منذ فترة ليست بالقليلة، كنت أفكِّر في اعتزال منصات التواصل الاجتماعي لأكثر من سبب، أهمها.. قلة القيمة التي يمكنني إضافتها في فضاء بات ملوثاً بكمّ هائل من المعلومات الكاذبة والآراء المريضة والنفسيات المُتعبة.. خصوصاً في منصة الفيسبوك التي باتت كدار عجزة من قليلي الهمة الذين لا يقوون على إجراء نقاش حضاري يستند إلى المنطق من جهة، والمعلومة الموثَّقة من جهة أخرى، فضلاً عن كثرة الحسابات الوهمية والذباب الإلكتروني الذي يتم توظيفه لتشويه كل قيمنا الجميلة، حتى باتت تلك المنصات لا تحتمل وجودنا فيها لطرح آرائنا بأريحية وسعة صدر، وأصبحنا في كل مرة نخرج منها مُرهقين ومُحبطين من كثرة الجدال والهرج بدل شحن الطاقات والحصول على الأمل في غد أفضل.
أمر آخر جعلني أنفر من منصات التواصل الاجتماعي والعودة من جديد للاستثمار في منصتي الخاصة التي هجرتها منذ فترة للكتابة في الفيسبوك وغيره، هو ديكتاتورية القائمين على تلك المنصات أمثال "مارك زوكربيرغ" مؤسس فيسبوك ورئيسها التنفيذي الذي يمكنه الحكم عليك بالإعدام وإلغاء حياتك الافتراضية وجهد السنين في ثوانٍ معدودة، فقط إن حاولت أن تُعبِّر عن رأيك وفقاً لمبادئك التي تؤمن بها والتي دائماً ما تُخالف مبادئ ذلك الديكتاتور، فقررتُ العودة إلى موقعي الخاص والكتابة فيه، لأكون المُتحكِّم الوحيد بمصيري الافتراضي، وأن أحافظ على إرثي الكتابي في محاولة لإثراء المحتوى العربي.
أضف إلى كل ما تقدم، مبالغة المتابعين في طلباتهم التي بأغلب الأحيان لا تعكس أي تقدير للوقت والجهد المبذولين، فتجدهم يطالبونك بما لا تطيق، على سبيل المثال، منذ فترة اعتدت صنع فيديو يومي بقناتي على اليوتيوب أناقش فيه قضية معينة وكنت أتوقع دعماً لذلك الجهد ومناقشة الأفكار المطروحة، لكن كانت هنالك بعض المداخلات العجيبة التي كانت حول ضعف جودة التصوير واستغرابهم أني لا أستخدم كاميرا عالية الجودة، وآخر ينتقد تصويري في غرفة نومي التي اقتطعت منها جزءاً لمكتبي المنزلي، فقط لأنه شاهد طرف السرير يظهر في التصوير، وتساءل لماذا لا أنفق مالاً لاستئجار أستديو ليظهر الفيديو أكثر احترافية؟! كأن لدي ميزانية مفتوحة ومُموِّلاً يدعمني في مسيرتي التطوعية التي لا أجني منها أي مال! طبعاً أنا متفهم أنَّ تلك التعليقات قد تكون وراءها نية طيبة، لكنها كانت مستفزة ومحبطة.. ليس لأنها لا تمدح العمل الذي أقوم به، ولكن لأنها لا تعكس منطقية في التفكير والنظر إلى الأمور بشكل سليم.
محاولة أخرى، عندما أصدرت كتابي الأول في سبتمبر/أيلول الماضي (أرض الميعاد–روايتي عن عالم لا نفهمه)، الذي استغرق تأليفه خمس سنوات وضعت فيه عصارة خبرتي عن الحياة في كندا، وتكلَّفت المال الكثير لنشره على حسابي الخاص، اصطدمت بنوعية غريبة جداً من القرَّاء تطالبني بتوفير الكتاب في أماكن وجودهم وأمام عتبات بيوتهم! فضلاً عن أولئك الذي طالبوني بأن أتقي الله وأن أوفره بالمجان! دون التفكير بالمؤلف وجهده ووقته والتحديات التي تعصف به، المؤسف أننا بعد ذلك نتساءل: لماذا المفكرون العرب فقراء ولا يستطيعون الاستمرار في العطاء؟!
بين كل هذا الظلام الذي بات يعتري منصات التواصل الاجتماعي، ظهر لنا تطبيق يُدعى (كلوب هوس–Clubhouse)، أعاد لنا الأمل من جديد للتواصل مع نخبة مثقفة –غير مستهلكة– ترغب في تغيير الواقع والارتقاء به بعيداً عن القيل والقال والعقول المرتخية التي لا تستطيع استيعاب التطور كما ينبغي.
ما يميز هذا التطبيق أنه أزال عن ظهور الكُتَّاب والمؤثرين وصانعي المحتوى الكثير من الجهد المبذول، فعلى سبيل المثال في منصة مثل الفيسبوك، أحتاج إلى كثير من الجهد في الكتابة والتصوير وملء صفحتي بكثير من المنشورات اليومية حتى أتمكن من لفت انتباه الرأي العام وأحظى بمتابعة، بينما في كلوب هاوس لا أحتاج سوى صوتي أتواصل من خلاله مع مَن يريد مشاركة خبراته والنقاش بكل سهولة ويُسر.
أنا أعلم أنَّ فكرة التطبيق ليست جديدة وفكرة الغرف الصوتية كانت موجودة منذ سنين، لكنها لم تعد تحظى بذلك الانتشار مع اكتساح فيسبوك للعالم الافتراضي، وقد يكون من حُسن حظ كلوب هاوس أنه أتى بعد ملل الناس من الفيسبوك ونفورهم من توغله والفضائح التي عصفت به خلال السنوات الماضية.
بدأت مع كلوب هاوس منذ أربعة أيام تقريباً، وهذه المدة البسيطة كانت كفيلة بأن تمنحني فرصة للتواصل مع أشخاص حقيقيين بعيداً عن الحسابات الوهمية والذباب الإلكتروني، لمشاركة خبرات ثرية والاستماع إلى نخبة محترمة والتي غالباً لا يسهل الوصول لها والتحاور معها بشكل مباشر في منصات مثل الفيسبوك والتويتر.
بالطبع هنالك بعض الغرف التافهة التي ستتعثَّر بها في كلوب هاوس، لكنك لست مضطراً للدخول إليها وإضاعة وقتك فيها، وإذا تعلمت كيف تستثمر وقتك هناك، فستكون كل دقيقة داخل ذلك التطبيق بمثابة دورة تدريبية تتعلم منها الكثير!
من سيئات تلك التطبيقات أنك قد تُدمنها وتقضي فيها الساعات الطوال دون أن تشعر، فلابد أن يكون الإنسان منتبهاً إلى ذلك وأن يخرج من الغرفة الحوارية لحظة ما يشعر بأن الاستفادة بدأت تقل، وأنه ليس لديه ما يشاركه مع الآخرين.
في اعتقادي أنَّ كلوب هاوس قد يصبح بديلاً مهماً لكثير من المنصات المشهورة، من خلال استقطاب النخبة النافعة إليه والذي بدأ بالفعل، وأهم شيء ألا يحاول "زوكربيرغ" الاستيلاء عليه من خلال شرائه كما فعل مع غيره من المنصات، ليصبح أداة مُسيَّسة في يد ديكتاتور وادي السيليكون.
حسابي على كلوب هاوس هو (@HusseinYounes) وأتمنى أن أجدكم هناك في
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.