لا شكّ أنّ الطماطم في الوقت الحالي تعتبر واحدة من أكثر أنواع الخضراوات التي يتناولها الناس، لكنها في الماضي لم تكن كذلك، فبعض الشعوب بقيت خائفةً منها طوال 200 عام، وشعوب أخرى أصدرت فتاوى شرعية بتحريمها، فما قصة هذه الخرافات الغريبة عن الطماطم؟
الخرافات الغريبة عن الطماطم
في أواخر القرن الثامن عشر كانت نسبة لا يُستهان بها من الأوروبيين يخافون من الطماطم، إذ كانوا يلقبونها بـ"التفاحة السامة"؛ إذ ساد اعتقاد لديهم بأنها تسبَّبت في مرض بعض الأرستقراطيين وموتهم بعد تناولها.
لكن حقيقة الأمر أن الأثرياء الأوروبيين كانوا يستخدمون أطباقاً من سبائك البيوتر التي كانت تحتوي على نسبة عالية من الرصاص.
ونظراً لحموضة الطماطم العالية جداً فقد كان يتسرب إليها الرصاص عندما كانت توضع على هذه الأطباق، ما أدى إلى العديد من الوفيات، إثر التسمم بالرصاص، وفقاً لما ذكرته مجلّة Smithsonian Magazine الأمريكية.
آنذاك لم يربط أحد بين هذا المعدن في أطباق المائدة والتسمم، ووجهت أصابع الاتهام إلى ثمر الطماطم باعتباره الجاني لأكثر من 200 عام.
صُنِّفت بأنها عشبة باذنجانية قاتلة أيضاً!
ويقول أندرو سميث في كتابه The Tomato in America: Early History, Culture, and Cookery (يمكنك تحميله من هنا)، إن الاتهامات الموجَّهة للطماطم لم تقتصر فحسب على التسمم بالرصاص، فقبل أن تشقَّ الفاكهة طريقها إلى المائدة في أمريكا الشمالية، صُنفت كعشبة باذنجانية قاتلة، وهي عائلة من النباتات التي تحتوي على سموم تُعرف بمجموعة قلويدات تروبان.
وفي أحد أقدم المراجع الأوروبية المعروفة عن الطعام، أعدها عالم الأعشاب الإيطالي بيترو أندريه ماتثيولي، صُنفت الطماطم، التي وصفها بـ"التفاحة الذهبية" كعشبة باذنجانية تندرج تحت فئة الماندريك، وهي فئة من الأطعمة تُعرف بأثرها المنشط للشهوة الجنسية.
الأوروبيون جلبوها للزينة قبل أن يكتشفوا أنها تؤكل
كان الأوروبيون يُعتقدون أيضاً أن الموقع الأفضل لتناول الطماطم هو البلدان الأكثر حرارة، مثل منشأ هذه الفاكهة في أمريكا الوسطى، إذ أكلت قبائل الأزتيك الطماطم في وقت مبكر من التاريخ، حوالي عام 700، وسُميت آنذاك بـ"توماتل"، بلغة السكان الأصليين في أمريكا الشمالية، ولم تُزرع في بريطانيا حتى تسعينيات القرن التاسع عشر.
وكان يُعتقد أن الغزاة الإسبان العائدين من البعثات الاستكشافية في المكسيك وأجزاء أخرى من أمريكا الوسطى قد أدخلوا بذور الطماطم لأول مرة إلى جنوب أوروبا، في أوائل القرن السادس عشر.
يُرجع بعض الباحثين الفضل إلى الجندي الإسباني إرنان كورتيس في جلب البذور إلى أوروبا عام 1519 لأغراض الزينة.
وحتى أواخر القرن التاسع عشر، كانت زراعة الطماطم في المناطق ذات المناخ البارد تقتصر على أغراض الزينة في الحدائق لا الأكل.
أشير لأول مرة إلى وجود الطماطم بمستعمرات بريطانيا في أمريكا الشمالية في كتاب عالم الأعشاب ويليام سالمون Botanologia، الذي طُبع عام 1710، ما عزّز انتشار الطماطم في كارولينا.
ولاقت الطماطم قبولاً للأكل في العديد من المناطق، لكن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن موحدة في القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر. لذا ذاع صيتها ببطء، وصاحب ذكرها الكثير من الأساطير وتساؤلات المزارعين، وتعلم الكثيرون آنذاك زراعتها، لكنهم لم يعرفوا بعد كيفية طبخها.
بحلول عام 1822، ظهرت المئات من وصفات الطماطم في الدوريات والصحف المحلية، لكن المخاوف والشائعات حول احتمال سُميّة الطماطم ظلت قائمة.
ظهور دودة الطماطم الخضراء أرعب الأمريكيين
وبحلول ثلاثينيات القرن التاسع عشر، عندما زُرعت الطماطم -التي لقبت بـ"تفاحة الحب"- في نيويورك، حازت اهتماماً من نوع جديد، إذ اجتاحت دودة الطماطم الخضراء -التي يبلغ طولها من 3 إلى 4 بوصات ويخرج قرن من ظهرها- ثمار الطماطم في جميع أنحاء الولاية، وكان يعتقد أن أدنى احتكاك بتلك الدودة قد يؤدي إلى الموت.
وفي الفترة نفسها تقريباً، نقلت صحيفة The Syracuse Standard عن شخص في نيويورك يُدعى دكتور فولر، قوله إنه وجد دودة طماطم طولها 5 بوصات في حديقته.
وقد احتجز الدودة في زجاجة، وقال إنها "سامة مثل الأفعى الجرسية" عندما تلقي سمها على فريستها.
وفقاً لرواية فولر، بمجرد ملامسة بصاق الدودة ينتفخ الجلد على الفور، وبعد ساعات قليلة تموت الضحية، وقال إن دودة الطماطم "عدو جديد للوجود البشري".
لكن لحسن الحظ، قال عالم حشرات يدعى بنيامين والش، إن دودة الطماطم المخيفة لا تتسبب في أي ضرر على الإطلاق.
ويبدو أن الهلع قد توارى لاحقاً، فمع ظهور الجمعيات الزراعية، بدأ المزارعون في دراسة استخدام الطماطم بتمعّن، وجرَّبوا أصنافاً مختلفة.
ووفقاً لسميث، كان اسم الطماطم يحظى بتقدير كبير، لدرجة أنه استُخدم لبيع نباتات أخرى في السوق في الخمسينيات من القرن التاسع عشر.
وبحلول عام 1897، اكتشف المبتكر جوزيف كامبل أن الطماطم تُحفظ بحالة جيدة عند تعليب حساء الطماطم المكثف وبيعه.
العثمانيون منعوا تناول الطماطم
وصلت الطماطم إلى الدولة العثمانية بعد فتح السلطان محمد الفاتح مدينة القسطنطينية (إسطنبول) في القرن الخامس عشر.
ووفقاً لما ذكره موقع Steemit فإنه تم العثور على مخطوطة في قصر توبكابي، تشير إلى أنّ السلطان الفاتح كان يحب الطماطم بشكل كبير، حتى بات العثمانيون يزرعونها، لاسميا في منطقة إزنيك التابعة لولاية بورصة.
وعندما علم البيزنطيون بذلك حاولوا قتل السلطان، عن طريق إرسال شحنة طماطم تحتوي على السم، لكنّ الفاتح اكتشف الأمر وقام بحظر تناول الطماطم، ويقال إنّ هذا الحظر لم يُرفع سوى بعد 280 عاماً.
سُميت في بلاد الشام "مؤخرة الشيطان"
وفي القرن الـ19 لم تلق الطماطم عند وصولها إلى بلاد الشام استحسان السكان، الذين اشمأزوا من أكلها أو حتى زراعتها، فأطلقوا عليها اسم "مؤخرة الشيطان"، وفقاً لما ذكر الكاتب والمفكر السوري جورج طرابيشي في كتابه "من النهضة إلى الردة" (يمكنك تحميله من هنا).
ويضيف الكاتب أنّ الأمر وصل إلى حد إصدار مفتي مدينة حلب فتوى شرعية لتحريم أكلها، لكنّ هذه الفتوى لم تستمر سوى لفترة قصيرة قبل أن يتقبل الناس تناولها.
ويُذكر أنّ الطماطم تُسمى في معظم مناطق بلاد الشام باسم "بندورة"، تحريفاً لاسمها الإيطالي Pomma Dora، في حين تسمى في مدينة حلب باسم "الفرنجي"، في إشارة إلى أصلها الغربي.