فجَّرت حلقة برنامج "ويكند ستوري" على قناة "الشروق" الجزائرية أزمة جديدة بين المغرب والجزائر، بسبب عرض القناة دُميةً تُجسِّد شخصية الملك المغربي محمد السادس، حاورها مقدم البرنامج وضيوفه بالتطرق لمواضيع خلافية بين البلدين، منها قضية الصحراء والتطبيع المغربي مع إسرائيل.
الحلقة أثارت الجدل بين البلدين الجارين، إذ اعتبرها جزء من الرأي العام الجزائري "حرية تعبير ورأي، ورداً على الإساءة"، أما في الجهة المغربية فقد انتفض الرأي العام ضد الحلقة، واعتبرها "إساءة لرموز البلد، لاسيما أن المادة 81 من قانون الصحافة والنشر المغربي تُجرِّم المساس والإساءة إلى رؤساء الدول وممثليهم الأجانب".
الحلقة المثيرة عرفت حضور شخصيات سياسية كسليمان سعداوي، القيادي في جبهة التحرير الوطني، أكبر الأحزاب الجزائرية الحاكمة، الأمر الذي دفع الأحزاب المغربية إلى التنديد بالحلقة؛ كونها "مست برئيس دولة جارة، من الواجب أن يُكن لها الاحترام".
تراشق إعلامي
مازالت أزمة تجسيد شخصية الملك على قناة الشروق الجزائرية في تصاعد، إذ وصلت في المغرب إلى حد مطالبة نواب برلمانيون وزير الخارجية ناصر بوريطة بضرورة إصدار موقف دبلوماسي، مقابل ذلك يقف إعلاميون من المغرب والجزائر في منطقة الحياد، يطالبون الجانبين بالترفع عن الحضيض الذي وقعا فيه معاً.
إسماعيل عزام، صحفي مغربي بقناة "دوتشي فيلي" بألمانيا، قال في تصريح لـ"عربي بوست": "صحيح أن السخرية من الملك يرفضها جلّ المغاربة أياً كان مصدرها، لكن في رأيي، لو بُث برنامج مماثل في قناة أوروبية بالمضمون نفسه لم يكن ليُثير كل هذه الضجة، فبثه من طرف قناة جزائرية زاد من حساسية الموضوع. فجميعنا ندرك التوتر الكبير بين المغرب والجزائر، وهو التوتر الذي يُسهم فيه الإعلام من كلا الطرفين".
وأضاف المتحدث أن "الاهتمام الجزائري الإعلامي بالمغرب هو الأكبر، وهناك تغطية منحازة مسيئة ضد المغرب، سواء في وكالة الأنباء الجزائرية أو في القنوات والجرائد الخاصة التي وصل بعضها لدرجة الإساءة، لكن كذلك لدينا في المغرب مؤسسات إعلامية تسهم في هذه الحرب الإعلامية بمنشورات لا تغذي سوى الكراهية تجاه الجزائر، وهو أمر مستهجن من الجانبين".
من جهته، يرى الصحفي الجزائري حمزة عتبي في تصريحه لـ"عربي بوست"، أن "برنامج قناة الشروق أخذ بُعداً أكثر من حجمه، ولولا الحساسية بين البلدين ما كان يلتفت له أي شخص، ولأن الأجواء مشحونة بين الجارين لمدة نصف قرن، وزاد من حدتها اندلاع ما سمي بأحداث الكركرات".
واعتبر المتحدث أن "ما بثّته قناة الشروق الجزائرية لا يختلف تماماً عما تتناوله وسائل إعلام مغربية مثل فيديوهات وكريكاتيرات ساخرة، والتراشق الإعلامي حاصل منذ سنوات وليس بالجديد على الساحة، فالإعلام في البلدين يتداعى بصفة آلية مع الأحداث السياسية، فكلما كان تشنج في العلاقات انعكس ذلك على الإعلام، وكلما عاد الدفء إلى العلاقات ساد الهدوء في الإعلام".
وأضاف المتحدث أنه "طالما كانت وسائل الإعلام أدواتٍ طيِّعةً في يد الأنظمة الحاكمة وتأتمر بأوامر النظامين في الجزائر والمغرب، وفي الظرف الحالي أصبحت المجاهرة بالعداء تجارةً رابحة عند الإعلاميين، وهي ذهنية فرضتها الأحداث حتى ظهرت قيم جديدة وغير منطقية؛ إذ أصبحت تغذية الرأي العام في البلدين بالكراهية دليلاً على الوطنية، أما أصحاب العقول الرزينة من الصحفيين، ممن يدعُون لإخماد الفتنة وتحكيم صوت العقل باتت تلاحقهم تُهم العمالة والخيانة".
الأزمة بين المغرب والجزائر
الأزمة الإعلامية بين المغرب والجزائر ليست بالجديدة على مدى نصف القرن الماضي، لكن الجفاء عاد مؤخراً بسبب الأحداث السياسية التي عرفتها المنطقة، لاسيما بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، والتطبيع المغربي مع إسرائيل، بالإضافة إلى التدخل العسكري في منطقة الكركارات الحدودية.
الصحفي المغربي إسماعيل عزام اعتبر في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية في فيسبوك، أن "برنامج قناة الشروق تعمَّد الإساءة في تجسيد شخص الملك، وذلك باستحضار كليشيهات كإظهار الدمية تطلب من الآخرين تقبيل يدها أو حديث الدمية عن أنها تقدم رشاوى للصحفيين".
واعتبر المتحدث أن هناك "معارك إعلامية مُقرفة للغاية بين نوع من الإعلام الجزائري ونوع من الإعلام المغربي، فالطرفان لديهما قَرَابة مع أجهزة في السلطة. وهناك رسوم كاريكاتورية سمجة وبرامج "سخرية" وقحة تُنشر بين هذا الجانب وذاك، غرضها الإساءة، تتحدث بشكل غير مقبول عن مسؤولي وحكام البلدين. كما أن هناك "محللين" يقضون كل وقتهم في تهويل ما يجري في كل جانب، لدرجة أنك تجد محللاً جزائرياً متخصصاً في ضرب المغرب، والعكس كذلك صحيح".
وأضاف المتحدث "للأسف حدة هذه المعارك زادت بشكل كبير منذ أزمة معبر الكركرات، وصار لدينا إعلام مغربي يهتم بالمشاكل الداخلية للجزائر، وإعلام جزائري يقوم بالدور ذاته –دون تعميم حول إعلام البلدين فهناك مؤسسات محترمة هنا وهناك- مع الإشارة إلى أن الطرف الجزائري المشارك في هذه الحرب الإعلامية هو أكثر حدة وأكثر تطرفاً في هجومه، خاصة مع عقيدة النظام الجزائري التي ترى في المغرب عدواً بسبب نزاع الصحراء، وللأسف كثيرٌ من المعارك بدأها الطرف الآخر للارتباط المستمر بينه وبين جبهة البوليساريو، رغم أن الدولة الجزائرية رسمياً تقول إنها ليست طرفاً في النزاع".
ترفّع مستعجل
الأزمة الإعلامية بين المغرب والجزائر، حسب صحفيين من الجانبين، تستوجب تدخلاً أخلاقياً عاجلاً لوقف تسابُق كل جهة لهزيمة الأخرى، والتسابق أيضاً في التدخل في الشؤون الداخلية، خصوصاً أن المغرب يرى أن الجزائر طرف حقيقي في نزاع الصحراء، والجزائر ترفع يدها وتقول إنها ليست طرفاً.
الصحفي المغربي إسماعيل عزام يقول في حديثه مع "عربي بوست" إنه من الواجب على "الهيئات المهنية في كل من المغرب والجزائر التدخل لوقف هذه المعركة التي يخسر فيها البلدان معاً، وبدل أن يتوقف تنديدها على ما يقوم به الطرف الآخر، عليها كذلك أن تتوجه للمنابر المحلية بملاحظات حول تغطيتها لقضايا الجار، عندما يصلّ ذلك حدّ الانتهاك الصريح لأخلاقيات المهنة".
وأضاف المتحدث: "هناك خلاف سياسي عميق بين المغرب والجزائر، ونتفق أن الإعلام يتم استغلاله في هذا الخلاف، وسأكون حالماً إذا طالبتُ بتغطية موضوعية من الجانبين لهذا الخلاف، خاصة أن الخلاف بالنسبة للمغاربة يخص أرضهم، ويخصّ دعم الجزائر لجبهة انفصالية ضد وحدة المغرب، لكن على الأقل يجب أن تتم مراعاة الحدّ الأدنى من الأخلاقيات في هذا التقاطب، وليس بالضرورة أن ننزل إلى القاع إذا أراد كل جانب الدفاع عن بلده أو سياساته".
من جهته، يعتبر الصحفي الجزائري حمزة عتبي في حديث مع "عربي بوست"، أن "ما يحدث حالياً من تراشق هو مؤشر على انحطاط الأخلاق عند بعض الصحفيين، ممن باعوا أقلامهم للسلطات، وتجرّدوا من ثوب المهنية، وهؤلاء الزمرة هنا وهناك تجدهم يديرون ظهورهم للقضايا الحقيقية التي تتصل بحياة الناس، ويجنحون إلى قضايا تافهة، بإيعاز من جهات داخل سرايا الحكم، بغرض التغطية على المشاكل الداخلية في البلدين، وإلهاء الشعبين بإشعال معارك خارجية".
من جهته، يدعو أشرف طريبق، رئيس المركز المغربي للتفكير والتطوير في حديثه مع "عربي بوست" إلى "ضرورة استحضار منطق الجوار والانتباه إلى خطورة هذا الفعل، ورد الفعل المترتب عليه، بالإضافة إلى دعوة كل الفاعلين والنخب في الجزائر والمغرب إلى عدم الانزلاق في التراشقات الإعلامية التي لا تنسجم مع روح الأخوة، والتراكم التاريخي الذي يجمع الشعبين المغربي والجزائري".