اجتماع الفصائل الفلسطينية في القاهرة يهدف إلى إزالة العقبات أمام إجراء الانتخابات في موعدها، لكن ماذا عن تأثير تلك الانتخابات على حركة فتح، وهل هناك مخرج لعراقيل "إسرائيل"؟
كان توقيع الرئيس الفلسطيني مرسوم إجراء الانتخابات خطوة هامة على طريق المصالحة وتوحيد الصف الفلسطيني، المنقسم بين فتح التي تتولى الأمور في الضفة الغربية، وحماس التي تحكم قطاع غزة منذ نحو 15 عاماً، خصوصاً بعد الإجراءات التي اتخذها الرئيس الأمريكي السابق من نقل سفارة واشنطن للقدس المحتلة، وإعطاء الضوء الأخضر لتل أبيب لضم معظم أراضي الضفة الغربية.
وفي هذا السياق تأتي المحادثات الفلسطينية في العاصمة المصرية القاهرة، والتي انطلقت الإثنين 8 فبراير/شباط، حيث يتعين على وفد فتح برئاسة جبريل الرجوب، ووفد حماس بقيادة صالح العاروري محاولة إزالة العقبات القانونية والأمنية والفنية من أجل سلامة الانتخابات.
وبجانب فتح وحماس، يشارك في اجتماعات القاهرة جميع الفصائل والأحزاب الفلسطينية الرئيسية، مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، بحسب تقرير لموقع The Monitor.
لكن على صعيد منظمة التحرير الفلسطينية أو حركة فتح، يبدو أن تحديد موعد الانتخابات التشريعية المقررة في مايو/أيار المقبل، والرئاسية في يوليو/تموز، قد أربك الأمور داخل الحركة، وانعكس ذلك في التصريحات المتناقضة بشأن موقف الحركة من الانتخابات، والقضايا المتعلقة بها، وكان أبرز تعبير عن ذلك ما قاله عضو المجلس الثوري لفتح والمتحدث باسمها عبدالفتاح حمايل، الذي قال إن الرئيس عباس "هدد خلال اجتماع المجلس الثوري للحركة الذي عقد في 26 يناير/كانون الثاني 2021 بإطلاق النار وقتل كل من يترشح من خارج قائمة فتح"، بحسب تقرير لموقع عربي بوست.
سيناريوهات متعددة لقائمة/ قوائم فتح
وتعتبر الآلية التي ستشارك بها فتح في الانتخابات، وموقف القيادي الأسير مروان البرغوثي، والمفصول من الحركة محمد دحلان من أبرز التحديات التي تواجهها الحركة، فيما يخص قضية الانتخابات.
ومن الخيارات المحتملة أمام الحركة -حسب محلليْن اثنين تحدثا لوكالة الأناضول التركية- تشكيل قائمة رسمية مشتركة، إما مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، كبرى الفصائل المنافسة لها، أو مع فصائل منظمة التحرير أو بعضها. أما الخيار الثاني فهو خوض الانتخابات بقائمة رسمية واحدة، بمعايير محددة، لكن هذا الخيار لا يمنع تشكيل قوائم بعناوين أخرى لشخصيات لا ترضى عن القائمة الرسمية.
وكانت إسرائيل قد اعتقلت البرغوثي عام 2002، وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة بتهمة المسؤولية عن عمليات ضد إسرائيل، بينما فصل دحلان، المقيم حالياً في الإمارات، من الحركة منتصف 2011، بتهمة "المس بالأمن القومي الفلسطيني والفساد، والتآمر".
ومن المقرر أن تُجرى الانتخابات الفلسطينية على 3 مراحل: تشريعية بنظام التمثيل النسبي الكامل في 22 مايو/أيار، ورئاسية في 31 يوليو/تموز، وانتخابات المجلس الوطني (البرلمان الممثل لفلسطينيي الخارج) في 31 أغسطس/آب.
هؤلاء لن يحق لهم الترشح للانتخابات
نشر القيادي في حركة "فتح" عبدالله كميل، عبر حسابه على فيسبوك، فئات من الحركة، قال إنه لن يسمح لها بالترشح لأي انتخابات وهم: أعضاء اللجنة المركزية، والمجلس الثوري للحركة، والأعضاء السابقون في المجلس التشريعي، ومسؤولو الأطر والوزراء والمحافظون الحاليون والسابقون.
ويهذا يقول القيادي الفتحاوي "لن تستنسخ فتح تجربتها المريرة في العام 2006، ولن تسمح لأي من أعضائها الترشح في قوائم مستقلة"، في إشارة إلى ثاني وآخر انتخابات أجريت للمجلس التشريعي، حيث فازت "حماس" بأغلبية المقاعد، وخسرت "فتح" دوائر كاملة لصالح منافستها.
وفي 25 يناير/كانون الأول الماضي، قال أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب، إن الحركة "ستخوض انتخابات المجلس التشريعي بقائمة واحدة".
لكن الصحفي والمحلل السياسي نواف العامر، يقول إن تاريخ حركة "فتح"، التي أحيت مطلع العام الذكرى 56 لتأسيسها، يؤكد أنها "لم تكن يوماً من الأيام موحدة". ويضيف "فتح، نافست نفسها في أول انتخابات تشريعية (1996)، وفي انتخابات 2006 خاضت الانتخابات بأكثر من رأي ورؤية ورواية".
أما عن مشاركتها في الانتخابات القادمة فيشير إلى خيارين: خارجي بالتحالف مع حركة "حماس" أو فصائل منظمة التحرير، وداخلي بقائمة واحدة أو عدة قوائم، ويقول إن الحركة قد تُشكّل قائمة رسمية، تمثل خيار رئيسها محمود عباس، وأخرى -قد تقلب الطاولة- يتصدرها الأسير مروان البرغوثي.
وعن فُرص دحلان، يبيّن العامر أن القانون يمنعه من الترشح "لصدور قرار قضائي بحقه من محاكم فلسطينية، واتهامه بالوقوف خلف أحداث محددة واختلاس أموال". وأصدرت محكمة الفساد الفلسطينية في عام 2013 حكماً بسجن دحلان 15 عاماً، وغرامة مالية 930.496 ألف دولار، بعد إدانته بالفساد. ويستبعد العامر أن يسمح الرئيس لتيار دحلان بخوض الانتخابات والترشح، وإن كان يحظى بحضور في غزة.
كما يستبعد أن يسعى البرغوثي لتشكيل قائمة موحدة مع دحلان "على اعتبار أن الأخير سيحرمه أصوات الناخبين بالضفة"، لكنه يضيف مستدركاً "لا شيء مستبعداً في الساحة الفلسطينية". ويشير المحلل الفلسطيني إلى وجود جهود عربية لإنجاز مصالحة بين الرئيس عباس ودحلان.
وهنا لا يرى أن زيارة رئيسي مخابرات الأردن ومصر إلى رام الله، منتصف الشهر الماضي، بعيدة عن الانتخابات، ومحاولة التقريب بين الرجلين، للقبول بخوض دحلان الانتخابات القادمة. وكان عباس قد استقبل في 17 يناير/كانون الثاني الماضي، رئيس جهاز المخابرات المصري عباس كامل، ورئيس جهاز المخابرات الأردني أحمد حسني، ووفدين مرافقين لهما، بحضور ماجد فرج، رئيس جهاز المخابرات الفلسطيني.
ماذا تقول استطلاعات الرأي العام عن فرص فتح؟
أظهر استطلاع للرأي العام، أجراه مؤخراً المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية (غير حكومي، مقره رام الله)، ونُشرت نتائجه في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2020، أنه لو شكّل البرغوثي قائمة للانتخابات التشريعية مستقلة عن قائمة "فتح" الرسمية فإنه قد يحصل على 25% من الأصوات، و19% فقط سيعطون أصواتهم لحركة "فتح" الرسمية.
وحسب نفس الاستطلاع، لو شكل محمد دحلان قائمة انتخابية مستقلة عن قائمة فتح، سيحصل على 7% من الأصوات و27% سيصوتون في هذه الحالة لفتح الرسمية. أما لو جرت انتخابات رئاسية جديدة ولم يترشح عباس فإن مروان البرغوثي هو المفضل لتولي منصب الرئيس بنسبة 37%، يتبعه إسماعيل هنية بنسبة 23%، ثم محمد دحلان بنسبة 7%.
ولو اختارت حركة فتح محمود عباس ليكون مرشحها الرئاسي فإن الأغلبية (52%) يعتقدون أن هناك من هم أفضل: 42% يرون أن البرغوثي أفضل منه، و10% يرون أن دحلان أفضل منه، و7% يرون أن رئيس الوزراء الحالي محمد اشتية أفضل منه.
الأكاديمي والباحث السياسي محمود فطافطة، قال للأناضول إن هناك عدة سيناريوهات لمشاركة "فتح" في الانتخابات. السيناريو الأول: تشكيل قائمة واحدة تضم قيادات متوسطة وشريحتي الشباب والمرأة، لاسترداد شيء من الثقة التي أذابت حيزاً كبيراً منها ممارسات السلطة والحكومات المتعاقبة على الصعد السياسية والاقتصادية وعلى صعيد الحريات.
أما السيناريو الثاني، فهو تشكيل عدة قوائم، وأن تتجه قيادات فتحاوية، بينها أعضاء في اللجنة المركزية إلى تشكيل قائمة فتحاوية منفصلة عن القائمة الرسمية "قد يكون فيها حضور مباشر أو غير مباشر للقيادي محمد دحلان".
وفي السيناريو الثالث لا يستبعد الباحث الفلسطيني أن "يسعى أشخاص يشعرون بالتهميش والاستبعاد إلى تشكيل قوائم تحت عناوين مختلفة".
ويضيف فطافطة أن دحلان "له تأثير وقاعدة شعبية تصويتية، خاصة في الشمال وبعض المخيمات، وفي قطاع غزة"، مشيراً إلى "دور المال في خدمة دحلان، فضلاً عن أنظمة مجاورة تسعى لإعادته إلى المشهد الفتحاوي". لكنه يقول إن الرئيس عباس ما زال يرفض بشكل مطلق عودة دحلان بعد طرده من الحركة، مع ذلك لا يرى ما يمنع حضوره بصورة أشخاص آخرين.
أسئلة هامة وعراقيل أمام الانتخابات
لكن بعيداً عن المأزق "الفتحاوي"، تواجه إقامة الانتخابات نفسها أسئلة صعبة، لخّصها مدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله خليل الشقاقي بقوله لموقع فرانس 24: "أي سلطة قضائية ستفصل في الخلافات الانتخابية؟"، ويشير إلى وجود سلطتين قضائيتين حالياً، واحدة في رام الله والثانية في غزة، وبينما لا يعترف قضاء السلطة الفلسطينية في رام الله بمحاكم حركة حماس، قد تصر الحركة "على السماح لقضاتها بالفصل في الخلافات الانتخابية في غزة".
وهناك أيضاً السؤال بشأن "من سيراقب العملية الانتخابية"، وهنا يحذر الشقاقي من احتكاك محتمل في حال أصرت حركة فتح على إرسال قوات تابعة للسلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة.
لكن ربما تكون العقبة الأكبر هنا هي أن أي تقدم تحرزه الفصائل الفلسطينية في مباحثات القاهرة ستواجهه معضلة أكبر تتمثل في موافقة إسرائيل على إجراء الانتخابات في القدس الشرقية، التي احتلتها الدولة العبرية في 1967، وضمتها لاحقاً في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.