في أول مكالمة هاتفية بينهما جرت الأسبوع الماضي، طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، الرئيس الأمريكي جو بايدن، بالإبقاء على العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب على المحكمة الجنائية الدولية.
إذ يخشى المسؤولون الإسرائيليون من أن رفع العقوبات عن كبار المسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية سيعرقل جهود تل أبيب في وقف التحقيق المحتمل في جرائم الحرب التي ارتكبتها في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد تعتبره المدعية العام للمحكمة الدولية، فاتو بنسودا، إشارة على أن الولايات المتحدة لا تعارض بشدة التحقيق.
كما أوضح دبلوماسيون إسرائيليون لنظرائهم الأمريكيين أنه حتى لو لم توافق إدارة بايدن على العقوبات المفروضة على المحكمة الجنائية الدولية، يجب أن تبقيها في مكانها لتكون وسيلة ضغط لإقناع بنسودا وخليفتها بعدم متابعة التحقيقات في أفغانستان، أو الضفة الغربية وغزة، لافتين إلى أن هذه المسألة طُرِحَت أيضاً في مكالمة هاتفية مؤخراً بين وزيري الخارجية الأمريكي والإسرائيلي، بلينكن وأشكنازي.
كانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت، يوم الجمعة 5 فبراير/شباط 2021، قراراً يقضي بولايتها القضائية على جرائم الحرب التي وقعت في الأراضي الفلسطينية المُحتلة منذ عام 1967، ما يفتح المجال أمام تحقيق محتمل، وسط ترحيب فلسطيني وتنديد إسرائيلي.
جاء ذلك في إطار موافقة المحكمة (مقرها لاهاي) على التحقيق في جرائم حرب محتملة، قالت إن إسرائيل ارتكبتها بحق الفلسطينيين.
يشار إلى أن ترامب أصدر منتصف العام الماضي أمراً تنفيذياً يقضي بفرض عقوبات على مسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية، على خلفية التحقيق في "جرائم حرب محتملة" ارتكبت بأفغانستان. وشمل قرار ترامب فرض عقوبات اقتصادية على موظفي المحكمة، المعنيين بالتحقيق مباشرة مع مسؤولين أمريكيين، وتعليق إصدار تأشيرات دخول لهم ولعائلاتهم.
موقع Axios الأمريكي قال في تقرير له نُشر يوم الأربعاء 24 فبراير/شباط 2021، إن "إسرائيل قلقة للغاية من أن أي تحقيق قد يؤدي إلى إصدار مذكرات اعتقال دولية ضد مسؤولين وضباط جيش إسرائيليين، ويمكن أن يُعزِز حملات حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات ضد إسرائيل"، مؤكداً أن تل أبيب طلبت من عشرات الحلفاء نقل "رسالة سرية" لحث المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية على عدم المضيّ قدماً في التحقيق.
أول اتصال بين نتنياهو وبايدن
كان نتنياهو قد صرّح يوم الخميس 18 فبراير/شباط الجاري، في حفل تأبين للجنود الذين فُقِدوا خلال مهام: "في مكالمتي الهاتفية مع الرئيس بايدن، تحدثنا عن التزامنا الأخلاقي بحماية جنودنا ضد أولئك الذين يحاولون تشويه معنوياتهم بادعاءات كاذبة".
مرّت تعليقات نتنياهو مرور الكرام، لكن المسؤولين الإسرائيليين قالوا لموقع Axios، إنه كان يلمح إلى تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية المحتملة ضد الجنود الإسرائيليين والأمريكيين.
بينما رفض مكتب نتنياهو، وكذلك البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية التعليق على هذا الأمر.
ففي يوم الأربعاء 17 فبراير/شباط 2021، أجرى بايدن أول اتصال هاتفي طال انتظاره مع نتنياهو بعد تأخر دفع واشنطن لنفي أنه كان تجاهلاً للمسؤول الإسرائيلي.
كانت هناك تكهنات بأن بايدن لجأ لتأخير هذا الاتصال كتعبير عن استيائه من العلاقات الوثيقة بين نتنياهو وترامب.
فيما قال مكتب نتنياهو، في بيان، إنهما تحدثا لنحو ساعة عن قضايا من بينها "التهديد الإيراني" وعلاقات إسرائيل الناشئة مع الدول العربية والإسلامية.
وذكر البيت الأبيض، في بيان، أنهما ناقشا قضايا من بينها ضرورة "استمرار التشاور الوثيق" بخصوص إيران، لافتاً إلى أن المحادثة كانت "طيبة".
يذكر أنه بالرغم من أن الولايات المتحدة ليست أيضاً طرفاً في نظام روما الأساسي، فإن لها صدامات مع المحكمة الجنائية الدولية، التي صوّتت في مارس/آذار الماضي بالموافقة على التحقيق في الحرب في أفغانستان، الذي قد يشمل إدانات للقوات ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
رداً على ذلك، استشاط ترامب غضباً، وفرض عقوبات على مسؤولي المحكمة الدولية. كما توعد وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، مايك بومبيو، بمزيد من التصعيد إذا بدأت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً في الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل.
جرائم حرب محتملة
يذكر أن نص قرار المحكمة الجنائية الدولية تضمن موافقة المحكمة على التحقيق في جرائم حرب محتملة من قِبل إسرائيل بالأراضي الفلسطينية. وتقرر أن اختصاصها يمتد إلى الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل منذ حرب الأيام الستة عام 1967، وهي غزة والضفة الغربية، وضمن ذلك القدس الشرقية".
حيث استند القرار إلى قواعد الاختصاصات القضائية المنصوص عليها في وثائق تأسيس المحكمة الجنائية الدولية، ولا يشمل أي محاولة لتحديد وضع دولة أو حدود قانونية.
كانت المدعية العامة للمحكمة، فاتو بنسودا، قد قالت في ديسمبر/كانون الأول 2019، إن هناك "أساساً معقولاً لاعتقاد أن جرائم حرب ارتُكبت أو ترتكب في الضفة الغربية، وضمن ذلك القدس الشرقية، وقطاع غزة".
لكنها طلبت حينها من المحكمة تحديد ما إذا كان لها اختصاص إقليمي قبل متابعة القضية، مشيرة إلى أن تحقيقاتها ستنظر أيضا في تصرفات حركة "حماس"، التي أطلقت الصواريخ بشكل عشوائي على إسرائيل خلال حرب عام 2014.
فيما رفضت إسرائيل الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية.
لكن فلسطين انضمت إلى المحكمة في عام 2015، فيما لا تزال إسرائيل غير عضوة فيها.