في عالم مليء بالتفاهة يجد المرء نفسه مكرهاً على اعتزال بعض الأماكن خاصة المشبعة بالتفاهة وعلى رأسها فيسبوك ويوتيوب.
إن كنت تفكر في مغادرة فيسبوك كما فعلت أنا منذ ثلاثة أشهر أو يزيد فهذا ما أنصحك به وبشدة، ولكن إذا أردت ابتعاد عن يوتيوب، فلا تفعل ذلك قبل أن تسمع نصيحتي
لحظة يا جماعة نفهم
إن شرب الخمر هروب من الواقع قبل كونه إدماناً، نفس الأمر ينطبق على فيسبوك وغيره من وسائل التواصل، إن النشوة التي تعري المخمور حين يكثر من الشراب نفسها التي تصاحب صاحب الصورة والمنشور التي نالت إعجاب عدد كبير من الناس، إن الإحساس بالقوة والغطرسة تستحوذ على أصحاب الصفحات المهمة والمجموعات الشبابية، كما تعتلي القوة المخمور الذي يعربد ويزمجر ظناً منه أنه ملك الدنيا.
إن الغرق في مقاطع الفيديو التي لا تنتهي يشابه غرق المخمور في مشاهد حياته مذ ولدته أمه، وفي مقاطعه وهو يقتل الأعداء أو وهو بين يدي حسناء روسية.
ببساطة لقد حل الخيال مكان الواقع، فأضحى التنكر للخيال حمقاً وغباوةً، كذلك يرى المخمور أن كل الناس حمقى ومجانين، وكذاك يفعل المجنون فهو يعتقد أن الناس جنوا وأنه أعقل العالقين، أليس الأمر شبيهاً بأصحاب الصفحات الإسلامية والإلحادية واليسارية، فالكل يرى نفسه أعقل العاقلين وما دونه أحمق لا يستحق، فترى الكل يقتنص لحظة سقوط المجنون في وحله كي يبدأ بالتفنن في السخرية منه.
بالدارجة المغربي نقول "تخلطو علينا العرارم"، أي ما معناه "تداخل الموضوعات"، نعم تداخلت الموضوعات وتكاثفت الظواهر؛ وتداخل الجزء مع الكل، والخاص مع العام، والجواني مع البراني؛ فما عرفنا ما الذي يحدث، لهذا قلنا "لحظة يا جماعة نفهم".
في عالمنا الآن ثلاثة عوالم وربما أكثر؛ لكنا سنكتفي بالعالَمين:
الأول: عالم فيسبوك عالم الحزن والكآبة والشكوى والوجع، عالم مفسري الأحلام ومحللين على باب الله، وبائعي الخردة المعرفية؛ والنشالين والمحتالين الإلكترونيين، والتتار والأتراك، أهل الله والهلاك، والفقراء والملاك، والفجار والنساك، فيها كلُّ من وطئ الثرى كما قال تميم البرغوثي.
فكل من خطر على بالك ابحث عنه في فيسبوك واسأل عن حاله، وإني لحاله لعارف، فهو مهموم مشغول بأحوال الأمة؛ أو ثائر متمرد على المجتمع والدين؛ وهو بين هذا وذاك يسرق من هذه صورة ومن تلك ضحكة، وحياته فيه أشبه بمهاجر غير شرعي قلق حيران، قلما يرتاح أو يهدء له بال، وكيف يفعل ومنشورات النكد تتقاطر عليه من كل مكان، فالميليشيات الحوثية دمرت عدن، وحفتر يدمر ليبيا، وأخبار فيضان الفلبين تملأ الصفحة الرئيسية، إنه الحزن والكدر.
الثاني: عالم إنستغرام، عالم وردي جميل المعالم لا حزن ولا كدر، الكل سعيد، خذ صورة مع سيارتك أو في المقهى واستمتع بصور الآخرين وهم على الشاطئ؛ وشاهد رقصة أو رقصتين. هنا عالم المتعة لا شيء يسرق ابتساماتك.
حاولنا في عالم إنستغرام أن نبني لك حصناً منيعاً من القصص يحميك شر الفقر والمعاناة، فهنا لا يمكنك أن تشاهد مواطناً يشتكي من غلاء فواتير الكهرباء، ولا أرملة تطلب العون، ولا حاجة من حوائج الفيس، هنا يا عزيزي نضمن لك المتعة فقط، سنفجر الدوبامين تفجيراً. فلا تقلق.
إنهما عالمان متوازيان، أشبه بفكرة مسلسل "Dark"، يحاول آدم، تدمير الزمن لتنتهي المعاناة، وعبثاً يحاول، إنه فخ، إنها الحزن لا ينتهي يا آدم، لهذا وضعنا لك إنستغرام، فغادر فيسبوك عالم المعاناة وتعال معنا للعالم الماتع.
لماذا غادرت فيسبوك؟
آدم يكتشف في نهاية المسلسل أن إيقاف دورة الزمن تستوجب منه الوقوف حائلاً دون خلق عالمه، الذي خُلق بالصدفة إثر انشطار نووي وقع بينما كان أحد العلماء يجري تجربة للسفر عبر الزمن، فيدرك آدم أن المطلوب إيقاف العالم، لكن العالم لن يقف ما لم يتم تغيير حدث أساسي، ألا وهو وفاة ابنه وزوجة ابنه وابنهما في حادث مروري.
هكذا يعود يونس ومارتا ويغيران الأحداث فينجو الابن، وهكذا لا يضطر الأب لصناعة آلته، وبالتالي لا يخلق عالم يونس ومارتا، ما يعني توقف الألم لكن في نفس الوقت عدم وجود آدم ومارتا في الأصل، إذن ينتهي المسلسل باختفاء عالم يونس ومارتا.
هكذا قررت، لاحظت أن الأحداث تتكرر، والألم يزداد ولا شيء يمكن فعله إزاء ضعفي أمام هذا المارد الأزرق، فقررت العودة بالزمن والبحث عن السبب الرئيس، فوجدته يوم أنشأت حسابي على فسبوك.
قررت ألا أنشئه، كأنه لم يكن فجأة اختفى من حياتي، نعم فقدت جزءاً من حياتي أو حياتي المزيفة الرائعة نوعاً ما ولكن ربحت كل شيء نفسي ووقتي وصحتي.
لطالما أحببت القراءة وتعلُّم الجديد، ولا أخفي عليك أن فيسبوك كان عائقاً ولسنوات طوال أمامي، لا أصدق كيف كان يفعل ذلك، لكنه بطريقة ما كان يبعدني عن الكتب وعن التعلم، ويجعل مني شخصاً كسولاً وسطحياً -لم أصبح عميقاً طبعاً- لأقصى درجة.
ربما يبدو الأمر كأنه مزحة، أو سأبدو بشكل شخص ضعيف يقهره موقع افتراضي، أعترف أنا أمامه ضعيف للغاية فقل ما شئت يا صديقي.
على أني متأكد أني واحد من مليون شخص على الأقل. فقط عليك أن تسأل.
ماذا عن يوتيوب؟
كذلك يوتيوب شأنه شأن فيسبوك مليء بالتفاهة، ويساهم بشكل كبير للغاية في إضاعة وقتك، ولكن يشفع ليوتيوب وجود قنوات تعليمية مميزة، ودورات كثيرة للغاية، وإذا ما قارنا نسبة الاستفادة من يوتيوب مع نسب الاستفادة من الفيس مثلاً، فالفارق شاسع.
ارتباطاً بالدورات وقبل قرارك بمغادرة يوتيوب أنصحك صديقي بأن تتجه الآن إلى خانة البحث في منصة يوتيوب وتكتب محاضرات "المهندس أيمن عبدالرحيم".
ما الذي ستجده؟ ليس عليّ أن أخبرك كل شيء، لكن ما يمكنني أن أقوله لك، هو أن ستجد ما تبحث عنه، نعم أنا جد متأكد من هذا، كيف ذلك؟
إذا كنت شخصاً محباً للمعرفة والعلم، فلا شك أنك ستجد ضالتك في هذا الرجل، وإذا كنت شخصاً تائهاً حيّرته الأسئلة فالمهندس سيجيبك بطريقة رائعة، أما إن كنت ممن قضوا حياتهم وهم يحتقرون أمتهم وتاريخهم، فمحاضرات المهندس أيمن علاج مناسب لك.
لست أبالغ إن قلت إن معرفة المهندس أيمن أفضل شيء حصل لي في العالم الافتراضي، نعم هذا الرجل المسجون الآن في سجون السيسي دون ذنب ودون محاكمة حتى، علمني الكثير، وأنا الذي كنت أعتقد أني أعرف الكثير، فلما استمعت إليه أدركت مدى جهلي.
عليك صديقي، عليكِ أختي الكريمة، بالمهندس أيمن عبدالرحيم، استمعوا له وانشروا مقاطعه، وادعوا معه لعل الله يفك كربته، ويفلته من سجّانه الذي ظلمه وآذاه من غير ذنب.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.