انطلقت صادقة بيبي بحزمة صغيرة من متعلقاتها على أحد الطرق جنوب غربي بنغلاديش، وهي مفعمة بالأمل والخوف في آنٍ، ولم تكن تعرف أنها ستكون واحدة من عرائس الروهينغا اللاتي خضن مأساة تعجز الكلمات عن وصفها
تركت صادقة والديها لأول مرة في حياتها، في منتصف مارس/آذار الماضي، حيث كانت شاحنة ستلاقيها هناك، وتُقِلَّها إلى مكان قرب الشاطئ على بُعد نحو ساعة جنوباً، ثُمَّ ستصعد على متن قارب سينقلها بصورة غير قانونية إلى ماليزيا، حيث كان ينتظرها رجل لم تلتقه قط كي يتزوجها، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.
كان يربطها بهذا الرجل الذي تحبه قصة حب غريبة، ولكن الأغرب كان طريقة تعرفهما على بعضهما البعض، بطريقة أصبحت شائعة في مجتمع الروهينغا الذي تمزقت روابطه الاجتماعية.
كانت صادقة تعلم أنَّ الرحلة لخطيبها خطرة.
إذ يمكن أن ينقلب القارب. ويمكن أن تتعرض للضرب أو التجويع أو الابتزاز من جانب مُهرِّبي البشر. ويمكن أن تموت. أو يمكن أن تحبط المياه الهائجة أو سلطات الحدود محاولة هروبها، مثلما حدث في محاولاتها العشر السابقة لاجتياز الحدود. مع ذلك بدا أنَّ قيام صادقة (21 عاماً)، وهي من لاجئي الروهينغا الفارين من ميانمار، بالرحلة هو السبيل الوحيد كي تحظى ببداية جديدة.
إمَّا ذلك أو أن تضمر خلف الأسلاك الشائكة، ربما لبقية حياتها، في أكبر مخيم للاجئين في العالم بعدما تناثرت أسرتها المباشرة عبر ثلاثة بلدان.
لا تمثل قصة صادقة نموذجاً لمأساة عرائس الروهينغا بل تجسد معاناة هذا الشعب بأكمله الذي أصبح شمل عائلاته مفرقاً في منطقة جنوب وجنوب شرق آسيا.
الأمل في العودة يتراجع رغم الاتفاق مع ميانمار
ويجعل الانقلاب العسكري الذي وقع في ميانمار الأسبوع الماضي فرص الروهينغا في العودة إلى موطنهم بعيدة أكثر من أي وقتٍ مضى. إذ احتُجِزَ القادة المدنيون، بمن في ذلك مستشارة الدولة أونغ سان سو تشي، في مداهمة جرت قبل الفجر، ونُقِلَت السلطة إلى قائد الجيش، الجنرال مين أونغ هلاينغ، الذي أشرف على هجوم عسكري على الروهينغيا في عام 2017 وأُدرِجَ على قائمة العقوبات الأمريكية لدوره في الانتهاكات. ودعت الأمم المتحدة للتحقيق في وقوع إبادة جماعية خلال الهجوم.
دافع الجيش عن أعماله باعتبارها حملة لمكافحة الإرهاب، وهو الادعاء الذي دعمته الحكومة السابقة.
كانت حكومتا ميانمار وبنغلاديش قبل الانقلاب تهدفان للبدء في إعادة توطين بعض الروهينغا بحلول الصيف، على الرغم من فشل جهود سابقة بسبب رفض اللاجئين العودة دون ضمانات تتعلق بالأمن والجنسية. تعهَّد النظام العسكري بالمضي قدماً بالخطة، لكنَّ أفق عودة الروهينغا إلى بلدٍ يحكمه الجنرالات الذين كانت عملياتهم قد دفعتهم للخروج في المقام الأول هو أفقٌ قاتم.
ماذا تعرف عن شعب القوارب؟
تعود الأحداث التي أدَّت إلى رحيل صادقة إلى عام 2013، حين أصبح أخوها الأكبر الأول ضمن طابور طويل من أفراد أسرتها الذي يغادر بصورة غير قانونية باستخدام قارب.
كان قارباً من نوع مختلف عن ذلك الذي سيُقِلُّ صادقة بعد ذلك بسبع سنوات. وآنذاك، كان أخوها، عبدالحق يحاول الهرب من حبسٍ مختلف.
ففي الأشهر التي سبقت رحلته السرية، كانت المجموعة التي ينتميان إليها، الروهينغا، قد بدأت تواجه شبكة محكمة من القيود في البلد ذي الغالبية البوذية. وقد طُرِحَت تلك الإجراءات بعد أعمال شغب جماهيرية ألَّبت البوذيين على المسلمين في عام 2012، وهو ما نثر شكوكاً وغضباً عميقاً.
عاقبت السلطات الروهينغا بشدة، وجرت شيطنتهم باعتبارهم ليسوا من سكان البلاد الأصليين. فقُطِعَت التجارة بين المسلمين والبوذيين بصورة شبه كاملة. وحُرِم الروهينغا من ارتياد المدارس العامة إلى جانب جيرانهم البوذيين. وكانوا يحتاجون إلى إذن لزيارة الطبيب أو السفر خارج قراهم.
وفي خضم هذا العداء فَقَدَ والد صادقة، وهو معلم بمدرسة إعدادية، وظيفته. وقال الابن الأكبر، عبدالحق (عبدول)، إنَّه شعر بأنَّه يتعين عليه فعل شيء ما.
كان الكل قد سمعوا بأنور، وهو رجل روهينغي كان قد عاش في جنوب تايلاند لسنوات ويهرِّب الناس إلى خارج ميانمار. والتحق شقيق صادقة، البالغ من العمر آنذاك 18 عاماً، إلى رحلة بالقارب إلى تايلاند والعبور إلى ماليزيا. والثمن: العمل بالسخرة طيلة فترة تكفي لسداد المبلغ المستحق عليه، البالغ حوالي 1485 دولاراً.
سيشير العالم فيما بعد إليه وإلى الآخرين أمثاله باسم "شعب القوارب"، وهم عشرات الآلاف من الشباب في الغالب، والذين هُرِّبوا من ميانمار إلى شواطئ البلدان المجاورة.
كان القارب الذي رحل فيه عبدول مكدساً. وجلس أولئك الذين دفعوا مبلغاً إضافياً في الأعلى، حيث يمكنهم رؤية ضوء الشمس. أمَّا عبدول فأُرسِل إلى بدن القارب المظلم، حيث جرى تنظيم المئات في صفوفٍ بطول هيكل القارب. وفي غضون أيام قليلة، بات هؤلاء أضعف من أن يرفعوا رؤوسهم من جراء الجوع والعطش.
وفي حال قرَّر المهربون أنَّ أحد الأشخاص أضعف من أن يتعافى، فإنَّهم قد يلقون به في البحر لتوفير الطعام. وبين الفينة والأخرى، كان أحدهم يذهب إلى الحمام ولا يعود أبداً.
بحلول الوقت الذي أبطأ فيه القارب للتوقف في مكان ما قرب تايلاند، كان عبدول ضعيفاً للغاية لدرجة أنَّه احتاج أن يُرفَع من معصميه وكاحليه. وعلى مدى الأيام القليلة التالية، تجول منهكاً عبر مزارع زيت النخيل وحقول قصب السكر والغابات الخشبية. واستلقى لاحقاً على أرضية سيارة هاتشباك، مُكوَّماً فوق آخرين فيما كانوا يعبرون خلسةً إلى ماليزيا.
وليلة وصوله إلى ماليزيا، اتصل عبدول بوالدته في ميانمار، بكا كلاهما فيما كان يحكي رحلته، وأخبرها أنَّه ما كان ليقوم بالرحلة أبداً لو عرف مدى خطورتها.
لم يكن آخرون محظوظين بنفس القدر. فلقد اكتشفت السلطات التايلاندية مقابر جماعية قرب الحدود الماليزية تضم لاجئين روهينغيين كانوا يحاولون الفرار إلى ماليزيا.
الخروج من الديار
تمزقت الأسرة كلها وخرجت من منزلها في عام 2017. إذ بدأ الجيش الميانماري قمعاً عشوائياً رداً على هجوم شنَّه مسلحون روهينغيون أسفر عن مقتل 12 من أفراد الأمن. وفي الأشهر التي تلت الهجوم، تدفق أكثر من 740 ألفاً من الرجال والنساء والأطفال الروهينغيين عبر الحدود إلى بنغلاديش وهم يروون حكايات عن عمليات القتل والاغتصاب الجماعي وإحراق قرى بأكملها على يد الجنود.
فرَّت صادقة وهي ابنة السابعة عشرة وعائلتها في مطلع سبتمبر/أيلول. كانت أصوات إطلاق النار تقترب، وكان بإمكان والديها رؤية جنود يتجمعون قرب منازل جيرانهم البوذيين.
استغرقهم الأمر 3 أيام لبلوغ بنغلاديش من قريتهم، حيث وصلوا إلى ضفة نهر ناف التي كانت قد ازدحمت بالفعل باللاجئين الروهينغا.
اتسعت المخيمات لتشغل مساحة تمتد 10 أميال مربعة (25.9 كيلومتر مربع) في منطقة كوكس بازار البنغلاديشية. وبعد هذا النزوح الجماعي، باتت المنطقة تستضيف روهينغيين أكثر من أي مكان آخر في العالم، بما في ذلك موطنهم المدمر.
أخبر الجيران لاحقاً أسرة صادقة بأنَّ منزلهم قد أُحرِق عن بكرة أبيه إلى جانب نحو نصف المنازل الأخرى في قريتهم.
أكبر معسكر لاجئين في العالم
مثَّل التهجير شبه الكامل للروهينغا بداية كابوس جديد. إذ لم يعد بمقدورهم العودة إلى الوطن، وهم يعيشون الآن في أكبر مستوطنة للاجئين في العالم إلى أجل غير مسمى. لم يكن يُسمَح لهم بالمغادرة أو العمل أو متابعة التعليم الرسمي، ويعيشون بشكل كامل تقريباً على المساعدات الإنسانية من المانحين الدوليين.
كانت صادقة مليئة برهبة مستمرة من أنَّ الحياة بالشكل الذي تعرفه قد ذهبت إلى غير رجعة. ولم تكن صاحبة الـ18 عاماً آنذاك قد ذهبت إلى المدرسة منذ سنوات، وبدا الزواج حلماً بعيد المنال.
قرر شقيقها الثاني رشيد الحق (22 عاماً آنذاك) الرحيل إلى ماليزيا.
إذ كان لا يرى مغزى من البقاء في المخيمات. فالمكان كان عبارة عن بانوراما شاسعة من الخمول واللاعمل. فأخبر والديه أنَّه يرغب بالذهاب إلى ماليزيا، وقد اتفقا على أنَّها أفضل فرصة لديه للحصول على حياة طبيعية. وبإمكانه جني المال من أجل الأسرة، وربما حتى يبدأ تكوين أسرته الخاصة.
لم ينصت رشيد الحق لاعتراض أخيه عبدول على رحيله إلى ماليزيا الذي أبلغه أنه لم يتمكن من تسوية وضعه القانوني. وفي نهاية المطاف انضم رشيد إلى أخيه في مايو/أيار 2019.
عرائس الروهينغا
كما هو الحال مع معظم الروهينغيات غير المتزوجات في المخيم، نادراً ما صادقة كانت تغادر ملجأها. فمجتمعها مجتمع مسلم سُنّي محافظ، زادت محافظته بفعل البيئة غير الآمنة في المخيمات، حيث تعمل شبكات الجريمة بحرية.
ثُمَّ وفي يومٍ ما في منتصف عام 2019، فيما كان موسم الأمطار الموسمية يقترب من نهايته، جاء طلب الزواج في صورة زائر. قال الغريب الذي جاء بغير موعد إنَّ صديقاً له في ماليزيا يبحث عن زوجة. وكان قد سمع أنَّ لدى والد صادقة بنات جميلات.
كانت التغييرات السكانية المزلزلة في العقد المنصرم قد أدَّت إلى انحرافات ديموغرافية. إذ هاجر الرجال الروهينغيون غير المتزوجين إلى ماليزيا بصورة غير شرعية وبأعداد كبيرة، وسرعان ما وجدوا أنَّ موطنهم الجديد به القليل من النساء الروهينغيات اللاتي يمكنهم الزواج بهن. كان ذلك يعني أنَّه يتعين تهريب العرائس إلى داخل البلاد.
في الوقت ذاته فإن المشكلة الكبرى التي تواجه فتيات الروهينغا أنهن لا يجدن الشباب للزواج في مخيمات بنغلاديش لقلة الشبان، إضافة إلى قلة شعورهن بالأمان، فبدأن يفررن من بنغلاديش إلى ماليزيا من خلال البحر على أمل الزواج.
فقد كشفت العديد من الصحف المحلية البنغلاديشية أن أغلب الذين يفرون من مخيمات بنغلاديش إلى ماليزيا كانوا من الفتيات.
يبدو أنه زوج مثالي
مع تقدم الحديث بدا الرجل الموجود في ماليزيا زوجاً مثالياً أكثر فأكثر. عرفت صادقة اسمه، ديل محمد. وأخبرها والداها أنَّ أسرته، التي تقيم في المخيمات أيضاً، تبدو رائعة وصادقة.
وبمجرد أن اكتملت المصاهرة، أطلع والدا ديل صادقة على صورة لابنهما.
قالت صادقة: "أعجبتني الصورة. واعتقدتُ أنَّه سيكون مناسباً لي".
وافق ديل على دفع تكاليف رحلة صادقة غير الشرعية من بنغلاديش إلى ماليزيا عبر خليج البنغال والمحيط الهندي.
وكانت هدايا خطبتها هزيلة لأنَّها لن تقدر على اصطحاب الكثير معها. وقضت ثلاثة أيام مع والديّ ديل في ملجأهما.
التقط صديق ديل صورة عائلية وأرسلها له عبر تطبيق المراسلة Imo. وكانت تلك هي المرة الأولى التي تقع عينا ديل عليها، وفي حين شعر ديل بسعادة غامرة، فإنَّه حذف الصورة. إذ ليس من اللائق أن يحتفظ بصورة امرأة ليست زوجته، حتى لو كانت ستصير كذلك يوماً ما.
وتحدثا للمرة الأولى بعد ثلاثة أيام، وبدأت خططهما تصبح أكثر واقعية. واعتقدت أنَّ الحظ قد ابتسم لعائلتها أخيراً.
الرجل الذي ينتظرني على الجهة المقابلة من البحر
كان ديل أحد أفراد شعب القوارب. وقد هاجر بصورة غير شرعية إلى ماليزيا عام 2014، وقضى سنوات في ادخار كسبه بجد بهدف البدء بتكوين أسرته في نهاية المطاف.
يبلغ ديل 26 عاماً، ولطالما تخيَّل أنَّه سيتزوج فتاة من قريته في ميانمار، لكنَّها دُمِّرَت خلال العنف العسكري عام 2017، ما دفع أسرته للنزوح إلى بنغلاديش.
وحين اتجهت أفكاره في عام 2019 نحو تكوين أسرة، أدرك أنَّ غرفته الخالية من النوافذ في مؤخرة أحد المصانع ليست منزلاً جيداً بما يكفي ليليق بزوجة.
بدت المرأة التي وجدها صديقه لتكون زوجة له، أي صادقة، شابة لطيفة. وقد تحادثا كل يومين أو ثلاثة، أحياناً لمدة خمس دقائق عبر وسائل التواصل، وأحياناً لفترة أطول قليلاً. كانت محادثاتهما في البداية رسمية ومهذبة، وكانت تدور عادةً حول ترتيبات سفرها. لكن بمرور الشهور، أصبحا متحمسين للقاء.
يقول ديل إنَّه بمرور الوقت صار يحب صادقة، رغم أنَّ زواجهما كان مُدبَّراً، ويعتقد أنَّها تشعر بالشيء نفسه.
11 محاولة فرار عبر خليج البنغال
حاولت صادقة بلوغ ماليزيا، حيث يمكنهما أن يجتمعا أخيراً، 11 مرة.
بدأت كل محاولة بالطريقة نفسها. فكان الوسيط يتصل ويخبرهما متى وأين يلتقيان. ومن هناك، يجري نقل صادقة وآخرين إلى مخبأ قرب أحد الشواطئ على بُعد ساعة بالسيارة.
كانوا أحياناً يجلسون على الشاطئ أو يختبئون بين الأشجار. وكانوا في أحيان أخرى يتجمعون في ملاجئ شاغرة أو يربضون في مزارع قريبة. كانت صادقة في معظم الأحيان تختبئ لفترة تبلغ ساعات عدة، وبلغت أسبوعاً في إحدى المرات. وكانوا في بعض الأحيان يعودون حتى قبل أن يبلغوا مياه البحر، بسبب سوء الطقس أو حين يرصدون وجود السلطات في مكان قريب منهم.
صعدت صادقة في محاولتها الخامسة على متن قارب، لكنَّه عاد خلال يوم واحد. وقضت في محاولتها السابعة ثلاثة أيام في عرض البحر قبل أن تدفعهم عاصفة للإسراع بالعودة.
ازداد قلق أسرتها وخطيبها مع كل إخفاق، وكان فراق والديها يؤلمها كل مرة بنفس القدر. لكنَّهم كانوا قد استثمروا الكثير في الخطة بحيث لا يمكنهم التخلي عنها، وكانت تُقدَّم دفعة أولى كبيرة ورسوم متزايدة في كل محاولة.
وكادت الخطة تنجح الربيع الماضي.
إذ ظل قاربها في البحر طيلة أسابيع، وربما شهر، يحمل أكثر من 300 لاجئ على متنه. وانضمت إليها في الرحلة شقيقتها صاحبة الـ18 عاماً وكذلك ابنة عمها، التي خُطِبَت لرجل في ماليزيا مثلما هو الحال مع صادقة. وكان معظم الروهينغا الذين حاولوا الهجرة العام الماضي نساء مثلهن، جرى تهريبهن من مخيمات اللاجئين كعرائس.
كُنَّ يتناولن الطعام مرتين يومياً، وكُنَّ يحصلن في كل مرة على مغرفة صغيرة من الأرز مع القليل من سلطة بورمية مُعدَّة من الشاي الأخضر المخلل.
وصلت الآمال إلى ذروتها حين أبطأ القارب ذات يوم وأعلن الطاقم أنَّه سيجري اصطحاب الركاب إلى الشاطئ بعد حلول الظلام. لكن كان الأوان قد فات. إذ كانت السلطات قد رصدتهم فعلاً.
اقترب القارب تلو الآخر، وأوضح الطاقم لبضع لاجئين لاحقاً أنَّ القوارب تعود إلى السلطات التايلاندية والماليزية، وأخبروهم أنَّ الحدود مغلقة بسبب فيروس كورونا.
وبعد حين، رافقهم أحد القوارب إلى المياه الدولية، للعودة إلى بنغلاديش.
جلست صادقة والآخرون على متن القارب لفترة بدا أنَّها بلغت عدة أسابيع وقد شلَّهم القلق.
كان الوسطاء يبتزون العائلات في مخيمات اللاجئين للحصول على مزيد من المال. فطلبوا في البداية 50 أو 80 دولاراً، قائلين إنَّه من أجل الأرز. لكنَّهم في النهاية طالبوا بألف دولار إن كان والدا صادقة يريدان رؤيتها مجدداً.
وفي البحر اقترب قارب صغير ذات يوم. وصعد رجل على متنه وقرأ قائمة أسماء. كان اسم ابنة عم صادقة أحدها. إذ كان خطيبها قد دفع فدية.
لم يدفع أحدٌ فدية مقابل حرية صادقة، لكن بطريقة ما تغاضى المهربون عنها وصعدت على متن القارب الصغير مع ابنة عمها وأختها.
وبعد ساعات، أمرهم طاقم القارب بالقفز والسباحة.
النفي في الجزيرة العاصفة
سارعت صادقة وأختها نحو الشاطئ، واختبأتا في الغابات القريبة. لكن لم يستغرق الوقت طويلاً حتى عثرت السلطات البنغلاديشية عليهما.
كانت صادقة من بين قرابة 24 فاراً تعرضوا للاعتقال. وفي الطريق نحو وجهة لم تحددها السلطات، حصلت صادقة على بضع ثوانٍ للاتصال بوالديها.
اكتشفت لاحقاً أنَّ وجهتهم كانت باسان تشار، وهي جزيرة صغيرة على بُعد ثلاث ساعات بالقارب من أقرب بلدة على البر الرئيسي لبنغلاديش. لم تكن الجزيرة موجودة حتى عام 2003 وتكوَّنت على مدار العقدين الماضيين بفعل تراكم الطمي السائب المنبعث من نهر ميغنا.
تعتبر الحكومة الجزيرة حلاً للتكدس في مخيمات اللاجئين. لكنَّ خطط إعادة توطين 100 ألف روهينغي تأجلت وسط معارضة من اللاجئين، الذين يخشون من أنَّ الاستقرار هناك سيثبط ميانمار عن تمكينهم من العودة بشكل مطلق. ويحذر العاملون في مجال الإغاثة من أنَّ الجزيرة عرضة للطقس القاسي ويصعب الوصول إليها.
كانت صادقة والآخرون أول سكان للجزيرة بعد أطقم البناء. وقد انضم إليهم آلاف آخرون منذ وصولهم، بعدما أحيت بنغلاديش الخطة على الرغم من معارضة المجموعات الحقوقية.
وقد وصفت صادقة الحياة هناك بأنَّها لا تُحتَمَل. إذ تتشارك غرفتها البالغة 3.5 متر في 4.3 متر مع أختها وابنة عمها. وتمتلئ براميل المياه الراكدة التي قُدِّمَت لأغراض الشرب والاستحمام بالحشرات والفضلات.
وقد حاولت إحدى السيدات الانتحار من خلال شنق نفسها بوشاح رأس قبل أن يُوقِفها الآخرون. وقالت صادقة: "كل النساء هنا يفكرن بذلك".
لا يملك والدا صادقة أي فكرة عن كيفية إعادتها إلى المنزل. ويسأل والدها نفسه باستمرار: "ماذا عساي أن أفعل؟". ويتساءل عما إن كان سيرى ابنتيه الموجودتين على الجزيرة، أو ولديه البعيدين في ماليزيا، أو ابنته الموجودة في ميانمار مجدداً على الإطلاق.
وافق عامل آخر على شراء الهاتف لهما إذا حوَّلت أسرتهما له المال عبر خدمة مدفوعات عبر الهاتف.
وفي بعض الأحيان حين يكون الشاطئ خالياً، تتصل صادقة بديل في ماليزيا ثم تغلق وتنتظر أن يعاود الاتصال بها.