كشف تقرير لموقع Vox الأمريكي، الأربعاء 17 فبراير/شباط 2021، عن تعرُّض السجناء المسلمين في أمريكا لكل أشكال التمييز والتضييق، داخل الزنازين، خاصةً تلك المتعلقة بحرمانهم من ظروف العبادة والصلاة، أو فرض شروط صعبة من أجل الحصول على المصاحف لتلاوة القرآن الكريم. أما ما يزيد من عزلة المسلمين داخل سجون أمريكا، فهو أنهم مغيبون تماماً عن أي حوار أو نقاش حول الحريات وحقوق الإنسان والسجناء في البلاد، رغم أنهم يشكلون نسبة لا يستهان بها، تصل إلى 9%.
حسب التقرير نفسه، فإن أمريكا تسجن حالياً أكثر من مليوني شخص، غالبيتهم من ذوي البشرة السمراء واللاتينيين، ونصف مليون منهم تقريباً محتجزون احتياطياً في انتظار المحاكمة، فيما يُستبعد السجناء المسلمون تحديداً من الحوار الدائر عن حقوق السجناء. ويتناقض تمثيل المسلمين في السجون مع حصتهم من تعداد سكان الولايات المتحدة إجمالاً، حيث تصل نسبتهم إلى 1% فقط.
قصة سجين مسلم
كان ريك، السجين المسلم الأمريكي من أصل إفريقي، نزيلاً في أحد السجون بإحدى ولايات الغرب الأوسط، حين حاول الحصول على مصحف من أجل التعبّد، لكنَّ طلبه رفض الضابط المسؤول. ولكن أصابه الذهول حين عرف ثمن المصحف، إذ كان الثمن أكبر من إمكاناته بكثير، وكان أغلى بثلاث مرات من الكتاب المقدس (الإنجيل).
لجأ ريك، الذي حُجِبَ اسمه الأخير للحفاظ على خصوصيته، إلى اقتراض نسخةٍ من القرآن سراً من نزيلٍ آخر.
وعند مرور حراس السجن، كان يضطر إلى إخفائه سريعاً؛ ليضمن أن لا يروه.
يقول ريك بهذا الخصوص: "التمييز حقيقيٌّ للغاية. كل ما يهم هو خلفيتك ولون بشرتك".
تضييق على المسلمين
إذ يُواجه السجناء المسلمون العديد من المشكلات مثل غيرهم، ومنها تأخير الضروريات الأساسية واحتياجات النظافة مثل معجون الأسنان، ومزيل العرق، والمنتجات الصحية النسائية. لكنهم يُواجهون علاوةً على ذلك ممارسات تمييزية مثل قلة الوصول العادل إلى المواد الدينية داخل السجون.
يأتي ذلك رغم القوانين الفيدرالية التي تُلزم بالمساواة في توفير المواد الدينية، ومع الأسف، يُعتبر التمييز داخل السجون مشكلةً قديمة العهد، مع محاولات العديد من الدعاوى القضائية حل تلك المشكلات، لكن المسلمين ما يزالون يواجهون تلك المصاعب.
إذ قال رامي ناصور، المدير المؤسس لمؤسسة Tayba Foundation غير الربحية الهادفة إلى توفير الخدمات للسجناء، إنّ تزويد السجناء المسلمين بالأساسيات الضرورية لممارسة عقيدتهم لا يأتي على قائمة أولويات غالبية السجون.
كما أوضح ناصور أنّ السجون الفيدرالية تُخصّص مبلغاً محدداً من المال لشراء الكتب للكنيسة، وهذا يعني أن تكلفة ممارسة العقيدة الدينية تقع على عاتق نزلاء السجن، الذين يُجبرون على استخدام أموال أجورهم في السجن والتي يُمكن أن تصل إلى خمسة سنتات فقط في الساعة.
وأضاف أنَّ ثمن المصحف قد يصل إلى 20 دولاراً في السجن، "قد يُمثّل ذلك المبلغ أجر شهرٍ كامل للبعض. وهذا بالنسبة للأشخاص الذين ليس لهم أصدقاء أو عائلة في الخارج تستطيع شراء المصحف نيابةً عنهم. وهذه واحدةٌ من العقبات. بينما تتوافر الأناجيل بكثرة داخل العديد من السجون".
يستفزون مشاعرهم
حتى من ينجحون في الحصول على مصحف، فهم يُواجهون مشكلات أيضاً، إذ قال ناصور إن العديد من السجناء أبلغوه أن مصاحفهم أُلقِيَت في القمامة بعد جولات التفتيش أو جرى إتلافها، "في إحدى الوقائع، داس ضابطٌ على مصحف أحد التلاميذ. قبل أن يستعيده التلميذ من صندوق القمامة وآثار حذاء الضابط ما تزال ظاهرةً عليه. بينما أخبرنا تلميذ مسلم سجين آخر بأنّ هناك 17 سجيناً كانوا يستخدمون نسخةً واحدة من القرآن. بينما يحتوي المنزل المسلم داخل الولايات المتحدة في المتوسط على أربعة مصاحف لكل فرد من أفراد الأسرة".
وفقاً لريك، فإن الحصول على أشياء بسيطة مثل سجادة الصلاة كان أمراً يُنظر إليه بازدراء ولا يتم توفيرها غالباً.
إذ أوضح بهذا الخصوص: "حين نُحاول الصلاة، لا يُسمح لنا بذلك. ويعتقد الحراس أننا نؤدي حركات عصابات، فلا يسمحون لنا بأن نصلي".
ليست الصلاة الأمر الوحيد الذي حُرِمَ منه السجناء المسلمون. إذ يُمثّل الصيام والإفطار معاناةً لكثيرين، حيث روى ريك كيف كان بحاجةٍ إلى الطعام ولم يحصل عليه في الوقت المناسب لبدء الصيام أو كسره.
كذلك كان الحال مع عائشة -التي سُجِنَت ثلاث سنوات داخل سجنٍ على الساحل الشرقي- إذ تذكر أشكالاً متعددة للتمييز الديني أثناء فترة سجنها. وروت للموقع الأمريكي كيف اعتادت النساء الصيام أياماً طويلة خلال رمضان، وحُرمن من الإفطار أحياناً لمجرد أن "المطبخ ليس به طعام".
وأضافت أنّه حين بدأ مسجدٌ محلي في التبرع بالطعام لهم، مُنِع عديد من المسلمين من الحصول على ذلك الطعام، وقيل لهم إن عليهم أن يدفعوا المال للحصول عليه. وحين يتعلّق الأمر بالحصول على مصحف، كانت النسخ المتوافرة محدودةً للغاية وليست متاحةً بسهولة. بينما كان يُعرض عليهم الحصول على إنجيل بدلاً منه أحياناً.
رغم خروج ريك من السجن الآن، فإنه يتذكّر الوقت الذي قضاه جيداً وحجم التمييز الذي تعرّض له، "كنت كأنني أرتكب جريمة لكوني مسلماً ومن ذوي البشرة السمراء".