للروس حسابات أخرى
انتهت رحلة المنتخب الروسيّ أخيراً في كأس العالم، ليخرج من أرضية الملعب، لكن ليس بعد من الأذهان والعقول المتعجبة من الأداء الذي قدمه. فما قدمه المنتخب الروسيّ، بدنياً، أمام المنتخب الإسباني كان مذهلاً، لكن ما قدمه أمام المنتخب الكرواتيّ، كان "مخيفاً".
مخيف لأن المنتخب الذي كان قد لعب 120 دقيقة بطولية أمام المنتخب الإسباني، الذي قام بتحريكه يميناً ويساراً وأرهقه بدنياً وفنياً، وصل إلى مباراة كرواتيا في ربع النهائي وكأن شيئاً لم يكن، وكأن لاعبيه أتموا عملية الاستشفاء على أكمل وجه وكأن الفاصل بين المباراتين كان أسبوعين وليس خمسة أيام أو أنهم، أي اللاعبون الروس، معتادون على ضغط المباريات المتتالية والعصيبة من خبراتهم في الدوري الروسي وهو ما لا يمكن الاقتناع به خصوصاً عندما بدأ اللاعبون الكروات في التساقط على أرضية ملعب فيشت الأولمبي واحداً تلو الآخر.
حيث ركض المنتخب الروسيّ هذه المرة 148 كيلومتراً خلال 120 دقيقة بزيادة " " كيلومتر عن مباراته أمام المنتخب الإسباني في دور الـ16.
ركض المنتخب الكرواتي 139 كيلومتراً؛ أي أقل من 9 كيلومترات من المنتخب الروسي!
وإن تغاضينا عن فارق الكيلومترات الـ9، وأعدنا شريط المباراة مرة أخرى؛ فسنجد أن أكثر من 5 لاعبين كروات وقعوا على أرضية الملعب من فرط الإجهاد العضلي، واضطر المدرب الكرواتي، زلاتكو داليتش، إلى استكمال الأشواط الإضافية بأكملها بالحارس المصاب دانييل سوباسيتش، بعد أن استنفد تبديلاته اضطرارياً بخروج المصاب الظهير الأيمن شيمي فرساليكو، ومن قبله الظهير الأيسر المجهد إيفان سترينيتش. في حين لم يُجر المنتخب الروسي أي تبديلات اضطرارية ولم يشتكِ أي لاعب من أي إصابة عضلية.
رغم أن أي مقارنة بين الأندية التي ينشط بها اللاعبون الروس واللاعبون الكروات لن تكون في صالح الروس على الإطلاق.
فالكروات يلعب في صفوفهم؛ لوكا مودريتش "ريال مدريد"، وإيفان راكيتيتش "برشلونة"، وشيمي فرساليكو "أتليتكو مدريد".
في حين أن أكبر اسم بالمنتخب الروسي يلعب في صفوف نادي فياريال الإسباني؛ دينيس شيرشيف. والغريب أن المدرب الروسي دائماً ما كان يبدأ به كاحتياطي أو أنه يكون تبديلاً أول، رغم أنه من المفترض أن يكون أعلى اللاعبين فنياً وبدنياً من البقية التي تلعب في الدوري المحلي!
لكن يبدو أن للروس حسابات أخرى.
كلمة السر.. التستوتيرون
المنشطات الرياضية على عمومها هي هرمونات ومواد تنتج في الجسم طبيعيا وتقوم بتحفيز بناء أنسجته وتطورها، ولكن يقوم متعاطوها بتزويد أجسامهم بها من مصدر خارجي، عبر الحقن مثلا، وبتركيز مرتفع جداً من أجل زيادة حجم العضلات وقوتها وقدرة التحمل.
وفي السياق الرياضيّ التنافسيّ؛ تشير كلمة "المنشطات" إلى تناول بعض العقاقير من أجل الدخول في منافسة غير عادلة مع الخصم بالألعاب الرياضية، وتعتبر مواد غير قانونية، إذ عادة يعاقب متعاطوها بالاستبعاد من البطولات الرياضية، كما أنها تحمل مخاطر صحية كبيرة على الجسم قد تصل بصاحبه إلى الموت.
يتناول الرياضيون من الرجال والنساء عقاقير تحسين الأداء من أجل زيادة معدل إفراز هرمون التستوستيرون، ما يمكّن أجسادهم من إنتاج كميات أكبر من كريات الدم الحمراء الغنية بالأكسجين، وهو الضروري لإنتاج الطاقة في الجسم. ودون القدرة على إنتاج الأكسجين بسرعة كبيرة، يصبح الجسم أكثر عرضة للإرهاق والتعب. وكلما زاد إنتاج الأكسجين، زادت القدرة على تحمُّل الإرهاق، ويساعد مركب الستيرويد الخلايا العضلية على إنتاج المزيد من البروتين؛ ما يؤدي في النهاية إلى تقوية العضلة وزيادة حجمها.
ما هو؟
هرمون من عائلة الإسترويدات البنائية "Anabolic hormones"، وهو هرمون بنائي، أي أن الجسم يقوم بإفرازه لتحفيز عملية البناء. وللتستوستيرون في أجسامنا تأثيران أساسيان، الأول تحفيز عملية بناء العضلات، والثاني مسؤوليته عن تطوير صفات الذكورة، مثل شعر الوجه وخشونة الصوت.
التستوستيرون هو أحد الهرمونات التي تفرز في الجسم من الخصيتين لدى الذكور والمبيضين لدى الإناث، وهو هرمون الذكورة الأساسي لدى الذكور. وبسبب خصائصه فإن له استعمالات طبية وعلاجية، ولكن ليس من بين استعمالاته المشروعة على الإطلاق تحفيز الأداء الرياضي، ولذلك فإن تعاطيه يعد أمرا غير قانوني.
كما توجد مجموعة صناعية من الهرمونات تم تصميمها خصيصا للتنشيط الرياضي، ويطلق عليها اسم "الإسترويدات البنائية المصممة"، وهي ليست مواد تم تصنيعها لأغراض طبية كهرمون التستوستيرون السالف الذكر وبالتالي لم تخضع لاختبارات على الإطلاق، وهذا يعني أنه لا توجد وسيلة لتقييم مخاطرها التي قد تكون وخيمة.
معجزة في موسكو!
المكان: الساحة الحمراء (موسكو)
المناسبة: الاحتفال بتأهل المنتخب الروسي إلى الدور ربع النهائي من منافسات كأس العالم للمرة الأولى منذ انهيار الاتحاد السوفييتي.
تأهل الروس جاء على حساب المنتخب الإسباني بعد الفوز عليه بركلات الترجيح 4-3 بعد انتهاء الوقت الأصلي والإضافي بالتعادل 1-1.
في تلك الليلة ربما لم أفكر في شيء ما سوى المفاجأة التي فجرها الروس على أرضية ملعب "لوجنيكي" في عاصمتهم، وكيف استطاعوا ترويض "الثيران الحمراء" حتى أخرجوهم من البطولة. كيف لهذا الفريق محليّ الصنع أن يقهر فريقاً بقيمة المنتخب الإسباني.
لكن في صبيحة اليوم التالي، وجدت نفسي أسأل بعض الأسئلة البديهية مثل؛ هل كان متوقعاً أن تفوز روسيا على إسبانيا ؟ قطعاً، لا. هل فوز روسيا على المنتخب الإسباني مفاجأة ؟ نعم. هل تحدث المفاجآت في كرة القدم؟ بالتأكيد.
إذاً أين المشكلة؟
المشكلة ليست في فوز روسيا بمباراة حاسمة ولا حتى التتويج ببطولة كأس العالم، المشكلة والتساؤلات تدور حول الأداء البدني "الخارق" الذي يقدمه لاعبو المنتخب الروسيّ منذ انطلاق البطولة وحتى الآن. فالمنتخب الذي لم يشارك في أية منافسات رسمية خلال عامي 2016 و2017 سوى بعض المباريات الودية لأنه لم يتأهل إلى بطولة "يورو 2016" ولم يشارك في التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم، بحكم كونه منتخب البلد المستضيف للبطولة، هو أكثر المنتخبات ركضاً منذ انطلاق البطولة، حيث يركض لاعبو المنتخب الروسيّ قرابة 116 ألف و596 متراً (116,5 كيلو متر) في المباراة الواحدة، وهو أعلى رقم بين الفرق المشاركة في البطولة.
كما أن أكثر 3 لاعبين ركضاً في المونديال حتى اللحظة يلعبون ضمن صفوفه؛ حيث كان المركز الأول من نصيب نجم المنتخب الروسيّ الأول ألكساندر غولوفين، وفي المركز الثاني زميله ألكساندر ساميدوف، وفي المركز الثالث يوجد يوري غازينكسي.
بالتأكيد، لا يوجد دليل ملموس على أن أي منتخب من المنتخبات المشاركة في كأس العالم بروسيا منح لاعبيه عقاراً ما لتحسين الأداء أو تسريع عملية الاستشفاء. وفيما يخص روسيا، فقد عمل الاتحاد الدولي لكرة القدم على تبرئة ذمة الدولة المستضيفة من التهم المتعلقة باستهلاك المنشطات قبل بداية المونديال؛ وذلك بسبب عدم توافر أدلة كافية لإدانة أي من اللاعبين الـ23 الذين يشكلون قوام المنتخب الروسي.
لكن ما لا يمكن إغفاله ونكرانه هو4.
الآن يصبح السؤال هو؛ هل هذا طبيعي؟ قطعاً، لا.
هنا يصبح التساؤل عن احتمالية تعاطي اللاعبين الروس للمنشطات، تساؤلاً مشروعاً.
بعد آخر يجب التنويه إليه، وهو أننا لا نتحدث عن دولة متقدمة تتمتع بمستوى عال من الشفافية وممارسات محترفة في محاربة الفساد، لكننا بصدد دولة تحتل المرتبة الـ 29 ضمن الدول الأكثر فساداً حول العالم طبقاً لمنظمة الشفافية العالمية. كما أن ارتباط الرياضة الروسية بالفضائح والتجاوزات، قديم الأزل، إذ يعود إلى الحقبة السوفييتية. ويرجع ذلك إلى ظهور بعض الأدلة التي تحيل إلى منح المنشطات للرياضيين المشاركين في الألعاب الأولمبية لسنة 1980 وسنة 1984.
وأسهمت الأدلة المتعلقة بوجود برنامج تعاطي منشطات مدعوم من قِبل الدولة على نطاق واسع في العديد من الرياضات -على غرار رفع الأثقال وألعاب القوى وكرة القدم- في تشويه صورة الرياضة الروسية خلال السنوات الأخيرة. وبعد سنوات من الشكوك والادعاءات والادعاءات المضادة، بلغت فضيحة المنشطات الروسية ذروتها سنة 2015، وذلك عقب ظهور تقارير وثائقية وإعلامية تؤكد وجود برنامج تعاطي منشطات مدعوم من قِبل الدولة، مما أجبر الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات على فتح تحقيق في الأمر على الفوز.
كانت نتائج التحقيقات التي كشفتها الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات، والتي أشرف عليها رئيس الوكالة السابق، ديك باوند، صادمة للغاية، حيث تضمنت معلومات تفيد بتورط المئات من الرياضيين الروس في برنامج تعاطي منشطات. وتجدر الإشارة إلى أن هذا التحقيق أورد أن السلطات الروسية عملت على تسيير وتنظيم هذا البرنامج في الخفاء. بشكل أوضح؛ جهاز الدولة الروسيّ هو من نظَّم وأشرف على برنامج تعاطي المنشطات.
خلال سنة 2016، عمد المدير السابق للمختبر الروسي للكشف عن المنشطات، غريغوري رودشينكوف، إلى نشر بيانات مفصلة حول برنامج تعاطي المنشطات الروسي، وذلك عقب طرده وفراره إلى الولايات المتحدة الأميركية؛ خوفاً على حياته. ونتيجة لذلك، تم منع الرياضيين الروس من المشاركة في فعاليات الألعاب الأولمبية الصيفية لسنة 2016، فضلاً عن دورة الألعاب الأولمبية لسنة 2018، بناءً على توصية من المحامي الدوليّ ريتشارد مكلارين، الذي قام بالتحقيق في ادعاءات تعاطي المنشطات بناءً على شهادة رودشينكوف.
ومن خلال تقريره، بيَّن مكلارين لصالح الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات أنه لا مجال للشك في تورط "الكرملين" بتشجيع الرياضيين على تعاطي المنشطات والسعي لإخفاء ذلك. ولم تخضع كرة القدم الروسية للمستوى نفسه من التدقيق من قِبل الفيفا، الذي تعرضت سياسته لمكافحة المنشطات لانتقادات كثيرة في السابق.
سيكون إذاً من السذاجة افتراض حسن النية والسذاجة عند قراءة إحصائيات ما بعد المباراة واكتشاف أن المنتخب الروسي صاحب معدل أعمار يقترب من 30 عاماً، استطاع الركض لمدة 120 دقيقة قاطعاً مسافة 146 كيلومتراً بينما لاعبو المنتخب الإسباني المحترفون في أكبر أندية العالم، والمتمرسون على اللعب في مستوى تنافسي أعلى بكثير من المستوى الذي يلعب به الروس، والمعتادون على أحمال بدنية ضخمة، ويبلغ معدل أعمارهم 27.8 للتشكيلة التي لعبت المباراة، قطعوا مسافة 137 كيلومتراً.
ما يثير الدهشة والريبة أيضاً هو أن المدافع الضخم سيرغي إيغانشيفتش قطع 12.3 كيلومتر ليصبح خامس أكثر لاعبي المنتخب الروسي ركضاً، علماً بأنه يبلغ من العمر 38 عاماً!
بينما كان أفضل لاعبي المنتخب الإسباني هو متوسط الميدان صاحب الـ 26 عاماً كوكي والذي قطع 14.7 كيلومتر، مع مراعاة أن لاعبي خط الوسط والأطراف هم الأكثر ركضاً دائماً خلال المباريات.
أسهمت بعض الأدلة المتعلقة بوجود برنامج تعاطي منشطات مدعوم من قِبل الدولة على نطاق واسع في العديد من الرياضات -على غرار رفع الأثقال وألعاب القوى وكرة القدم- في تشويه صورة الرياضة الروسية خلال السنوات الأخيرة.
وبعد سنوات من الشكوك والادعاءات والادعاءات المضادة، بلغت فضيحة المنشطات الروسية ذروتها سنة 2015، وذلك عقب ظهور تقارير وثائقية وإعلامية تؤكد وجود برنامج تعاطي منشطات مدعوم من قِبل الدولة، مما أجبر الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات على فتح تحقيق في الغرض.
كانت نتائج التحقيقات التي كشفتها الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات، والتي أشرف عليها رئيس الوكالة السابق، ديك باوند، صادمة للغاية، حيث تضمنت معلومات تفيد بتورط المئات من الرياضيين الروس في برنامج تعاطي منشطات. وتجدر الإشارة إلى أن هذا التحقيق أورد أن السلطات الروسية عملت على تسيير وتنظيم هذا البرنامج في الخفاء. بشكل أوضح؛ جهاز الدولة الروسيّ هو من نظَّم وأشرف على تنظيم برنامج تعاطي المنشطات.
خلال سنة 2016، عمد المدير السابق للمختبر الروسي للكشف عن المنشطات، غريغوري رودشينكوف، إلى نشر بيانات مفصلة حول برنامج تعاطي المنشطات الروسي، وذلك عقب طرده وفراره إلى الولايات المتحدة الأميركية؛ خوفاً على حياته. نتيجة لذلك، تم منع الرياضيين الروس من المشاركة في فعاليات الألعاب الأولمبية الصيفية لسنة 2016، فضلاً عن دورة الألعاب الأولمبية لسنة 2018، بناءً على توصية من المحامي الدوليّ ريتشارد مكلارين، الذي قام بالتحقيق في ادعاءات تعاطي المنشطات بناءً على شهادة رودشينكوف.
ومن خلال تقريره، بيَّن مكلارين لصالح الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات أنه لا مجال للشك في تورط الكرملين بتشجيع الرياضيين على تعاطي المخدرات والسعي لإخفاء ذلك. ولم تخضع كرة القدم الروسية للمستوى نفسه من التدقيق من قِبل الفيفا، الذي تعرضت سياسته لمكافحة المنشطات لانتقادات كثيرة في السابق.
أثار الأداء الذي قدمه لاعبو المنتخب الروسي لكرة القدم خلال كأس العالم العديد من الشكوك، حيث قدم البلد المستضيف أداءً بدنياً غير مسبوق. وزعمت صحيفة "Mail on Sunday" البريطانية خلال الشهر الماضي (يونيو/حزيران 2018)، أن الفيفا حصل على وثائق تثبت تستر كرة القدم الروسية على تعاطي بعض اللاعبين المنشطات منذ 18 شهراً، إلا أنه عجز عن القيام بشيء حيال هذا الأمر.
ذكرت الصحيفة أنه من بين 155 حالة التي كشفت عنها التحقيقات، تم تأكيد 34 منها بشكل قاطع، وهو ما مهّد الطريق أمام إجراءات تأديبية رسمية. وأكدت الوثائق أن 23 لاعباً من المنتخب الروسي الذين شاركوا في كأس العالم لكرة القدم لسنة 2014. ويوجد 7 لاعبين في المونديال الحاليّ رفقة المنتخب الروسيّ كانوا موجودين بقائمة مونديال البرازيل 2014؛ أي إنه يوجد 7 لاعبين "شبه" متأكَّد من تعاطيهم "السابق" للمنشطات. وهم: حارس المرمى إيغور أكينفيف، ويوري جيركوف، وفلاديمير غرانات، وأندريه سيميونوف، وآلان دزاغويف، وألكساندر ساميدوف، وصاحب الـ39 عاماً سيرغي إيغناشيفتش. وقائمة الـ23 تلك التي شاركت في كأس العالم 2014 تقع ضمن قائمة أكبر تضم لائحة من 34 رياضياً متورطين.
الرحلة إلى "يورو 2008"
ما يحدث الآن في موسكو يذكرنا بما حدث في كأس أوروبا 2008 ككل، وتحديداً المواجهة التي جمعت بين المنتخب الروسي ونظيره الهولندي والتي كانت بمثابة أفضل مباراة خاضها "الدب" الروسي منذ انهيار الاتحاد السوفييتي.
فقد تغلب اللاعبون أصحاب القمصان البيض على نظرائهم البرتغاليين بنتيجة 3-1 في الوقت الإضافي للمباراة التي احتضنتها مدينة بازل السويسرية، ما ساهم في تأهلهم إلى الدور نصف النهائي.
خرج بعدها مدرب المنتخب الروسي لكرة القدم الهولنديّ غوس هيدينك، ليصرح بأنه لم ير شيئاً مماثلاً خلال مسيرته التدريبية. وهذا ما أكده حارس هولندا إدوين فان دير سار، الذي قال إن هيدينك جعل الروس يلعبون بشكل مماثل للعب الهولنديين. أما مدرب "الطواحين"، ماركو فان باستن، فقد بدا حزيناً ومتفاجئاً آنذاك، حيث صرح المدرب الخاسر أن فريقه كان لديه "أسبوع" كامل للتجهيز للمباراة وأنهم اعتقدوا أنهم سيكونون في وضعية أفضل من الروس إلا أنهم وجدوا الروس "أقوى" منهم بكثير.
وقد شهدت تلك الفترة تألقاً للكرة الروسية، حيث توج النجم الروسي أندري أرشافين رفقة زينيت سانت بطرسبرغ الروسيّ ببطولة كأس الاتحاد الأوروبي، وتوّج هو بجائزة أفضل لاعب خلال البطولة، وقد مثلت تلك الفترة بداية ما اعتقد أنها حقبة جديدة من تواجد الروس على خارطة كرة القدم الأوروبية، نظراً لامتلاكهم الموارد المالية الكافية لاستقدام اللاعبين والمدربين، كما كانوا يمتلكون جيلاً ذهبياً من اللاعبين.
لكن على الرغم من تلك البوادر الإيجابية للثورة الكروية الروسية، فإنها لم تستمر على أرض الواقع؛ فقد تراجع أداء المنتخب عقب نهاية كأس أوروبا 2008، واختفى أثره من الساحة الدولية تماماً وكأن تلك البطولة لم تكن!
وفي سيرته الذاتية بعنوان Fighting Spirit، عبر اللاعب فيرناندو ريكسين، الذي التحق بنادي زينيت قادماً من رينجرز الاسكتلندي في 2006، عن مدى اندهاشه من كمية الحقن والعقاقير والمنشطات التي يتناولها لاعبو النادي الروسي.
ويروي ريكسين، "الإبر والحقن في كل مكان تقريباً، لقد بدا وأن جميع اللاعبين معتادين على تعاطي المنشطات، لقد بدت غرف الملابس وكأنها مختبرات سرية". وقد زعم ريكسين أن هذه المنشطات لها تأثير "مدهش"؛ مفصلاً "ستمكنك من استعادة لياقتك البدنية بشكل سريع جداً، وستجعلك قادراً على اللعب لمدة 90 دقيقة أخرى في ذات اليوم".
صُدم ريكسين من التأثيرات القوية لتلك الحُقن على جسده ومردوده البدنيّ. لقد كانت تمنع تلك العقاقير والحقن الشعور بالإرهاق العضليّ، "فبعد تناولي لها، شعرت وأنني قد حصلت على دفعة من الطاقة تفوق الخيال. فعادةً، يستغرق الأمر مني 48 ساعة حتى أتعافى بشكل كامل بعد المباراة، ولكنني تمكنت الآن من استعادة لياقتي بشكل سريع، لدرجة أنني كنت على استعداد للعب 3 مباريات أخرى. كما شعرت كأن مباراتي الأخيرة التي شاركت فيها كانت قبل أسبوع، بينما لم يمر عليها في الواقع إلا بضعة أيام".
لا يعرف أحد ماهية تلك المواد، كما لم تُثبت أي من الفحوصات التي خضع لها لاعبو زينيت تعاطيهم للعقاقير المنشطة لتحسين الأداء. وفي هذه الحالة، إن الاحتمال البديل هو أن الفريق قد استفاد ببساطة من تدريبات هيدينك، لأنه لا يوجد أي دليل يؤكد أن المدرب أو فريقه يتعاطون تلك المنشطات.
لكنني ما زلت أتذكر تصريح غوس هيدينك بعد المباراة عندما قال, "عندما انهار الجميع وخارت قواهم على الملعب في الوقت الإضافي، كان أرشافين ما زال يقدم المزيد".
بعد انتهاء البطولة، تعاقد آرسنال الإنكليزي مع أرشافين ولم يتلقَ اللاعب لوماً على شيء بقدر انخفاض مستوى لياقته البدنية وقلة مجهوده على أرضية الميدان.
منشطات تحت رعاية الدولة
ثم جاءت النسخة الحالية من المونديال لتكون نقطة العودة بالنسبة للروس، الذين تمكنوا من الفوز على المنتخب السعودي بخماسية نظيفة، وأتبعوا هذا الانتصار العريض بفوز ثانٍ على المنتخب المصري 3ـ1، ليضمنوا بطاقة التأهل لدور 16 وثم يقصوا المنتخب الإسبانيّ في أكبر مفاجآت المونديال حتى الآن.
وهذه أول مرة يصل فيها المنتخب الروسي إلى الدور ربع النهائي في تاريخه، منذ تأسست روسيا الاتحادية عقب انهيار الاتحاد السوفييتي في 1990.
لكن بعد مرور 10 سنوات على آخر ظهور مقنع للمنتخب الروسي، ومعرفة كل ما يتعلق بالرياضة الروسية وخباياها في السنوات الأخيرة، يطرح المجتمع الرياضي أسئلة هامة وخطيرة حول مشوار المنتخب الروسي في المونديال، على غرار السبب الذي يمكنهم من اللعب بهذا الشكل الجيد فنياً والقوي بدنياً بشكل مخيف. وفي خضم هذه التساؤلات، يرى العديدون أن هناك احتمالاً لاستفادة لاعبي المدرب ستانيسلاف تشيرتشيسوف من برنامج تعاطي المنشطات الذي تديره الدولة وتم على إثره استبعاد الروس من المشاركة في الألعاب الأولمبية الأخيرة.
لقد قام المدير السابق للمختبر الروسي للكشف عن المنشطات، غريغوري رودشينكوف، بالتبليغ عن المخالفات في مجال تعاطي المنشطات في الرياضة الروسية وسلط الضوء على مسألة التعاطي المكثف لـ "هرمون كورتيكوستيرويد" المنشط في عالم كرة القدم والذي يعمل على منع إجهاد العضلات، والذي تم تحت إشراف وزير الرياضة والشباب، ورئيس اتحاد كرة القدم والذي شغل منصب رئيس نادي سان بطرسبرغ سابقة فيتالي موتكو؛ الذي قد مُنع من المشاركة في الفعاليات الرياضية من قبل اللجنة الأولمبية الدولية بسبب قضية متعلقة بالمنشطات.
غريغوري رودشينكوف
خلال كلمة ألقاها في مؤتمر النزاهة بين الرياضة والسياسة الذي عقد في يونيو/حزيران 2018، أورد رودشينكوف أن موتكو، الذي لم يعترف قط بارتكابه تلك الجرائم الأخلاقية، طلب منه عدم المساس بلاعبي كرة القدم والتأكد من عدم معاقبة أي لاعب يتعاطى المنشطات.
يندرج مثل هذا الطلب ضمن رغبات موتكو المتكررة بالسرية التامة لضمان عدم إثارة أي ضجة إعلامية حول هذا الموضوع، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمنتخب الروسي لكرة القدم. وقد صرح غريغوري رودشينكوف، "خاطبني موتكو قائلاً أنه بصفته مديري وأهم رجل في كرة القدم الروسية، يتوجب علي أن لا أقترب من لاعبي كرة القدم، وشدد على ضرورة إبلاغه في حال واجهتُ أي مشكلة".
ولم يحدد رودشينكوف أسماء لاعبي المنتخب الروسي المشاركين في كأس أوروبا 2008، لكن الصحفي الاستقصائي في صحيفة The Mail on Sunday البريطانية نيك هاريس، قال إن هذه القائمة شملت جميع لاعبي المنتخب الروسي المشاركين في كأس العالم 2014 البالغ عددهم 23 لاعباً، بما في ذلك 3 لاعبين ساهموا في الفوز الشهير للمنتخب الروسي أمام نظيره الهولندي في موقعة الدور ربع النهائي من كأس أوروبا 2008.
ولقد تولى موتكو، الذي لطالما نفى ارتكابه لأي تجاوزات، منصب وزير الرياضة في مايو/أيار 2008، أي قبل شهر واحد من انطلاق كأس أوروبا 2008 التي تألق فيها منتخب بلاده. وقبل ذلك، سيطر موتكو على كرة القدم الروسية طيلة 3 سنوات، بعد أن أصبح رئيس الاتحاد الروسي لكرة القدم في أبريل/نيسان 2005.
ثم في العام التالي، قام موتكو بانتداب المدرب المخضرم غوس هيدينك لتدريب المنتخب الروسي، على حساب ديك أدفوكات وبول لوغوين، لإنقاذ كرة القدم الروسية من كابوس عدم التأهل لكأس العالم 2006.
وما زال ينكر الاتحاد الروسي لكرة القدم وجود برنامج منشطات ترعاه الدولة في كرة القدم. ولكن الأسئلة المطروحة حول الاستخدام المحتمل للمنشطات في كرة القدم الروسية قد وجهت لأطراف أخرى، وخاصة نادي زينيت سان بطرسبرغ الذي كان تحت إدارة موتكو، والذي قدم ثلاثة لاعبين بزغ نجمهم في يورو 2008، وهم أندريه أرشافين وألكسندر أنيوكوف وكونستانتين زيريانوف.
بالعودة إلى كأس العالم الحالية. قد رفض الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" الكشف عن عدد اختبارات المنشطات التي أجرتها على لاعبي منتخب روسيا في كأس العالم بعد البداية المذهلة للفريق حتى الآن.
كما أن "فيفا" لم تكشف عما إذا كانت قد أجرت اختبارات للاعبين الروس غير الاختبارات الروتينية التي تتم بعد الانتهاء من المباراة.
وطالب الرئيس التنفيذي لوكالة مكافحة المنشطات بالولايات المتحدة، ترافيس تايغارت، بفعل العديد من الاختبارات للاعبين الروس ووضعهم تحت الضغط طوال وقت البطولة لحماية ثقة الجمهور في نزاهة كأس العالم. ويتوجب على الفيفا الضغط على الاتحاد الروسي لكرة القدم لضمان عدم تكرار فضيحة التعاطي الجماعي للمنشطات الرياضية والتي تم اكتشافها متأخراً بعد أن فاز الروس بالعديد من الميداليات الأولمبية.
وقال تايغارت، الرجل الذي استطاع اكتشاف استخدام الدراج العالمي لانس أرمسترونغ لمواد محظورة، وفي تصريحات لصحيفة التلغراف البريطانية قال إن القواعد الدولية تقول بأنه يجب التحقيق والبحث في التحسن المفاجئ في المستوى الرياضي، في أي رياضة كان. وبالتأكيد إن ما يقوم به اللاعبون الروس خلال نهائيات كأس العالم هو "طفرة استثنائية"، مثل ما حدث في بطولة "يورو 2008″، ويجب التحقيق فيها، كي لا تفقد كرة القدم مصداقيتها في حال ثبوت تعاطي اللاعبين الروس للمنشطات في المستقبل.
في نفس الوقت، أعلنت "فيفا" أن روسيا "واحدة من أكثر الفرق خضوعاً لاختبارات المنشطات قبل كأس العالم 2018" ، لكن المتحدث الرسمي باسمها قال، "عندما يتعلق الأمر باختبارات خلال المسابقة الجارية حالياً، يرجى تفهم أننا لا نستطيع التعليق".
وحذر تايغارت من أنه من "السذاجة" عدم الاعتقاد بأن روسيا ستحاول انتهاك قواعد مكافحة المنشطات خلال كأس العالم، وهي البطولة التي كان يجب تجريد روسيا من شرف استضافتها بعد أن تبين أنها نظمت برنامجاً ممنهجاً لتعاطي المنشطات أدى إلى إفساد أولمبياد لندن 2012 وأولمبياد سوتشي الشتوي 2014.
وزعمت صحيفة "Mail on Sunday" البريطانية خلال الشهر الماضي (يونيو/حزيران 2018)، أن الفيفا حصل على وثائق تثبت تستر كرة القدم الروسية على تعاطي بعض اللاعبين المنشطات منذ 18 شهراً، إلا أنه عجز عن القيام بشيء حيال هذا الأمر.
ذكرت الصحيفة أنه من بين 155 حالة التي كشفت عنها التحقيقات، تم تأكيد 34 منها بشكل قاطع، وهو ما مهّد الطريق أمام إجراءات تأديبية رسمية. وأكدت الوثائق أن 23 لاعباً من المنتخب الروسي الذين شاركوا في كأس العالم لكرة القدم لسنة 2014. ويوجد 7 لاعبين في المونديال الحاليّ رفقة المنتخب الروسيّ كانوا موجودين بقائمة مونديال البرازيل 2014؛ أي إنه يوجد 7 لاعبين "شبه" متأكَّد من تعاطيهم "السابق" للمنشطات. وهم: حارس المرمى إيغور أكينفيف، ويوري جيركوف، وفلاديمير غرانات، وأندريه سيميونوف، وآلان دزاغويف، وألكساندر ساميدوف، وصاحب الـ39 عاماً سيرغي إيغناشيفتش. وقائمة الـ23 تلك التي شاركت في كأس العالم 2014 تقع ضمن قائمة أكبر تضم لائحة من 34 رياضياً متورطين.
الرد الروسيّ
وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قضية المنشطات بـ"النكسة" المتمثلة بتدخل السياسة بالرياضة، محذراً من انقسام الحركة الأولمبية الدولية بعد هذا القرار.
على نفس الخط، شكك المدير العام السابق للوكالة الروسية لمكافحة المنشطات راميل خابرييف بعمل اللجنة المستقلة التابعة للوكالة الدولية لمكافحة المنشطات، وشدد على ضرورة أن تقوم اللجنة الأولمبية الدولية بدراسة ما يجري في هذا الإطار بشكل جيد.
وقال خابرييف: إن عينات الرياضيين في جميع الأولمبياد يتم الاحتفاظ بها من قبل اللجنة الأولمبية الدولية لنحو عشرة أعوام، وهي قادرة على دراستها وتحليلها جميعاً، وليس فحص عينات لرياضيين محددين، ومن دولة معينة، حسب قوله.
كما شكك المسؤول الروسي بصحة الاتهامات الموجهة للسلطات الروسية بتزوير عينات الرياضيين بشكل ممنهج وواسع.
وأكد أن اللجنة الأولمبية الدولية هي المسؤولة عن تنظيم فحوصات الرياضيين، وهي التي تقوم باختيار الموظفين الذين يعملون خلال فترة الألعاب الأولمبية للرقابة على تعاطي المنشطات وإجراء الفحوصات.
وأشار خابرييف إلى وجود عدد كبير من المتطوعين الذين يتم إعدادهم من قبل اللجنة الأولمبية الدولية للعمل خلال الأولمبياد، بالإضافة إلى وجود أعداد كبيرة من المفتشين الأجانب الذين يشرفون على العملية؛ لذلك لا يمكن اتهام الوكالة الروسية لمكافحة المنشطات بتنظيم عملية تزوير العينات، حسب تعبيره.
بالتزامن مع ذلك انتقد العديد من الساسة الروس تقرير اللجنة المستقلة التابعة للوكالة الدولية لمكافحة المنشطات "وادا"، واتهموها بعدم تقديم الأدلة الكافية التي تثبت تعاطي الرياضيين الروس للمنشطات.
إلا أن الخبير الرياضي والكاتب في صحيفة Express Sport إيغور روبينير، اعتبر قرار إبعاد نائب وزير الرياضة الروسي يوري ناغورنيخ عن عمله بشكل مؤقت بقرار من الرئيس الروسي بعد الإعلان عن التقرير، مؤشراً على اعتراف شكلي من قبل السلطات الروسية بتعاطي الرياضيين الروس للمنشطات وتزوير عينات فحوصاتهم بغطاء من قبل الدولة. وفي هذا الصدد قال روبينير: إن إبعاد نائب وزير الرياضة الروسي عن عمله ما هو إلا تأكيد على أعلى المستويات لحقيقة تعاطي المنشطات، ولذلك لا يجب التشكيك بنتائج تحقيقات اللجنة المستقلة التابعة لـ "وادا"، حسب تعبيره. وأضاف روبينير أن نائب وزير الرياضة الروسي ما هو إلا حلقة صغيرة في سلسلة الشخصيات المتورطة في هذه القضية.
وعن اتهامات تعاطي المنشطات في كأس العالم 2018 والمقامة في روسيا، ردّ طبيب المنتخب الروسي إدوارد بيزوغلوف، رد بأن "هناك قرابة 300 عينة أخذت من اللاعبين على امتداد السنة الماضية لإجراء اختبار المنشطات، وتبيّن أن جميع النتائج سلبية". وأردف الطبيب أنه، في المقابل، لم يقدم المنتخب الإنجليزي هذا القدر من العينات.
وفي حالة ثبوت أن لاعبي المنتخب الروسيّ قد تعاطوا المنشطات خلال بطولة كأس العالم الحالية، ستكون هذه "الفضيحة" بمثابة "القشة التي قصمت ظهر البعير" حيث سيفقد الاتحاد الدولي مصداقيته وستكون محل انتقادات عنيفة وشديدة. مع طرح أسئلة عن مدى جدوى المؤسسة القائمة على تنظيم كرة القدم حول العالم.
لكن حتى يثبت هذا، يتوجب على الجميع تحية المنتخب الروسيّ على ما يقدمه من أداء خلال نهائيات كأس العالم الجارية حالياً على أرضه وبين جمهوره.