال زيارته لموسكو موقفاً واضحاً، وهو أن موسكو تدعم الرئيس المكلف وترفض الإطاحة به، كما أنها لا تود حصول فريق لبناني على الثلث المعطل في الحكومة لعدم تكرار التجارب السابقة.
وبحسب المصادر، فإن موسكو التي ستستقبل الحريري خلال الأيام القادمة كانت قد وجهت دعوة لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لزيارتها بعد اتصال جرى بين الأخير وبين بوغدانوف لمناقشة الوضع اللبناني مع جنبلاط، والذي قال للروس إن ما يفعله عون يقضي بالذهاب نحو واقع جديد لا يشبه لبنان.
لكن المصادر الدبلوماسية رجحت أن التقدم الروسي باتجاه لبنان يهدف لتحجيم الدور الإيراني على نسق ما تفعله موسكو في سوريا عبر تقزيم الحضور الإيراني والميليشيات الشيعية المحسوبة على طهران، كما أن موسكو تود تثبيت دورها في المتوسط في ظل الحديث عن ترسيم حدود بحرية بين لبنان وسوريا، لقطع الطريق على أي حضور تركي محتمل عبر بوابة الشمال اللبناني.
زيارة ماكرون الخليجية.. والسعوديون غير متحمسين
كانت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى السعودية والإمارات من المفترض أن تجري نهاية الشهر الحالي، إلا أن الزيارة تأجلت لظروف غير معلومة حتى نهاية مارس/آذار القادم، لذلك يعمل ماكرون على التحضير لجولته الخليجية وفق شعور أن تليين المواقف الخارجية وتحديداً السعودية وإيران هو الحل للإسراع في تشكيل الحكومة، لأن باريس باتت تدرك جيداً أنّ حزب الله يختبئ خلف مطالب رئيس الجمهورية بالثلث المعطل وفق الأجندة الإيرانية للإمساك بملف الحكومة واستثماره على طاولة مفاوضاتها مع واشنطن، وفي الوقت نفسه فإن الحريري يخشى التراجع والاستسلام لشروط عون وباسيل ومن خلفهما حزب الله، ما يعني قطع شعرة معاوية مع دول المنطقة وتحديداً العرب، لذا فإن ماكرون سيؤكد للمسؤولين السعوديين ضرورة دعم الحريري كي لا يتحقق حلم حزب الله بالذهاب نحو مثالثة في النظام تطيح بلبنان النموذج في المناصفة بين المسلمين والمسيحيين وإنهاء دستور الطائف الذي كرس تقاسم الحصص بين مكونات لبنان الطائفية.
ووفق المطلعين على جدول زيارات ماكرون للخليج، فإن الرجل سيطلب من السعوديين استقبال الرئيس المكلف سعد الحريري ومنحه غطاءً عربياً ودعماً مالياً لتحقيق الإصلاح، وسيؤكد ماكرون للسعوديين أن تشكيل حكومة سيعزز فرص تقليص دور حزب الله في المرحلة القادمة، وخاصة عبر عدم منحه ورقة قوة في الحكومة.
لكنه وفي الوقت نفسه، فإن شعوراً لدى الحريري والفرنسيين من خلفه يقول إن الإدارة السعودية غير متحمسة لإعادة تجربة دعم أي حكومة لبنانية بعد ما جرى منذ التسوية الرئاسية، لأن السعوديين كانوا يعولون على أن التسوية قد تكون مؤشراً لسحب الأطراف دعمها وتغطيتها عن حزب الله والذي يشارك بالهجوم على السعودية من خلال دعم الحوثيين في اليمن، بالإضافة لمواقف لبنان المتعلقة برفض إدانة التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية.
وعليه، فإن السعوديين كانوا قد أبلغوا الجانب المصري الذي يتوسط للحريري مع الرياض أن المملكة لا تمانع باستقبال الحريري، لكن سيقتصر استقباله على لقاء وزير خارجية ومسؤولين بالديوان الملكي في الوقت الحالي ، فيما لقاؤه مع الملك السعودي وولي عهده سيكون عقب تشكيل الحكومة، فالسعوديون يقولون لكل من يتوسط للحريري "فليشكل الحكومة وبعدها نتحدث".
في السياق نفسه، فإن الحريري المحاصر داخلياً بشروط باسيل ورغباته بانتزاع تعهد بانتخابه رئيساً للجمهورية وأمام البرودة السعودية، لا ينوي في الوقت الحالي الاعتذار عن تشكيل الحكومة والإبقاء على التكليف بيده كورقة ضغط وإثبات وجود في حال تغير الظروف، لكنه في الوقت نفسه ينتظر نتائج زيارات ماكرون الخليجية ليبني على الشيء مقتضاه؛ إما الاستمرار أو الاعتذار والمكاشفة، وفي الأمرين سيتجرع السم مجدداً.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.