لما انضم اللاعب الدولي المغربي أسامة إدريسي لنادي إشبيلية الإسباني لكرة القدم في آخر أيام الميركاتو الصيفي الماضي، كان ينظر إليه المتتبعون والنقاد الرياضيون كإحدى الصفقات الواعدة والمرشحة للتألق في مسابقة "الليغا"، بعدما ترك بصمته في السنوات القليلة الماضية، في الدوري الهولندي .. وذلك قبل أن تتلاشى تلك التوقعات المتفائلة مع مرور الأيام والأسابيع، ويضطر "اللاعب الفنان" للعودة إلى البلد الذي غادره منذ أشهر قليلة فقط، حيث يطمح لاستعادة توهجه على أمل تحقيق وثبة جديدة في مشواره الاحترافي.
وقبل أن نصل إلى ما يعيشه حالياً النجم المغربي في ناديه الجديد، أياكس أمستردام الهولندي، دعونا نتعرف عليه وعلى مساره الرياضي.
ولد أسامة إدريسي يوم 6 فبراير/شباط 1996 بمدينة "برغ أوب زوم" بجنوب هولندا، من والدين مغربيين تعود أصولهما لمدينة بركان المغربية.
وبدأ ممارسة رياضة كرة القدم في سن مبكرة جداً ضمن فريق الحي الذي كان يقطن به "نادي دوسكو"، قبل أن يواصل تكوينه ضمن أندية بيرغن (من 2003 إلى 2006) وهالستيرن (من 2006 إلى 2009) وبريدا (من 2009 إلى 2011)، حيث لفت أنظار الأندية الهولندية الكبيرة على غرار فينورد روتردام الذي ضمه لأكاديميته في عام 2011 وأمضى معه عقداً لمدة 4 سنوات.
تكوّن في فينورد روتردام كلاعب وكرجل
وكانت فترة تواجد أسامة إدريسي بنادي فينورد هامة جداً في تكوينه كلاعب وكرجل أيضاً، بحيث كان يتنقل يومياً عبر القطار بين مدينتي برغ أوب زوم وروتردام ( 138 كلم ذهاباً وإياباً) ولا يدخل إلى مسكنه العائلي إلّا في ساعة متأخرة من مساء كل يوم.
ولكن الشاب أسامة اضطر للعيش وحده وبعيداً عن عائلته عند بلوغه سن الـ19، وذلك لما انضم لنادي غروينغن في صيف 2017، التابع للمدينة التي تحمل نفس الاسم، الواقعة بشمال هولندا والبعيدة عن برغ أوب زوم بـ292 كلم.
واستهل إدريسي مشواره مع نادي غروينغن ضمن فريق الشباب، قبل أن ينضم بعد شهر واحد للفريق الأول، ثم خاض أول لقاء له كلاعب محترف يوم 25 سبتمبر/أيلول 2015، لما دخل بديلاً في الدقيقة الـ70 لمباراة هيركلس ألميلو، لحساب دوري الدرجة الأولى الهولندي لكرة القدم، ثم سجل هدفه الأول بقميص النادي يوم 7 فبراير/شباط 2016 في مرمى نادي كامبور ليفاردن.
وأنهى أسامة موسم 2015- 2016 بتسجيل 3 أهداف وتقديم 3 تمريرات حاسمة، فكافأه نادي غروينغن في يونيو/حزيران 2016 بعقد احترافي إلى غاية 2020.
خلاف مع المدرب عجّل برحيله عن غروينغن
وخاض الشاب المغربي في الموسم التالي ( 2016-2017) 27 مباراة في الدوري الهولندي، سجل خلالها 5 أهداف وصنع 3 أهداف أخرى، لكن في موسمه الثالث مع غروينغن (2017-2018)، وفي الوقت الذي كان يأمل فيه فرض نفسه ضمن التشكيلة الأساسية وأن يكون أحد نجوم دوري "إيريديفيسي" فإنّ كل أحلامه تلاشت بعد مشادة كلامية مع مدرب الفريق، الهولندي أرنست فابر، في أواخر أكتوبر/تشرين الأول2017، ما جعل إدارة النادي تعاقبه بإنزاله للعب مع الفريق الرديف (أقل من 21 عاماً) ثم وضعه ضمن قائمة اللاعبين المسرحين في سوق الانتقالات الشتوية.
ولم يجد إدريسي صعوبات كبيرة للظفر بعقد احترافي جديد بحيث غادر غروينغن نحو نادي ألكامار في يناير/كانون الثاني 2018، في صفقة بلغت قيمتها 2 مليون يورو، فأكمل الموسم ضمن فريقه الجديد وبكل قوة بحيث سجل 6 أهداف وقدم 7 تمريرات حاسمة في 15 مباراة رسمية، ما جلب انتباه مدرب منتخب المغرب الأول، الفرنسي هيرفي رونار.
وسأعود للحديث عن قصة وكواليس انضمامه لمنتخب بلده الأصلي المغرب بعد مواصلة سرد مشواره الاحترافي مع الأندية.
واصل أسامة إدريسي تألقه مع نادي ألكامار في موسم 2018- 2019، بتسجيله 14 هدفاً وصناعة 7 أهداف في 39 مباراة رسمية، كما نال جائزة أفضل مراوغ، متفوقاً على مواطنه حكيم زياش، اللاعب الحالي لنادي تشيلسي الإنجليزي، والذي كان ينشط حينها في نادي أياكس أمستردام.
وعلى الرغم من إنهاء الموسم الماضي (2019- 2020) في هولندا قبل أوانه ودون إكماله بسبب جائحة كورونا، إلّا أن أرقام إدريسي مع فريقه كانت مميزة، بتسجيله 12 هدفاً وتقديمه تمريرتين حاسمتين في 21 مباراة للدوري المحلي، وتوقيعه لهدف واحد في 3 مباريات لمسابقة كأس هولندا، وتسجيله 3 أهداف وصناعة 4 أخرى في 12 لقاء من الدوري الأوروبي لكرة القدم.
تجربة فاشلة في الليغا.. في انتظار العودة
وكان من المنطقي أن يجلب تألق أسامة إدريسي في الموسم الماضي، انتباه بعض الأندية الأوروبية الكبيرة التي سعت لضمه، ونخص بالذكر أياكس أمستردام الهولندي الذي اصطدم برفض حازم من إدارة غروينغن، أو إشبيلية الإسباني الذي نجح في حسم الصفقة يوم 5 أكتوبر/تشرين الأول 2020، مقابل 12 مليون يورو وبعقد يمتد إلى غاية يونيو/حزيران 2025.
حطّ الشاب أسامة الرحال بالأندلس وكله أمل في إظهار موهبته ومهارته الفنية ضمن أفضل دوري في العالم، خاصة أنه لم يكن ليعاني من الغربة في ظل تواجد مواطنيه حارس المرمى ياسين بونو، والمهاجمين يوسف النصيري ومنير الحدادي، ضمن نفس الفريق، وتواجد أيضاً جالية مغربية كبيرة في إسبانيا.
ولكن كما قال الشاعر العباسي المتنبي: "ما كل ما يتمنى المرء يدركه.. تجري الرياح بما لا تشتهي السفن" فإنّ اللاعب إدريسي لم ينجح في فرض نفسه ضمن التشكيل الأساسي لإشبيلية، حيث اكتفى بخوض 3 مباريات فقط في الدوري الإسباني و7 لقاءات في مسابقتي كأس الملك ودوري أبطال أوروبا لكرة القدم، دون أن يسجل أو يُسهم في أي هدف.
لم يتردد في قبول عرض أياكس
وعلى الرغم من معاناته من الجلوس على كرسي احتياط فريق إشبيلية وتلقيه عرضين جديين من ناديي زينيت سان بيترسبورغ الروسي وفنبرخشة التركي، إلّا أن أسامة لم يكن يرغب في مغادرة النادي الأندلسي في الشتاء الحالي، وكان يعتزم مواصلة الكفاح من أجل كسب ثقة المدرب، فما الذي جعله إذاً يغير رأيه ويغادر إسبانيا في آخر أيام الميركاتو الشتوي، في 31 يناير/كانون الثاني الماضي؟.. الجواب نجده عند اللاعب المغربي نفسه وعند وكيل أعماله أيضاً.
وقال إدريسي في تصريحاته لموقع نادي أياكس أمستردام، بعد انضمامه للعملاق الهولندي: "لم أكن أريد مغادرة إشبيلية ولكن لما جاء أياكس ليطرق على الباب في اللحظات الأخيرة من الميركاتو فإني لم أكن بحاجة لنصيحة من أي أحد، بحيث لا يمكنني رفض مثل ذلك العرض. أنا سعيد جداً وفخور باللعب في ملعب 'يوهان كرويف أرينا' الجميل والتواجد ضمن فريق كبير".
أما وكيل أعمال اللاعب فقال: "لم نكن نرى أنّه من الضروري الرحيل ولكن وقبل يوم واحد ونصف اليوم عن انتهاء الميركاتو تلقينا عرض أياكس، فتغيرت الأمور".
وألمح وكيل أسامة إدريسي إلى أنّ الأخير يدرك جيداً، وعلى غرار ما كان عليه الأمر في إشبيلية، أن أياكس لا يضمن له المشاركة بانتظام في التشكيلة الأساسية، حين أفصح قائلاً: "لا يوجد أي ضمان للعب في أي فريق كان، ولكن توجد فرصة للعب دقائق أكثر (يقصد في أياكس) فطريقة اللعب تلائمه ويمكنه التأقلم والتنافس على الألقاب.
ما قاله وكيل النجم المغربي صحيح ومنطقي، فالكثير من اللاعبين يكونون في قمة عطائهم ضمن نادٍ معين لكن سرعان ما ينطفئ بريقهم عندما يغيرون الفريق خاصة إذا ما تعلق الأمر بالرحيل نحو دوري جديد، ويمكن أن نعطي مثالاً على ذلك بالجزائري إسلام سليماني الذي كان من أفضل مهاجمي أوروبا لما كان ينشط في نادي سبورتينغ لشبونة البرتغالي لكنه لم يجد ضالته لما رحل نحو ليستر سيتي الإنجليزي.
والكرة الآن هي في ملعب أسامة إدريسي الذي وبعد حوالي شهر واحد من انضمامه لأياكس أمستردام على سبيل الإعارة، فإنّه اكتفى بلعب دقائق قليلة فقط في مباراتين اثنتين، واحدة في الدوري المحلي وأخرى في مسابقة الدوري الأوروبي لكرة القدم، وهو مطالب بالصبر والعمل أكثر لنيل الثقة الكاملة لمدرب الفريق، الهولندي إيريك تين هاغ.
تأخر في الاختيار بين منتخبي هولندا والمغرب
وكما وعدتكم في بداية المقال فإنّنا نصل الآن إلى الحديث عن قصة انضمام أسامة إدريسي لمنتخب المغرب، فعلى غرار معظم اللاعبين ذوي الأصول المغربية المولودين بأوروبا، فإن بداية المشوار الدولي للفتى أسامة كانت مع منتخب بلد مولده هولندا حيث حمل ألوان مختلف الفئات الشابة (أقل من 16عاماً وأقل من 17 عاماً وأقل من 19 عاماً وأقل من 20 عاماً) إلى أن تلقى استدعاء من الاتحاد المغربي لكرة القدم في بداية سنة 2018، ورفضه بحجة استعداده لخوض تصفيات بطولة أمم أوروبا لكرة القدم للآمال (أقل من 21 عاماً).
ثم عاود مدرب منتخب المغرب، الفرنسي هيرفي رونار، الاتصال بأسامة إدريسي في سبتمبر/أيلول من نفس السنة، لكن اللاعب طلب مرة أخرى التركيز في مواصلة مشواره مع منتخب هولندا لأقل من 21 عاماً، قبل الحسم النهائي في اختياره اللعب لمنتخب أحد البلدين.
ثم تلقى إدريسي دعوة من المدرب رونار لحضور معسكر منتخب المغرب في شهر نوفمبر/تشرين الثاني حيث تعرف على الأجواء داخل محيط منتخب "أسود الأطلس" وتابع من المدرجات مباراة الكاميرون بالدار البيضاء، برسم تصفيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم 2019، ثم لقاء تونس الودي بملعب الأخير.
وبعد اقتناعه التام باللعب لمنتخب بلده الأصلي، تقدم أسامة إدريسي بطلب للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) لتغيير جنسيته الرياضية، في شهر يناير/كانون الثاني 2019، وأعلن رسمياً حسم قراره، يوم 26 فبراير/شباط، ما جعله عرضة لسخط وانتقادات بعض المحللين الرياضيين وجزء من الجمهور الهولندي، فرد عليهم بكل لباقة، في أحد تصريحاته: "لم أختَر المغرب لأني ضد هولندا، لقد وُلدت ونشات هنّا بالثقافة الهولندية في هذا البلد الجميل، ولكن وبعد حديثي مع والدي حول مشواره الدولي وفي ظل الاهتمام الذي أولاه اتحاد الكرة المغربي تجاهي فإني حسمت الأمر لصالح بلد آبائي".
وخاض إدريسي أول مباراة بقميص المنتخب المغربي يوم 22 مارس/آذار 2019، وكلاعب أساسي أمام مضيفه منتخب مالاوي
(0-0) لحساب تصفيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم 2019، ثم شارك في بعض اللقاءات الودية، لكن المدرب رونار لم يعتمد عليه في الدور الأول لنهائيات "كان 2019 " بمصر، واكتفى بإشراكه في الـ22 دقيقة الأخيرة من المباراة التي انهزم فيها المغرب أمام بنين بركلات الترجيح في الدور ثمن النهائي للبطولة الإفريقية.. ولا يزال أسامة إلى غاية الآن لم يفرض نفسه في منتخب المغرب، رغم تغيير المدرب برحيل رونار وقدوم البوسني وحيد خاليلوزيتش.. وتلك حكاية أخرى مرتبطة بضرورة استعادة مستواه ضمن فريق أياكس أمستردام.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.