وسط انتقادات حقوقية محلية ودولية، قررت نيابة أمن الدولة العليا في مصر، الخميس 18 فبراير/شباط 2021، تجديد حبس الطالب والباحث أحمد سمير، لمدة 15 يوماً احتياطياً على ذمة التحقيقات في اتهامه بالانضمام لجماعة "إرهابية". فيما قالت أسرته إنه تعرّض للتعذيب.
إذ يواجه سمير، وفقاً لما نشرته وسائل إعلام محلية، اتهامات بـ"الانضمام لجماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، ونشر أخبار وبيانات كاذبة، وإساءة استخدام حساب خاص على شبكة المعلومات الدولية"، حسب تلك الاتهامات.
كان سمير، وهو طالب ماجستير في الجامعة المركزية الأوروبية CEU بالنمسا، قد عاد إلى مصر في عطلة دراسية، لزيارة أسرته والاستجمام. وكان قد بدأ دراسته فيها في الأنثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية في سبتمبر/أيلول 2019.
إلا أنه في 23 يناير/كانون الثاني 2021، فوجئت أسرة سمير بقوة من جهاز الأمن الوطني تقتحم المنزل بمنطقة التجمع الأول في محافظة القاهرة، وقاموا بتفتيش المنزل وتحفظوا على جهاز DVR الخاص بكاميرات المراقبة، كان سمير آنذاك في رحلة إلى مدينة دهب جنوب سيناء، وطلبوا من أسرته حضوره إلى قسم شرطة التجمع الخامس، وعندما عاد من الإجازة ذهب إلى قسم الشرطة يوم السبت 30 يناير/كانون الثاني 2021، وأبلغوه أن يحضر مرة أخرى يوم الإثنين 1 فبراير/شباط الجاري، وهو ما قام به بالفعل، لكنه اختفى من وقتها.
حسب موقع Middle East Eye البريطاني، واجه سمير مضايقات، بسبب أبحاثه حول الحقوق الإنجابية بمصر، فضلاً عن دوره المزعوم في صفحة مناهضة للحكومة على الفيسبوك.
وتخشى أسرة سمير على سلامته بعد أن اتهم قوات الأمن المحلية بتعذيبه وضربه.
من جهتها، أكدت منظمة العفو الدولية أنه منذ اعتقال سمير في 1 فبراير/شباط 2021، تعرَّض للاختفاء القسري لمدة خمسة أيام. وفي أثناء تلك المدة، اعتدى عليه أفراد قوات الأمن بالضرب، وأبقوا عينيه معصوبتين في أحد أماكن الاحتجاز، خلال استجوابه بشأن مشاركاته عبر وسائل التواصل الاجتماعي وأبحاثه الأكاديمية، مطالبة بالإفراج عنه فوراً ودون قيد أو شرط.
"أداة شريرة للقمع"
كانت نيابة أمن الدولة العليا قد أمرت، في 6 فبراير/شباط 2021، باحتجاز سمير على ذمة التحقيقات في تهم متعلقة بالإرهاب، ومُنع من الاتصال بأسرته، ما أثار بواعث القلق حيال حالته الصحية وسط تفشي فيروس كوفيد-19 في سجون مصر المكتظة التي تتسم بأوضاع احتجاز غير صحية.
تجدر الإشارة إلى أن العديد من المنظمات المحلية والدولي اتهمت نيابة أمن الدولة العليا في مصر بأنها دائماً ما تسيء استخدام قانون مكافحة الإرهاب بشكل روتيني، لملاحقة الآلاف من المنتقدين السلميين للحكومة، وتعطيل ضمانات المحاكمة العادلة، واصفين إياها بأنها "أداة شريرة للقمع".
التضييق على الباحثين
كما أدانت مؤسسة حرية الفكر والتعبير (منظمة حقوقية مستقلة) واقعة اعتقال سمير، مطالبةً وزارة الداخلية المصرية بإطلاق سراحه، والتوقف عن نهج ملاحقة والقبض على الباحثين، وانتهاك حقوقهم، وتعطيل دراستهم.
يأتي القبض على سمير، ليؤكد -وفقاً لمؤسسة حرية الفكر والتعبير- "نمطاً من التضييق على الباحثين والبحث العلمي في مصر، حيث يكمل الباحث باتريك جورج ذكي، طالب الماجستير في جامعة بولونيا بإيطاليا، الشهر الجاري، عاماً من الحبس الاحتياطي، بعد أن تم القبض عليه في مطار القاهرة أثناء عودته لقضاء إجازة دراسية في فبراير/شباط 2020، وقبله كان القبض على باحث الدكتوراه بجامعة واشنطن وليد سالم في 23 مارس/آذار 2018، عقب لقائه أستاذاً جامعياً، في إطار عمله على بحث الدكتوراه الخاص به".
المؤسسة الحقوقية أكدت أن هذا النهج يذكّر أيضاً بما حدث من اختفاء لباحث الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني من جامعة كامبريدج، في يناير/كانون الثاني 2016، وكان زائراً للجامعة الأمريكية بالقاهرة لعمل رسالة دكتوراه عن تجربة نقابة الباعة الجائلين المستقلة كنموذج للنقابات المستقلة في مصر، وهو ما انتهى بالعثور على جثته وعليها آثار تعذيب. وتسببت هذه الواقعة في مزيد من تدهور حرية البحث العلمي بمصر، وزيادة مخاوف العديد من الجامعات الدولية من التعاون مع الجامعات المصرية، أو إرسال باحثيها إلى مصر.
انتقادات حقوقية متواصلة
جدير بالذكر أن الملف الحقوقي المصري يشهد انتقادات دولية من قِبل جهات مختلفة من فترة لأخرى، إلا أن تلك الانتقادات تصاعدت خلال الفترة الماضية.
وتقول منظمات حقوقية محلية ودولية، إن مصر في ظل حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي تشهد أسوأ أزمة حقوقية منذ عقود، حيث اعتقلت السلطات عشرات الآلاف من المعارضين السلميين، ويرتكب عناصر الأمن روتينياً انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، من ضمنها التعذيب والإخفاء القسري والإعدامات خارج نطاق القضاء، في ظل إفلات شبه تام من العقاب.
وتصف المنظمات الحقوقية ظروف الاحتجاز بالمروّعة والتي أدت إلى وفاة مئات السجناء، ومن ضمنهم معتقلون سياسيون، في الاحتجاز، بسبب ما وصفوه بالإهمال الطلي المتعمد، بسبب نقص أو انعدام الرعاية الصحية، وكان من بينهم الرئيس الراحل محمد مرسي.