مع استمرار فرض إيران والولايات المتحدة شروطاً وشروطاً مضادة فيما يتعلق بمسألة العودة إلى الاتفاق النووي، تصاعد الحديث بين الخبراء، حول احتمالات قيام إدارة بايدن بمواصلة سياسات العقوبات التي فرضها سلفها ترامب على إيران.
ففيما يفكر المسؤولون في واشنطن بالعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، تركَّز معظم النقاش حول ما إن كانت الحكومة الأمريكية ستخسر النفوذ أم لا جراء رفع العقوبات.
ويحاجج بعض الخبراء والمسؤولين بأنه في حال أعادت إدارة بايدن الانضمام إلى الاتفاق النووي، فإنَّ الولايات المتحدة ستبدد النفوذ الذي بنته في السنوات الأخيرة من خلال استراتيجية الضغوط القصوى للرئيس السابق دونالد ترامب.
ويأتي هذا الجدل في ظل استمرار إيران في توسيع برنامجها النووي وسط مطالبات غربية لها بالتوقف فوراً، في المقابل تصر إيران على وضع شروط لعودتها للالتزام بالقيود التي فرضها الاتفاق النووي.
ويمكن تلخيص شروط إيران للعودة للاتفاق النووي، كما ذكرتها صحيفة الجريدة الكويتية في التالي:
- الرفع الكامل للعقوبات الأمريكية دون استثناءات.
- مناقشة أي خلافات حول الاتفاقيات في إطار لجان التفاوض الرسمية، أحد هذه الخلافات المتوقعة هو مطالبة طهران بتعويض عن الخسائر المالية التي تكبدتها بسبب خروج إدارة ترامب من الصفقة.
- لن تقبل طهران الربط بين الاتفاق النووي وقضايا أخرى، بما في ذلك برنامجها الصاروخي وأنشطتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
- لن تقبل إيران ضم أي أعضاء جدد في الصفقة بخلاف مجموعة 5 + 1، بما في ذلك أي دول خليجية عربية.
- يجب مناقشة أي قضايا تتعلق بدول المنطقة الأخرى بشكل منفصل، وليس كجزء من المحادثات النووية.
- بينما لن تناقش إيران برنامجها الصاروخي، فإنها منفتحة على الحديث عن الحد من التسلح الإقليمي تحت إشراف الأمم المتحدة وقيل إنها قلقة بشكل خاص بشأن الصواريخ والأسلحة النووية الإسرائيلية.
هل مواصلة العقوبات الأمريكية خيار أفضل لمحاصرة البرنامج النووي الإيراني؟
في حين سببت العقوبات الأمريكية تحديات كبرى للاقتصاد الإيراني وحدَّت من وصول إيران إلى الموارد المالية، فإنها لم تنجح في تغيير سلوك إيران المتعلق ببرنامجها النووي. في الواقع، لم تقدم إيران تنازلات إضافية.
وانخرطت طهران في المقابل في استراتيجيتها الخاصة لبناء النفوذ من خلال تكثيف أنشطتها النووية، وبرنامجها الصاروخي، وأنشطتها الإقليمية. ولم تصبح إيران فقط أقرب إلى امتلاك القدرة لصنع قنبلة، بل وتغيَّر حتى الخطاب السياسي لمسؤولين رئيسيين بشأن ما إن كانت إيران ستتجاوز العتبة النووية أم لا، حسبما تقول مهسا روحي، الزميلة الباحثة بمعهد الدراسات الاستراتيجية الوطنية التابع لجامعة الدفاع الوطني الأمريكية، في مقال نُشر مجلة Foreign Policy الأمريكية.
وقد تؤدي العقوبات والشروط والشروط المضادة إلى حلقة مفرغة من السعي وراء اتفاق مثالي غير موجود وتجاهل فرص إحراز تقدم تدريجي فيما تقترب إيران من امتلاك القدرة على إنتاج أسلحة نووية.
خطة إيران المضادة
وقد سعت طهران للرد على جهود حملة الضغوط القصوى الأمريكية، فكثَّف الحرس الثوري الإيراني عملياته البحرية العسكرية في الخليج، واستهدف طرق التجارة البحرية عبر مضيق هرمز لإرسال إشارة بقدرته على الإضرار بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها.
وأشار مسؤولون إيرانيون في يناير/كانون الثاني الماضي إلى أنهم سيوسعون برنامجهم النووي من خلال استئناف تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 20%، وهو أعلى بكثير من حد 3.67% المنخفض الوارد في الاتفاق النووي. علاوةً على ذلك، ولتقليص أثر العقوبات والضغط الأمريكي.
ويبدو أن المسؤولين الأمريكيين أنفسهم يتحدثون عن اقتراب إيران من امتلاك القدرة على صنع القنبلة النووية، رغم الخلافات بين الخبراء حول الوقت اللازم لذلك.
محاولة خلق اقتصاد مقاوم
ركَّزت إيران على الاستثمار في البنية التحتية لما تسميه اقتصاد مقاومة من أجل تنويع الاقتصاد بطرق تجعله أكثر تطلعاً نحو الداخل وأقل اعتماداً على التجارة الخارجية، لاسيما مع الغرب. وليست إيران اليوم قريبة بأي شكل من الأشكال من حافة الانهيار. بل من المتوقع أن تشهد البلاد تعافياً اقتصادياً في 2021، حسب روحي.
إذ أعادت قطاعاتٌ واسعة من الاقتصاد الإيراني تنظيم نفسها استجابةً لأكثر من عامين من العقوبات الأمريكية، لتجد الكثير من المرونة في الاقتصاد المحلي الضخم للبلاد.
وتعمل الشركات الإيرانية بصورةٍ متزايدة على إنتاج أنواع البضائع التي كانت إيران تستوردها منذ فترةٍ طويلةٍ من الخارج، في حين تلجأ الشركات الأصغر والمتنامية إلى التوظيف، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
ووفقاً لإحصاءات الحكومة الإيرانية، نما إجمالي عائدات الصناعة غير النفطية الإيرانية بنسبة 83% في العامين الماضيين، متجاوزاً قطاع الطاقة الذي تضرَّر بسبب العقوبات.
والآن بعد نحو أقل من عامين على قرار الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، في أبريل/نيسان 2019، وقف إعفاءاتٍ من العقوبات على شراء النفط الإيراني، وهو القرار الأصعب على إيران، يبدو أن طهران التي لديها خبرة طويلة في مراوغة العقوبات، قد نجحت جزئياً في التغلب على الحصار الأمريكي، بل محاولة الاستفادة منه.
كيف يجب أن تتعامل واشنطن مع الشرط الإيراني برفع العقوبات كاملة؟
ينبغي أن تحاول الولايات المتحدة العودة التامة إلى الاتفاق بنهج الامتثال مقابل الامتثال، لأنَّ بإمكان ذلك وقف البرنامج النووي الإيراني المتنامي بسرعة في موضعه، حسب مهسا روحي.
لن تقوض هذه الخطوة النفوذ الأمريكي، بل ستعززه. إذ من شأنها أن تسمح للولايات المتحدة بوقف ضغط العامل الزمني المرتبط بالتقدمات النووية التي تحرزها إيران، وتقليص احتمالية نشوب مواجهة عسكرية بين إيران وإسرائيل أو الولايات المتحدة، واستعادة الجهود الدبلوماسية متعددة الأطراف.
والأهم أن العودة إلى الاتفاق سيتيح مزيداً من الوقت للتوصل إلى اتفاقات مكملة بشأن القضايا الإقليمية ومجالات التوتر الأخرى. ومن المستبعد أن تشارك طهران في أي مباحثات بشأن تلك القضايا ما لم يُعَد العمل بالاتفاق النووي.
يُعَد تخفيف العقوبات مكون مهم من مكونات النفوذ الأمريكي.
فمع التزام كلا الطرفين بالامتثال، لن يمنح رفع العقوبات عن إيران طهران بين عشيةٍ وضحاها دفعة اقتصادية قوية بما يكفي لتثبيط المزيد من المفاوضات أو لتمويل أنشطتها الإقليمية المزعزعة للاستقرار مثلما يخشى البعض، وستبقى العقوبات غير المتعلقة بالاتفاق النووي كما هي.
وترى مهسا روحي أنه حتى مع رفع العقوبات المرتبطة بالاتفاق النووي على الورق، لن يكون الجانب العملي لتفعيل التجارة والمعاملات سريعاً. ولن تبدأ إيران إلا عملية تعافٍ اقتصادي بطيئة. لكنَّ تخفيف العقوبات سيمنح الولايات المتحدة اليد العليا على طاولة المفاوضات، فتُبادِل المزيد من الحوافز الاقتصادية الآنية بالمزيد من التنازلات.
وبإمكان الحكومة الأمريكية إعادة فرض العقوبات إذا ما انتهكت إيران الاتفاق، ليس فقط بدعم من أوروبا، بل وربما كذلك من الصين وروسيا. فكل تلك الأطراف الأخرى في الاتفاق الأصلي تتشاطر مصلحة مشتركة: منع إيران من امتلاك قدرات أسلحة نووية.
وسيصبح حدوث رد متعدد الأطراف على أي انتهاك إيراني أمر أكثر احتمالاً إذا عادت الولايات المتحدة للاتفاق مقارنة بالحال إذا استمرت واشنطن خارجه.
الخطة الإيرانية في حال عدم العودة إلى الاتفاق النووي.. قنبلة نووية وحرب أو العودة للاتفاق
يتعرَّض الرئيس الإيراني، حسن روحاني، لضغوطٍ من الفصائل المتشددة وبسبب السخط العام المتنامي بسبب التحديات الاقتصادية للبلاد. وهو بحاجة على أقل تقدير لتأمين بداية عملية لإحياء الاتفاق النووي في الأسابيع المقبلة.
هناك تصور متنامٍ في صفوف النخبة السياسية في طهران بأنَّ أفضل استراتيجية لدفع الولايات المتحدة لإنهاء حملة الضغط القصوى هو مواجهتها بالاختيار بين صراع غير محلول يتصاعد إلى حرب، وامتلاك إيران لقدرات نووية.
والفرضية هنا هي أنَّ طهران يمكنها الاستفادة من تردد واشنطن في الدخول في مواجهة عسكرية معها من أجل الدفع بأجندتها السياسية، وأنها يمكنها عمل ذلك من خلال دفع حدود برنامجها النووي وأنشطتها الإقليمية إلى نقطة يتعين عندها على الحكومة الأمريكية الاختيار بين قبول امتلاك إيران لقدرات أسلحة نووية وشن ضربة عسكرية ضد إيران، وكلاهما خيار مقيت بالنسبة لإدارة بايدن، حسبما تقول روحي.
ويفترض القادة في طهران أنَّ عدم جاذبية البدائل يمكن أن يجعل واشنطن تستنتج أنَّ الوقت ليس في صالحها لمواصلة حملة الضغوط القصوى من خلال العقوبات وستكون بحاجة للتحرك بسرعة لإحياء الاتفاق.
سياسة حافة الحاوية قد تخرج عن السيطرة
لكنَّ سياسة حافة الهاوية الإيرانية قد تؤدي إلى مواجهة عسكرية على خلفية برنامجها النووي في ظل التهديدات الإسرائيلية. ويبالغ المتشددون الإيرانيون في الثقة بشأن نفوذهم النووي واستدامة اقتصاد المقاومة على المدى الطويل.
لكنَّ الإبقاء على هذا الموقف سيكون له ثمن وخيم من السخط الشعبي وتأخر التنمية الاقتصادية. وقد يؤدي توسيع الأنشطة النووية والعسكرية كذلك إلى تعريض الدعم السياسي الذي ما تزال روسيا والصين توفرانه لإيران للخطر.
وبالتالي، تخاطر إيران بتمسكها بما ترى أنها أوراق ضغط، بتبديد فرصة فريدة للتوصل إلى اتفاق مع إدارة أمريكية أشارت إلى استعدادها للانخراط دبلوماسياً مع إيران وتوجد في موقعٍ فريد يُمكِّنها من تحقيق ذلك.
وكي تتمكن إدارة روحاني من إقناع المتشددين بالتراجع عن الخطوات التي اتُّخِذَت بشأن التقدم النووي والعودة إلى الامتثال للاتفاق، سيتعين عليها بدء عملية العودة إلى الاتفاق في غضون الأسابيع المقبلة. وفي حال لم يوجد أفق واضح لإحياء الاتفاق، قد تتخذ إدارة روحاني إجراءات أكثر صرامة، مثل وقف عمليات التفتيش النووي الدولية، في استعراض قوة للخصوم السياسيين قبيل الانتخابات الرئاسية في يونيو/حزيران المقبل.
تقول مهسا روحي: تشير أربعة عقود من العقوبات وسجل المفاوضات الأمريكية والأوروبية مع إيران إلى أن طهران لم تقابل الضغوط إلا بالإصرار على برنامجها النووي ووكلائها الإقليميين. ولم تقبل وتمتثل لتنازلات محددة بشكل واضح إلا عبر إطار عمل متفق عليه مثل اتفاق العام 2015. وبعد أربع سنوات من الفشل في إجبار إيران على تغيير أيٍ من سياساتها نحو الأفضل، حان الوقت كي تعيد واشنطن التفكير في كيفية توظيف نفوذها بفاعلية.