أثناء قراءتك لامتحانك أو استعدادك لممارسة مهامك، تجول في نفسك فكرة التصفح على مواقع التواصل والسوشل ميديا، وما أن تلج الموقع الفلاني حتى تنغمس فيه ولا تستطيع الخروج منه. ثم تدخل في سجالات جدلية غير منتجة ولا مفيدة، ولا يكاد ينتهي يومك حتى تستنفد طاقتك في الأخذ والرد بين فريق تناصره وفريق تناصبه العداء.. وهكذا دواليك. فلا أنت أنتجت ما يفيد ولا استطعت استغلال وقتك بما يعود عليك بالنفع. ومع استثقالك القراءة الجادة والبحوث الطويلة، تتولد عندك ظاهرة التفرج، فبدلاً من المتابعة الجادة والمنتجة تنشغل في سفاسف الأمور وتبحث عن ملهيات تبهج الصدور. ولم تعد القضية تبديد الزمن فقط، بل تكشف عن أمر أشد تعقيداً، ذلك أن الإدمان الشبكي يؤدي تدريجياً إلى انحلال الدافعية وهبوط العزيمة. فما أسباب ظاهرة الإدمان الإلكتروني؟ ولماذا الانغماس في هذا الإدمان يفقد الجدية وينشر السطحية؟ وهل هناك طرق لعلاج هذا المرض؟ كل تلك الأسئلة سأجيب عنها في هذا المقال.
أسباب الإدمان الإلكتروني
أثناء تقصّيك الأنباء اليومية المتدفقة، وتعقب مسلسل اللايكات والتعليقات، والانجرار إلى المهاترات الفكرية والقضايا الصغيرة، وتواصل التحديق في ترقب مماحكاتها ومغايظاتها، وقتها تنفصل تدريجياً عن روح العمل والإنتاج، وتصبح أسيراً داخل قفص الشبكة العنكبوتية، وتدخل في دوامة لا متناهية. وهنا نستعرض أهم سببين لهذه المشكلة:
أولاً: الشعور بالملل
وهي أولى مراحل الإدمان، حيث تتولد لديك رغبة في تعويض وقتك المهدور دون فائدة، فتجول في خاطرك فكرة تصفح الإنترنت لتعويض هذا النقص. وتحدث المشكلة عندما تعتقد أن الشعور بالملل لا يعوض إلا من خلال التصفح، مع أنه بإمكانك تعويض ذلك بقراءة كتاب أو رواية تضفي عليك جمالاً معرفياً ولغوياً لا يوصف. وخطورة هذه المرحلة ليس بتصفح الإنترنت بقدر ما هو المستهدف من تصفحك؛ فهل مثلاً تود مشاهدة فيديوهات "باب الحارة" التي تتواجد بكثرة في أيقونة الفيديوهات؟ أم تفضل سماع أغانٍ عاطفية تلهب قلبك حزناً وألماً؟ عليك أن تعرف ماذا تريد، هل تريد التصفح لمطالعة آخر الأخبار أم الغرق في دوامة النماذج الترفيهية المنتشرة بكثرة على منصات اليوتيوب؟ كل تلك الأسئلة عليك أن تأخذها بعين الاعتبار عند الولوج لمواقع التواصل الاجتماعي.
ثانياً: الامتيازات التي توفرها شبكة الإنترنت
ربما لا يوفر الواقع المعاش الامتيازات التي توفرها الشبكة العنكبوتية. واقع يفرض على البعض الهروب منه إلى المنصات الرقمية، حيث الحرية المطلقة ببث الآراء وتبادل الجدالات، عدا عن توفيره للزخم المأمول عكس الواقع المخذول. فمشاهدة رجل يتحدث عن يومياته تسبب لك الإدمان على متابعة المزيد من هذه اليوميات، ومشاهدة فيديو واحد فقط يجعلك تحبذ مشاهدة الفيديوهات المتبقية لمعرفة باقي القصة، وطبعاً أنت هنا لا تفضل متابعة المسلسل كاملاً بل مشاهدة متقطعة من فيديوهات متعددة وتعليقات متنوعة وأسئلة متكررة! وحتى لا يبقى وقتك هامشياً تلجأ إلى متابعة المغامرات، من مسابقات للسيارات وركوب للطائرات. كل هذا وأنت تجلس أمامك دون أن تؤمن لغدك ما ينفعك أو يحقق لك رغباتك في مقاطعك المتقطعة.
على كل حال، إن الامتيازات المتوفرة على الإنترنت جاذبة في أغلب الأوقات، فأنت لا تشبع ولا تكتفي من مطالعة نصف ساعة أو أكثر، بل تحتاج إلى أن تقضي معظم وقتك في البحث عن الملهيات وآخر المناظرات والحوارات. عدا عن الألعاب المجانية التي تقدمها الشبكة العنكبوتية، حيث تستهلك الطاقة والعزيمة، وتجعلك في نشوة موهومة، نشوة الانتصار الزائف.
طرق للوقاية من إدمان الإنترنت
كثيرة هي الطرق للوقاية من هذه المعضلة، فالحياة الجادة والمتخمة بالأعمال ستقلل حتماً من معدل دخولك إلى شبكة الإنترنت. وهنا نعرض أبرز الطرق الوقائية لمشكلة إدمان الشبكة العنكبوتية:
أولاً: تنظيم الوقت وأداء المهام وفق جدول زمني محدد. مثل استعمال المذكرة، وتقسيم اليوم إلى أنشطة مختلفة.
ثانياً: تخصيص عدد الساعات لاستخدام الإنترنت. فبعد إنجاز المهام يمكنك الدخول لتصفح آخر الأخبار.
ثالثاً: مطالعة الأخبار من خلال نوافذ محددة. فمثلاً بدل الانهماك في متابعة كل القنوات والمنصات الإعلامية يكفي لك متابعة قنوات موثوقة وموضوعية، وبالنسبة لي فأنا مشترك في منصة "عربي بوست" المتخصصة بنشر آخر الأخبار.
رابعاً: المتابعة المنتجة. وهذه المتابعة تعنى بالتقديم، من خلال الثقة والمعرفة التي اكتسبتها من مطالعتك للأخبار والأفكار، والبعد عن الاستهلاك والاتجاه نحو الإنتاج.
خامساً: مطالعة الكتب والمجلات. ربما أكثر ما يعطي الكاتب كلماته الجميلة هو مطالعته للثقافة والمعرفة الإنسانية، ويمكنك الاستفادة من خلال كتب الثقافة والفلسفة وكتب الأدب والشعر.. إلخ.
وفي النهاية، لا يقصد هذا المقال إلى عدم التفاعل والمشاركة على منصات التواصل الاجتماعي، بل إلى تقنين هذا التواصل بما يعود بالنفع على المستخدم، وترك المضرّ منها والتركيز على المفيد، والاهتمام بالأهم وترك القشور، والبعد عن المماحكات والتوترات. وهذا التقنين سيعود بالنفع على صحة الأفراد وعلاقتهم مع محيطهم الاجتماعي، من تواصل مع أصدقاء، وبالتالي تكوين علاقات دافئة ومستمرة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.