حدد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الجمعة 19 فبراير/شباط 2021، خطاً شديد التناقض مع السياسة الخارجية لسلفه دونالد ترامب، وتعهد بـ"عودة التحالف بين ضفتي الأطلسي"، في خطاب سعى إلى إعادة ترسيخ موقع أمريكا في قيادة الغرب، ضد ما وصفه بالهجوم العالمي على الديمقراطية.
سياسة خارجية جديدة لأمريكا
الرئيس الديمقراطي الذي أدى اليمين قبل شهر، استغل أول ظهور كبير له على الساحة العالمية، في "زيارة افتراضية" إلى أوروبا، في محاولة لإعادة الولايات المتحدة كلاعب ضمن فريق متعدد الأطراف، بعد أربع سنوات من سياسات "أمريكا أولاً" التي انتهجها ترامب.
ففي خطاب ألقاه عبر الإنترنت أمام مؤتمر ميونيخ للأمن، تحدث بايدن عن السياسة الخارجية الجديدة لبلاده، مخالفة لما فعله ترامب الذي الذي أغضب الحلفاء بخرقه الاتفاقات العالمية، والتهديد بإنهاء المساعدة الدفاعية، ما لم يلتزموا بطريقته، بحسب ما أوردته وكالة رويترز.
بايدن قال أمام قادة دول عدة حول العالم: "أعرف أن السنوات القليلة الماضية أدت إلى توتر واختبرت علاقتنا عبر الأطلسي، لكن الولايات المتحدة عازمة، عازمة، على إعادة التواصل مع أوروبا، على التشاور معكم واستعادة مكانتنا في القيادة الموثوق بها".
قبل عدة سنوات كمواطن عادي في مؤتمر ميونيخ للأمن، طمأن بايدن المشاركين الذين صدمتهم سياسة ترامب، قائلاً لهم "سنعود". وأمس الجمعة، قال: "أمريكا عادت".
كذلك حث بايدن حلفاء الولايات المتحدة التقليديين على أن يثقوا مرة أخرى في قيادة واشنطن، وقال من البيت الأبيض "أتحدث إليكم اليوم كرئيس للولايات المتحدة، في بداية إدارتي، وأبعث برسالة واضحة إلى العالم: الولايات المتحدة عادت، لقد عاد التحالف العابر للأطلسي".
ترافق الخطاب الذي ألقاه بايدن أمام مؤتمر ميونيخ السنوي للأمن، مع ترحيب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالعودة إلى "التعددية" بعد سنوات المواجهة التي اتسم بها عهد سلف بايدن دونالد ترامب.
من جانبه، قال مسؤول كبير بالإدارة إن رسالة التعاون كانت مشابهة لرسالته خلال مؤتمر خاص بالفيديو في وقت سابق أمس الجمعة، مع قادة مجموعة الدول السبع وهي بريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان.
كما أن بايدن يخطط للانضمام إلى أعضاء المجموعة في قمة تستضيفها بريطانيا هذا الصيف، وقال إن إدارته عازمة مرة أخرى على بناء التحالفات، على عكس سياسات ترامب الانعزالية والمعاملة القاسية لشركاء الولايات المتحدة.
وقال بايدن إن الشراكات مع الولايات المتحدة استمرت ونمت على مر السنين لأنها "كانت متجذرة في ثراء قيمنا الديمقراطية المشتركة (…) إنها ليست معاملات تجارية. إنها ليست استنزافية، إنها مبنية على رؤية للمستقبل حيث يكون لكل صوت أهمية".
مواجهة تهديدات روسيا والصين
في سياق متصل، أكّد الرئيس الأمريكي الجديد أنه لا ينوي "العودة إلى تكتّلات الحرب الباردة الجامدة"، مشيراً إلى ضرورة عمل الأسرة الدولية معاً على مسائل مثل جائحة كوفيد-19 والتغير المناخي حتى مع وجود اختلافات عميقة حول مسائل أخرى، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.
أشار بايدن كذلك إلى أن عودة الولايات المتحدة، اعتباراً من الجمعة، إلى اتفاقية باريس للمناخ دليل على نوايا واشنطن، وقال في هذا الصدد: "لم يعد بإمكاننا تأخير أو عمل الحد الأدنى لمعالجة تغير المناخ"، واصفاً ذلك بـ"أزمة وجودية عالمية".
كما حذّر بايدن بشدة من التهديدات التي تشكلها روسيا والصين، وقال إن "الكرملين يهاجم ديمقراطياتنا (…) يستخدم الفساد كسلاح لمحاولة تقويض نظام حكمنا"، مضيفاً أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى لإضعاف المشروع الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
كما حضّ بايدن حلفاء بلاده على العمل معاً لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية الصينية، وقال "علينا الاستعداد معاً لمنافسة استراتيجية بعيدة الأمد من الصين… علينا ضمان أن تتم مشاركة فوائد النمو بشكل واسع وبالتساوي، ليس من قبل البعض فقط".
كما اعتبر بايدن بأنه بالإمكان "مواجهة انتهاكات الحكومة الصينية الاقتصادية والإكراه وتقويض أسس النظام الاقتصادي العالمي (…) الشركات الصينية يجب أيضاً أن تخضع لنفس المعايير الشديدة التي تواجهها الشركات الأمريكية والأوروبية الموجودة في الصين".
من جهته، حذّر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ من أنه على الحلفاء الغربيين وشركائهم إقامة علاقات أقوى في مواجهة "عواقب" صعود الصين على الأمن عبر الأطلسي.
ستولتنبرغ قال خلال المؤتمر إن "صعود الصين يعد مسألة مصيرية بالنسبة للمجتمع الأطلسي مع عواقب محتملة على أمننا وازدهارنا وأسلوب حياتنا"، مضيفاً: "لذلك ينبغي على حلف شمال الأطلسي تعميق العلاقات مع شركائنا المقرّبين، مثل أستراليا واليابان، وإقامة علاقات أخرى حول العالم".
أما في الملف الإيراني، فأكد بايدن أن على الولايات المتحدة العمل مع القوى الكبرى في العالم "للتعامل" مع أنشطة إيران "المزعزعة للاستقرار"، وقال إن إدارته "مستعدة لإعادة الانخراط في المفاوضات" مع مجلس الأمن الدولي بشأن برنامج طهران النووي.